تدويل الصراع الليبي.. هل يحول بوتين ليبيا إلى سوريا ثانية؟
"دويتشه فيله"
رغم أهمية موقع ليبيا للقارة العجوز، إلا أن الأوروبيين لم يوحدوا موقفهم بعد إزاء الصراع في الجارة الجنوبية، رغم سعي ألمانيا في عقد مؤتمر حول الأزمة الليبية. فهل يشكل ذلك فرصة ذهبية لبوتين ليخلق منها سوريا ثانية؟
لا يستطيع احد تجاهل أهمية ليبيا بالنسبة للأوروبيين، فهي الدولة التي يتحرك منها مئات الآلاف من المهاجرين صوب الشاطئ الشمالي للبحر المتوسط. ويرى مراقبون أن الجماعات الإسلامية المتطرفة، مثل "داعش" والقاعدة تتخذ من فليبيا ملاذا آمنا لتنمو وتتوسع وتصدر إرهابها إلى دول أوروبا. ليبيا ذات أهمية جيوسياسية كبيرة بالنسبة لأوروبا، ناهيك عن أهميتها الاقتصادية، خصوصا كمصدر مهم لتوريد الطاقة.
ورغم ذلك، لا يتعامل الأوروبيون مع الملف الليبي بصوت موحد، بل تتعارض مواقفهم بشدة ويقفون في جبهات ليبية متحاربة وجها لوجه.. لماذا يا ترى؟ ما الذي يمنع أوروبا من توحيد الموقف بشأن ليبيا؟
ولخلافات أوروبا تأثير سياسي وأمني آخر على المنطقة، حيث تسعى روسيا لملء الفراغ الذي تخلقه اوروبا خصوصا، والغرب عموما في ليبيا وشمال أفريقيا. فهل تقف أوروبا متفرجة على توسع النفوذ الروسي في ليبيا؟ في الوقت الذي يشتد فيه الصراع المسلح بين طرفي الأزمة الأساسيين، الرجل القوي في شرق ليبيا خليفة حفتر وشركائه من جانب، وحكومة فايز السراج المعترف بها دوليا وشركائها من جانب آخر.
حول ذلك يقول استاذ التاريخ المعاصر في جامعة باريس الدكتور عادل اللطيفي في حديثه مع دويتشه فيله عربية (DW) "في الحقيقة أن التردد الأوروبي في ليبيا ليس بالجديد، لاحظناه في سوريا من قبل كما لاحظنا ذلك ايضا في القضية الأوكرانية، وهي مسألة اقرب إلى أوروبا، ما عدا الاهتمام الألماني". ويتابع اللطيفي حديثه قائلا إن أوروبا وبسبب انعدام سياسة خارجية موحدة تشتت موقفها من ليبيا بسبب موقف دولتين كبيرتين فيها، أي فرنسا وإيطاليا".
ويرى اللطيفي أن الخلافات بين روما وباريس تصاعدت بعد صعود اليمين الشعبوي في إيطاليا إلى السلطة لفترة وجيزة وتحول إلى صراع مفتوح ما أثر سلبا على الموقف الأوروبي في ليبيا. ويوضح أن الصراع الأوروبي الداخلي على الموقف من ليبيا ترك فراغا سياسيا وأمنيا دفع بروسيا أولا ومن ثم تركيا للتدخل والسعي للعب دور حاسم في الأزمة.
ولكن التدخل الروسي في ليبيا يواجه بصمت عربي من دول فاعلة مثل مصر والسعودية والإمارات. هل يحظى التوسع الروسي في شمال افريقيا بعد سوريا بدعم عربي ولو بصمت؟
عن ذلك يقول اللطيفي "إذا تحدثنا عن دعم عربي في هذا المجال، فإننا نتحدث عن دعم مصري بالأساس، وكذلك ربما إلى حد ما دعم إماراتي". لكن الخبير يستدرك ليقول "بأن الدعم هذا يتمثل في الحقيقة في التقاء مصالح" فقط. فالمعروف عن الرئيس بوتين، حسب رأي اللطيفي، أنه يعارض "الحركات الإخوانية" بصفة عامة. وبهذا تلتقي مصالح مصر والإمارات مع روسيا في محاربة "الإسلام السياسي، بشقيه المتطرف والمعتدل".
لكن اللطيفي يشير إلى جانب مهم في الملف، حيث يعتقد أنه إذا كان موقف مصر والإمارات الداعم للجنرال حفتر يأتي بشكل غير علني ويتم خلف الكواليس، فإن تطورا آخر يلفت الانتباه وهو التحالف السياسي والأمني بين حكومة السراج وأردوغان والذي أسفر عنه توقيع اتفاقية أمنية عسكرية على حد ما بين الجانبين ويساهم في رسم الحدود بين الطرفين، وهو أمر اثار غضب الغرب والعرب على السواء.
بيد أن الخبير السياسي عادل اللطيفي يؤكد أن روسيا لا تريد أن يكون لها حضور علني لصالح حفتر، كما تفعل ذلك مصر والإمارات، ولكن يبدو أن الحضور العسكري لروسيا لحساب "الجيش الوطني الليبي"ن أي قوات حفتر، قائم، كما يبدو ذلك من بعض أشرطة الفيديو وصور نشرت في الأيام الأخيرة.
لكن السؤال المهم في هذا السياق يتعلق بمدى تناغم النشاط الروسي، سواء أكان رسميا أم غير رسمي، مع تحالف بوتين مع الرئيس التركي رجب طيب أردوغان والذي كما هو معروف يقف وبكل قوة إلى جانب حكومة الوفاق الوطني برئاسة فايز السراج. والسؤال ايضا هو: ألا يجازف بوتين بهذه العلاقة الفتية مع أردوغان؟
عن ذلك يقول الخبير عادل اللطيفي: "الحقيقة هذه العلاقة بين روسيا وتركيا أصبحت علاقة شخصية بين بوتين وأردوغان، وليست علاقة بين دولتين. والقاسم المشترك بين الرئيسين هو تركيز كل نفوذ الدولة والسلطة في يد شخص، سواء كان أردوغان أو بوتين". فأردوغان وبوتين "يشتركان في نهج سياسي واحد يتمثل في لجم المعارضة والتحجج في تمثيل مصالح وطنية فقط". لكن اللطيفي لا يستبعد أن تنفجر الخلافات الكبيرة بين أردوغان وبوتين على الأرض الليبية.
من جانبه، ينفي الصحافي أديب السيد المطلع على السياسة الروسية والمعتمد لدى الخارجية الروسية في موسكو أي دور عسكري روسي في ليبيا. وتابع في حديثه مع دويتشه فيله عربية (DW) "أن روسيا تسعى للوقوف بشكل حيادي في الصراع في ليبيا، ولهذا تحافظ على مسافة متساوية مع طرفي الصراع". وعلى هذا الأساس، وحسب رأي أديب السيد، فإن روسيا تعمل بكامل طاقتها الدبلوماسية من أجل دعم جهود ألمانيا الساعية لعقد مؤتمر للأزمة الليبية بحضور كل أطرافها في الداخل والدول المتورطة فيها في ما يسمى بمبادرة برلين من أجل ليبيا مطلع العام القادم.
لكن السيد يشير أيضا، وفي سياق تبرير دور روسيا في ليبيا إلى السياسة الروسية عموما التي تسعى لمنع كل الدول التي شاركت في الهجوم الأطلسي على ليبيا في عام 2011 في جني ثمار إسقاط نظام القذافي.
ويبرر السيد ذلك بالقول إن موسكو تشعر بأنها تم خداعها من قبل حلف شمال الأطلسي عندما صوتت موسكو في مجلس الأمن الدولي لصالح القرار رقم 1973 في مارس من عام 2011 والخاص بإقامة منطقة حظر الطيران على ليبيا لمنع سلاح الجو التابع للقذافي من قصف مواقع المعارضة الليبية آنذاك.
وترى موسكو أن الأطلسي اتخذ القرار ذريعة لشن هجوم جوي ضد نظام القذافي. فروسيا، وحسب رأي السيد، لم تغفر لدول حلف شمال الأطلسي المشاركة في قصف ليبيا آنذاك ابدأ. ولهذا تسعى السياسة الروسية في ليبيا إلى عرقلة جهود تلك الدول.
فيديو قد يعجبك: