الفاتيكان يُسقط "السرية البابوية" بعد 6 عقود من الفضائح الجنسية
كتب - محمد صفوت
استمر البابا فرانسيس بابا الفاتيكان في سياسته لمواجهة الانتهاكات الجنسية داخل جدران الكنيسة، وأعلن في بيان رفع ما يسمى بـ"السرية البابوية" عن قضايا الاعتداءات الجنسية والمحاكمات التي تطال أفراد من الكنيسة.
ويأتي ذلك بعد قضايا ضد عدد كبير من الأساقفة والمطارنة في الفاتيكان، جعلت الباب يعترف بالاعتداءات الجنسية التي طالت الراهبات من قبل الكهنة.
وفي بيان للفاتيكان، الثلاثاء، رفع البابا فرانسيس ما يعرف بـ"السرية البابوية" عن قضايا الاعتداءات الجنسية والمحاكمات في هذا الشأن، مبقيًا على الحد الأدنى من السرية لحماية الأشخاص. والسرية البابوية هي قاعدة سرية متبعة داخل الفاتيكان لحماية المعلومات الحساسة داخل الكنيسة.
وأوضح العضو في المجلس البابوي للنصوص التشريعية، خوان إينياسيو أرييتا، في بيان نشره الفاتيكان أن التوجيهات التي وقعها البابا هدفها "رفع السرية عن البلاغات والمحاكمات والقرارات والوثائق المتعلقة بالاعتداءات الجنسية على القاصرين والأشخاص الضعفاء".
وقبل الفاتيكان في وقت سابق من اليوم الثلاثاء، استقالة المطران الإيطالي لويجي فينتورا البالغ من العمر 75 عامًا، والذي يشغل منصب سفير الفاتيكان لدى فرنسا منذ 2009، والذي يواجه اتهامات بالتحرش الجنسي الجنسي بشاب خلال حفل أقيم في مجلس مدينة باريس، وتنازل الفاتيكان عن حصانته الدبلوماسية في يوليو الماضي للسماح للنيابة الفرنسية بالتحقيق مع المطران الإيطالي.
ويشمل قرار البابا تعديلا يتيح "إمكانية أن يكون المحامون في القضايا المتعلقة بهذه الجرائم مؤمنين علمانيين مجازين في القانون الكنسي وليس كهنة فقط حسب ما كان في النص السابق"، كما قال الفاتيكان.
وأوضح الصحفي الإيطالي أندريا تورنييلي مسؤول التحرير في المكتب الإعلامي للفاتيكان أبعاد القرار، قائلاً: "إن هذا يعني عمليًا أن الشكاوى والشهادات ووثائق المحاكمات المتعلقة بالاعتداءات الجنسية وكانت تخضع للسرية البابوية، أصبح يمكن تسليمها إلى قضاة سلطات مدنية في مختلف الدول.
وأضاف إنها إشارة انفتاح وشفافية وتعاون مع السلطات المدنية، واصفًا القرار بـ"التاريخي".
إقرار البابا بالفضائح
في 17 يناير الماضي، تحدث شاب يبلغ من العمر 30 عامًا، ويعمل في الإدارة العاملة للعلاقات الدولية في بلدية باريس، عن تعرضه للتحرش الجنسي 3 مرات خلال حفل أقامته البلدية وحضره سفير الفاتيكان لدى فرنسا، لويجي فينتورا.
وذكرت مصادر مقربة من بلدية باريس، لوكالة "فرانس برس" أنه "خلال الحفل، كان أحد العاملين في البلدية ضحية ملامسات جنسية ثلاث مرات، واحدة منها أمام شاهد".
وقال مساعد رئيس البلدية المكلف العلاقات الدولية، باتريك كلوجمان، إن الحادث وقع خلال حفل التهاني بمناسبة رأس السنة الجديدة، للسلطات واتخذ القرار بسرعة لإبلاغ مدعي الجمهورية، حسبما ذكرت "فرانس برس".
وخضع فينتورا، للتحقيق في فبراير الماضي، بتهم الاعتداءات الجنسية، وفقًا لصحيفة "لوموند" الفرنسية.
وشغل فنتورا الدبلوماسي في الفاتيكان، منصبه في باريس منذ 2009 وهو مكلف بالعلاقات بين الكرسي الرسولي والسلطات الفرنسية من جهة، ومع أساقفة فرنسا من جهة أخرى.
وبحسب صحيفة "ليكسبريس" الفرنسية فإن الدبلوماسي الفاتيكاني خضع للتحقيق في 3 تهم بالاعتداءات الجنسية، وأدلى بشهادته في تلك الاعتداءات في إبريل الماضي.
وفي فبراير الماضي، وسط الملاحقات الأمنية التي طالت عددًا من الأساقفة والمطارنة في الفاتيكان، أقر البابا فرانسيس لأول مرة الاعتداءات الجنسية التي طالت الراهبات من قبل الكهنة، وقال في تصريح، أثناء زيارته للإمارات: "الكهنة والأساقفة أهانوا الراهبات، الكنيسة كانت على علم بهذه المشكلة وتعمل على البحث في حيثيات المسألة".
وأضاف فرانسيس أن مسألة اغتصاب الراهبات، كانت دومًا معضلة مزمنة، لكنها حصلت ضمن مجموعات محدودة، وفي الغالب كانت حديثة.
"اعتداءات على مدار 60 عامًا"
خلال الأعوام الماضية، هزت الكنيسة قضايا واسعة مرتبطة باعتداءات جنسية بحق أطفال وراهبات ارتكبت لعقود من قبل كهنة ورجال دين بالكنيسة، وسط تعتيم من قبل رؤسائهم في عدة دول على رأسهم الولايات المتحدة وتشيلي وألمانيا، حسبما ذكرت "فرانس برس".
ففي فرنسا قضت محكمة هناك بالسجن 6 أشهر للكاردينال فيليب بارباران بسبب تستره على تجاوزات جنسية لكاهن داخل إحدة الإبراشيات في ليون الفرنسية، طالت بعض الأطفال، في مارس الماضي.
واستقال الكاردينال إثر الفضيحة الأخلاقية في نفس الشهر الذي قضت فيه المحكمة بمعاقبته، ويشار إلى أنه، قد أدين أسقفان في فرنسا في قضايا مماثلة في عامي 2001 و2018.
وفي فبراير الماضي، قضت محكمة أسترالية بالسجن 6 سنوات، بحق الكاردينال جورج بيل 78 عامًا، بعد إدانته بالاعتداءات الجنسية على الأطفال في تسعينيات القرن الماضي.
ويُعد بيل، أرفع قس كاثوليكي على مستوى العالم يدان بتهم ارتكاب مخالفات جنسية بحق الأطفال.
واتهم تقرير صدر عن لجنة تحقيق شكلت في إيرلندا لبحث ملف الاعتداءات الجنسية من القساوسة على الأطفال، في 2009، مئات القساوسة بالتورط في اعتداءات جنسية على الأطفال أو التستر على الاعتداءات التي تحدث
وأمضت لجنة التحقيق 9 سنوات في النظر في مزاعم تعرّض آلاف الطلاب السابقين في المدارس الحكومية ودور الأيتام لانتهاكات جنسية على يد القساوسة، يعود بعضها إلى أكثر من 60 عامًا، مشيرة إلى أن نحو 500 قس تورّطوا في هذه الانتهاكات.
وبحسب التقرير الذي نشرته "يورو نيوز" فإن آلاف الأطفال عانوا من الانتهاكات الجنسية خاصة في دور الأياتم والمدارس الصناعية بسبب الأوامر الدينية، فضلاً عن أن أغلب الأطفال ولدوا خارج إطار الزواج أو جاؤوا من عائلات فقيرة لم تتحمل نفقات إطعامهم.
واستقبل البابا فرانسيس، في 2014، لأول مرة ضحايا الاعتداءات الجنسية التي ارتكبها بعض الكهنة والقساوسة، مؤكدًا موقف ورغبة التي أبداها سلفه البابا بنديكتوس السادس عشر بتغيير موقف الكنيسة السابق القائم على التستر وعدم التعاطف مع الضحايا.
فيديو قد يعجبك: