في ذكرى تأسيسه.. هل تعرقل تركيا خطط الناتو في الشرق الأوسط؟
(دويتش فيله)
بلقاء يجمع زعماء 29 دولة عضوا في "الناتو"، يحتفل أقدم وأكبر حلف عسكري على طرفي الأطلسي بالذكرى الـ 70 لتأسيسه. بيد أن هذا التكتل العسكري يشهد خلافات غير مسبوقة قد تهدد وجوده. فماذا يجري في أروقة الحلف وما دور تركيا؟
طيلة سبعين عاما من وجوده كقوة غربية يحسب لها ألف حساب في العالم لم يجد حلف شمال الأطلسي (الناتو) نفسه يوما أمام هذا الكم الهائل من الخلافات بين أعضائه، الأوروبيون من جهة وبينهم وبين الشريك الأكبر في الجانب الشمالي من المحيط الأطلسي ـ الولايات المتحدة، من جهة أخرى.
والاجتماع المقرر يومي الثلاثاء والأربعاء المقبلين لزعماء التكتل الغربي في العاصمة البريطانية لندن، والذي لم يطلق عليه تسمية "قمة" رسمية ينعقد في ظل انقسامات حادة بشأن ملفات عديدة منها: الانسحاب الأمريكي من الشرق الأوسط وترك الأوروبيين في حيرة من أمرهم بشأن المنطقة الساخنة جنوب المتوسط، ومنها أيضا ما يتعلق بزيادة حجم النفقات العسكرية للدول الأعضاء، خصوصا ألمانيا.
ومن المسائل الخلافية أيضا ما يتعلق بتوحيد رؤية استراتيجية لسياسة غربية واضحة المعالم في المرحلة المقبلة التي تشهد حضورا عسكريا قويا لروسيا في بعض ميادين العالم الساخنة، كسوريا وليبيا. كما لا ينبغي تناسي الدور التركي الذي يثير حفيظة بعض أعضاء الأطلسي كاليونان وفرنسا وغيرها من الدول الأعضاء بسبب تدخلها العسكري في شمال سوريا ونشاطها السياسي والعسكري المستجد في ليبيا.
خلافات دائمة ولكنها غير علنية
بيد أن الحلف الأطلسي الذي تأسس في مطلع نيسان/ أبريل من عام 1949 باثنتي عشرة دولة وارتفع العدد إلى 29 دولة حاليا على أن يكتمل النصاب بعد اجتماع لندن بثلاثين دولة عندما تتم الموافقة على عضوية شمال مقدونيا، لم يكن ناديا موحد الآراء والمواقف دوما. فقد أخذت الخلافات حيزا واسعا من اهتمام زعماء التكتل، لكن الفرق يكمن، حسب الخبيرة الألمانية كلاوديا مايور، من المعهد الألماني للسياسة الدولية والأمن في برلين، في كيفية التعامل مع الخلافات: هل تبقى محصورة في أروقة الحلف، أم يتم طرحها علنا، كما هو الحال في هذه الأيام.؟
وتقول مايور الخبيرة في قضايا الحلف في حديث مع DW عربية "أعتقد من الصحيح أن نقول إن الخلاف بحد ذاته ليس بالشيء الجديد. فهناك 29 عضوا، حيث يكون أمرا عاديا أن تكون هناك خلافات. فهذا ليس بالجديد إطلاقا. لكن السؤال المطروح هو كيف يتم طرح الخلافات، والمقصود بذلك هل يتم التعامل معها علنا أم يتم التعامل معها داخل أروقة المؤسسة بعيدا عن الأضواء". وتتابع الخبيرة "كما ينبغي النظر فيما إذا كان الأعضاء يتمكنون من تجاوز الخلافات والخروج بموقف مشترك منها فيما يخص الموقف من مبدا الدفاع المشترك، أم لا، كما هو الحال هذه المرة".
أخطاء كبيرة في الشرق الأوسط
من جانبه، يقول استاذ العلوم السياسية في جامعة الجزائر إدريس عطية إن حلف شمال الأطلسي ارتكب أخطاء كبيرة في الماضي، خصوصا عندما قرر أن يتدخل عسكريا في شمال إفريقيا، في ليبيا في عام 2011 وهو أمر أثار خلافات كبيرة بين صفوف أعضائه، كما لم يتم لحد الآن تصحيح تلك الأخطاء وتسبب بخلل كبير في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، حسب رأي المتحدث.
ويشير الخبير الجزائري أيضا إلى قضية الدور الفرنسي في حلف شمال الأطلسي، فبعد أن كان الرئيس الفرنسي الأسبق نيكولا ساركوزي عراب التدخل الأطلسي في ليبيا، ما أثار اشكاليات كبيرة في المنطقة، حسب قناعة الخبير، يأتي دور فرنسا الحالي حيث يطالب الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون بموقف سياسي موحد إزاء تدخلات عسكرية لدول أعضاء في الحلف مثل تركيا، سواء أكان ذلك في شمال سوريا أم في ليبيا.
ماكرون وصف الحلف سياسيا "بالميت سريرا"، فيما نأت ألمانيا ودول أخرى بنفسها عن ذلك التوصيف، ما لا يعني أنها متفقة مع التشتت السياسي للحلف الغربي في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا. الرئيس التركي أردوغان رد على ماكرون مخاطبا إياه بالقول: "يجب عليك أن تتأكد أولاً مما إذا كنت أنت ميت سريرياً".
تركيا على خطى الإمبراطورية العثمانية
ويعتبر الخبير إدريس عطية في حديثه مع DW عربية أن النشاط التركي، وهي دولة أساسية في الحلف الغربي، في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفر يقيا يثير الكثير من المتاعب للحلفاء الأطلسيين الآخرين، حيث يوضح عطية أن تركيا بعد أن فقدت الأمل في دخول الاتحاد الأوروبي لتتمتع بمزايا التكتل الاقتصادية والسياسية، لجأت إلى ممارسة نشاط تدخل في إطار محاولات إحياء الإمبراطورية العثمانية، حيث تبحث تركيا عن عمق إستراتيجي في الشرق الأوسط وفي شمال إفريقيا.
ومن بين تلك النشاطات يصف الخبير عطية التدخل التركي في شمال سوريا ضد الأكراد الذين شكلوا حليفا قويا على الأرض بالنسبة للحلفاء الغربيين، وخصوصا الولايات المتحدة، في الكفاح ضد دحر تنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش) في سوريا.
الدب الروسي والتنين الصيني
كما يعتبر عطية التعاون التركي الروسي يدخل تماما في إطار السعي التركي الباحث عن عمق إستراتيجي والذي تبحث عنه روسيا أيضا والتي تستغل الخلافات الأطلسية على ضفتي المحيط للمزيد من التوغل العسكري ومد نفوذ الدب الروسي في الشرق الأوسط، كما تفعل الصين في مد نفوذها الاقتصادي في المنطقة، حسب تعبير عطية.
ويوضح عطية أن التدخل الروسي سواء كان المباشر أو عبر التعاون مع تركيا في المنطقة، في سوريا أو في ليبيا يدخل في إطار العودة إلى تعدد الأقطاب في السياسة الدولية، ما قد يساهم في إعادة ترتيب الأوراق العربية، في حال سعت الأنظمة العربية إلى القيام بعملية مصالحة واسعة وتصفية الأجواء لمرحلة تفتقر إلى التأثير الأمريكي المباشر وفقدان دور أوروبي فاعل، عسكريا على الأقل في التعامل مع أزمات المنطقة، حسب تعبير عطية.
تجدر الإشارة إلى أن تركيا تحاول دفع الشبهات عن تحركاتها العسكرية في منطقة الشرق الأوسط أو استغلال عضويتها في الحلف لعرقلة خطط التكتل الغربي الدفاعية في أوروبا، فقد قال مصدر أمني تركي الاثنين، قبيل اجتماع لزعماء "الناتو" في لندن إن تركيا لا تبتز الحلف برفضها خطة دفاعية لدول البلطيق وبولندا، مؤكدا في المقابل على أن بلاده تتمتع بحق النقض (الفيتو) داخل الحلف.
وكانت رويترز قد ذكرت الأسبوع الماضي أن تركيا ترفض تأييد خطة دفاعية للحلف تخص دول البلطيق وبولندا إلى أن تحصل على مزيد من الدعم لهجومها في سوريا على وحدات حماية الشعب الكردية التي تعتبرها أنقرة منظمة إرهابية. وقالت تركيا إن سبب المأزق هو سحب الولايات المتحدة دعمها لخطة دفاعية منفصلة لتركيا تتعلق بأي هجوم محتمل من الجنوب حيث حدودها مع سوريا، وإنها تريد تسوية المسألة.
وقال المصدر التركي "حلف الأطلسي مؤسسة تتمتع فيها تركيا بكامل حقوق النقض، سياسيا وعسكريا، وهناك إجراءات قائمة. "لا يوجد شيء اسمه ابتزاز تركي، ومثل هذا التصريح غير مقبول".
ويبدو أن الأمين العام للحلف الأطلسي يبذل جهودا كبيرة من أجل تسوية الخلافات التي تعتبر الأكبر والأعمق منذ تأسيس الحلف قبل سبعين عاما، فقد دعا ستولتنبرغ أعضاء الحلف للتحلي بمزبد من التكاتف. فهل دعوته مستجابة؟ الإجابات تبدو اليوم غير واضحة وربما نشهد خلال اليومين القادمين مراسم احتفالات كبيرة توحي بالوحدة والانسجام ولكن على المرء أن يدقق في الصورة بشكل أعمق.
فيديو قد يعجبك: