ألمانيا ـ الجهل بالحقوق يوقع المهاجرات في دوامة المشاكل
برلين (دويتشه فيله)
تصل بعض المهاجرات واللاجئات ألمانيا مثقلات بالتجارب السليبة، لتجدن أنفسهن في مواجهة عقبات أخرى. ويشكل الجهل بالحقوق أحد أهم هذه العقبات. الخوف من المجتمع قد يحول دون مطالبة بعضهن لأبسط حقوقهن، التي يضمنها البلد الجديد.
قبل ست سنوات تزوجت كريمة (اسم مستعار) من مهاجر مغاربي يعيش في ألمانيا، وهي تحلم في بناء حياة أسرية أفضل. اليوم تجد كريمة نفسها وأولادها داخل مأوى للمتشردين في إحدى المدن الألمانية وأمام العديد من المشاكل التي تواجهها بمفردها في بلد لا تعرف لغته ولا قوانينه.
قصة السيدة، التي تنحدر من بلد مغاربي، بدأت عندما قام زوجها الحالي بتطليق زوجته الألمانية في بلده الأصلي، كي يستطيع الزواج بها، لأن القانون هناك يمنع تعدد الزوجات. وبعد إتمام الزواج تركها زوجها للعيش في منزل عائلته في بلده في ظل ظروف صعبة وكان يزورها من حين لآخر، كما قالت كريمة وهي تسرد قصتها لـ"مهاجر نيوز".
بعد مرور عدة سنوات على زواجها، طلبت كريمة من زوجها الانتقال للعيش معه في ألمانيا لضمان حياة أفضل لها ولأولادها، لكنه رفض مبرراً ذلك برغبته في أن يُربى أبناؤه في بلدهم الأصلي.
بعدما يئست الزوجة من إقناع زوجها، انتقلت إلى ألمانيا عن طريق تأشيرة إلى فرنسا، وهنا اكتشفت أنه لم يطلق زوجته الأولى في ألمانيا وأن الطلاق بينهما حدث في بلدهما الأصلي فقط وأن زواجها به في ألمانيا غير معترف به حسب القانون الألماني الذي لا يعترف بتعدد الزوجات.
مصير معلّق
تقول كريمة وهي أم لثلاثة أطفال، يحمل اثنان منهما الجنسية الألمانية، إن زوجها في البداية كان متعاوناً معها، لكن تغيرت لهجته معها فيما بعد، إذ توجه بها إلى دائرة الرعاية الاجتماعية وتركها هناك في مواجهة مصير مجهول، كما قالت: "تمر علي أيام صعبة للغاية بهذا المكان فأنا أنحدر من أسرة محافظة والآن أجد نفسي أتقاسم المسكن ذاته مع مدمني المخدرات والكحول.. في كثير من الأحيان أضطر للبقاء في الخارج مع أولادي الصغار الذين لا ذنب لهم".
كانت تتخلل حديث كريمة فترات صمت طويلة، تحاول فيها إيجاد إجابات لتساؤلات عديدة، تكونت لديها حول حقوقها وحقوق أبنائها، الذين حاولت أن تؤمن لهم حياة أفضل.
الآن وقد مر عام على تواجدها وأولادها داخل المأوى، لا تعرف ما الذي يمكن أن تفعله بخصوص وضعها القانوني الذي بات معلّقاً، فهي لا تستطيع تعلم اللغة ولا الحصول على سكن خاص، كما تقول: "لا أستطيع العودة من حيث أتيت لأنني لا أملك منزلا ولا أستطيع تربية أبنائي بشكل جيد هناك".
الخوف من "الفضيحة"
"أعاني كثيراً مع زوجي الذي يسيء معاملتي وأفكر في الطلاق، لكني أخشى أن يؤثر ذلك على إقامتي وحضانة أولادي"، بهذه العبارات تطرح بعض اللاجئات والمهاجرات في ألمانيا مشاكلهن على بعض المجموعات النسائية المغلقة على موقع التواصل الاجتماعي "فيسبوك"، والتي تعتقد الكثيرات منهن أنه المتنفس "الوحيد والآمن" لهن.
في المقابل تحصلن على الكثير من التعليقات التي يصب معظمها في اتجاه واحد وهو "التحلي بالمزيد من الصبر" وأن طلب الطلاق ليس تصرفاً يليق بـ "بنات الأصول".
الخوف من الفضيحة والجهل بالحقوق من الأسباب التي تحول دون حصول بعض النساء في ألمانيا على المساعدة عند تعرضهن للاستغلال أو العنف، كما هو الحال مع قصة زينب (اسم مستعار) اللاجئة السورية، التي فضلت طرح قصتها على لسان أحد معارفها.
في العام 2017 قدمت زينب إلى ألمانيا عن طريق لم الشمل، ومنذ ذلك الحين وهي تعاني بسبب استغلال وتعنيف زوجها لها، الذي صادر جل حقوقها، منها المساعدة الاجتماعية التي تحصل عليها من الحكومة، كما وصلت قصتها لـ "مهاجر نيوز".
بعد محاولتها طلب الطلاق، هددها زوجها بإنهاء إقامتها وإعادتها إلى سوريا، ما جعلها تعدل عن قرارها وتنتظر شهوراً طويلة وهي تعتقد أنه باستطاعته إعادتها إلى سوريا من دون أن تسأل إن كان ذلك ممكنا قانونياً.
بعدما تحول الاستغلال والتهديد إلى عنف، تدخل أحد الجيران وأبلغ الشرطة التي اكتشفت أنها تتعرض للعنف منذ فترة طويلة.
وبعد قضاء عدة أيام داخل السجن، تنازلت زينب عن الشكوى وعادت للعيش معه والتعايش مع الوضع "بدل خراب بيتها"، كما جاء على لسان أحد معارفها نقلاً عنها.
"أيتها المرأة... اعرفي حقوقك!"
يعيش في ألمانيا حوالي 10,7 مليون مواطن أجنبي، 46,1 في المائة منهم نساء، حسب إحصاءات المكتب الاتحادي للهجرة واللاجئين (BAMF) للعام 2018. وشكلت النساء والفتيات 35 في المائة من إجمالي الأشخاص الذين طلبوا اللجوء في ألمانيا بين عامي 2015 و 2018.
وغالباً ما يكون التكيف مع الحياة في ألمانيا أكثر صعوبة لهن، إذ تشير الدراسات إلى أن اللاجئات لديهن احتمالات أقل لدخول سوق العمل مقارنة بالرجال، كما أنهن أقل عرضة للتواصل والتعامل بشكل منتظم مع السكان المحليين.
"التواصل مع المجتمع، هو العامل الأهم"، كما تقول ديزيري بيري من منظمة "Terre des Femmes" (أرض النساء) التي تدافع عن المرأة وحقوقها. بالنسبة للاجئات والمهاجرات اللواتي يعشن بمعزل عن المجتمع الألماني، تعمل المنظمة على التواصل معهن من خلال مشروع مرافقة وإدماج مخصص لهن، حيث تقوم سيدات متخصصات بمرافقة اللاجئات في طريقهن إلى الاندماج وبداية حياة حرة ومستقلة في ألمانيا.
وعن المشروع تقول بيري: "من خلال المشروع لا تنفتح اللاجئات فقط، بل أطفالهن (وأزواجهن) أيضاً على أساليب أخرى للحياة ويتعرفن على نماذج أخرى لنساء يتحركن بحرية، يسافرن، لديهن مسكن خاص، أو يعشن بمفردهن.. ومن هنا يعرفن حقوقهن في ألمانيا"، مؤكدة أن معرفة الحقوق الخطوة الأولى للمطالبة بها.
الطلاق لا يعاني بالضرورة الترحيل
يرى المحامي الألماني دجاهانشيري المتخصص في قانون الهجرة بمدينة ماينس، أنه من الصعب الحديث بشكل موحد عن حقوق النساء فيما يتعلق بحق الإقامة، لأنه من الضروري التعرف على كل حالة على حدة.
ويقول في حواره لـ "مهاجر نيوز": "مبدئياً لكل أجنبية في ألمانيا الحق في طلب اللجوء وتقديم الأسباب الخاصة للاضطهاد".
ويذكر المحامي أن هناك إمكانيات أخرى لمنح النساء حق الإقامة في ألمانيا. فعلى سبيل المثال، تتاح للنساء اللاتي وقعن ضحايا للإتجار بالبشر أو شبكات الدعارة إمكانيه الحصول علي حق الإقامة وفقاً لقانون الإقامة الألماني.
من جهة أخرى يضيف المحامي أنه وفق المادة 31 من قانون الإقامة، يجوز تمديد تصريح الإقامة للزوجة تحت ظروف معينة قبل أن تنتهي السنوات الثلاث من الزواج، كما ينص على ذلك قانون الأجانب.
وعن وضع السيدة كريمة، يقول: "بما أن أطفالها يحملون الجنسية الألمانية وقاصرون وتربطها بهم علاقة أسرية، يمكنها أن تحصل على حق الإقامة عن طريق الأطفال".
بحسب دراسة لمنظمة التعاون الاقتصادي والتنمية (OECD) الأوروبية فإن نسبة النساء بين اللاجئين في ألمانيا آخذة في الازدياد وهي الآن تقرب من 40 في المائة. خاصة في حالة طالبي اللجوء من سوريا والعراق وإيران، فقد نمت حصتها بشكل كبير على مدى السنوات الثلاث الماضية. ووفقا للدراسة فإن هناك عدم مساواة كبيرة بين الجنسين في هذه الفئات.
فيديو قد يعجبك: