في الذكرى الثامنة للثورة.. ليبيا من الحرب الأهلية إلى الانقسام لحكومتين
كتب - محمد عطايا:
ثماني سنوات كاملة مرت على اندلاع الثورة الليبية، التي انطلقت تزامنًا مع نظيرتيها في مصر وتونس، ودعت جميعها لإنهاء الأنظمة الحاكمة في البلاد الثلاث المتجاورة، فيما عُرف بـ"الربيع العربي".
بعد مقتل الرئيس الليبي العقيد معمر القذافي، على يد مجموعة من "الثوار"، تحولت الدولة إلى منطقة تعاني من انتشار التنظيمات الإرهابية، وأرض يحكمها نظامين بحكوميتين وجيشين.
تتغير مناطق النفوذ في الدولة الليبية بشكل سريع، نظرًا للتناحر الدائم بين الميليشيات، والمعارك التي يخوضها الجيش الوطني بقيادة المشير خليفة حفتر.
ووفقًا لما ذكرته وسائل إعلام ليبية، يسيطر المشير خليفة حفتر على الشرق بالكامل، إضافة إلى درنة، وبعض المحافظات الهامة، مثل الجفرة وقاعدتها العسكرية، بينما تسيطر حكومة الوفاق الليبية، بقيادة فائز السراج، والكتائب الموالية، على الغرب بما في ذلك العاصمة طرابلس. وتسيطر قبائل الطوارق الموالية لحكومة الوفاق على الجنوب الغربي، فيما تسيطر قبائل التبو على مناطق محدودة من الجنوب، وتدعم المشير حفتر.
الأوضاع الأخيرة التي وصلت لها ليبيا، جاءت نتيجة منعطفات ومنعرجات عظمى بعد الثورة، يمكن تلخيصها في عدة نقاط:
ما بعد الثورة
حكم ليبيا ثلاثة مجالس رئيسة: "الوطني الانتقالي" الذي حكم وقت الثورة لفترة مؤقتة، ومن بعده "المؤتمر الوطني العام" وحكم بعد الثورة وكان بمثابة مجلس انتقالي، قبل انتخاب مجلس النواب الذي تولى إجراء بقية الاستحقاقات الأخرى.
تشكل المجلس الوطني الانتقالي في مدينة بنغازي في 27 فبراير من العام 2011، أي بعد عشرة أيام فقط من اشتعال الثورة، وكانت مهامه تتمثل بشكل عام في ضمان سلامة الأرض والمواطنين، وتنسيق الجهود لتحرير باقي أنحاء ليبيا، وذلك بعد سقوط الشرق في يد "الثوار"، بالإضافة إلى الإشراف على المجلس العسكري، وتسيير العلاقات الخارجية مع الدول، وتشكيل حكومة مؤقتة، تشكلت بالفعل في 5 مارس من العام 2011، برئاسة محمود جبريل، وتلتها حكومة علي الترهوني، ثم حكومة عبدالرحيم الكيب.
وأُعلن تحرير ليبيا يوم 23 أكتوبر 2011، أي بعد مقتل القذافي بثلاثة أيام فقط، ووضع المجلس الوطني الانتقالي قانونًا لانتخابات المؤتمر الوطني في 12 فبراير 2012، لتُجرى الانتخابات في السابع من يوليو، ويفوز بها تحالف القوى الوطنية الليبرالي بـ39 مقعدًا من أصل 80، مقابل 17 مقعدًا لحزب العدالة والبناء "الإخوان المسلمين"، مع توزيع بقية المقاعد على الكيانات الأخرى، ليتسلَّم المؤتمر الوطني العام السُلطة من المجلس الوطني الانتقالي.
أجريت انتخابات مجلس النواب في 24 أغسطس 2014، عن طريق نظام الانتخاب الفردي فقط، وأسفرت عن خسارة كبيرة للإسلاميين؛ فلم يحصل حزب العدالة والبناء، ممثل الإخوان المسلمين، إلا على 23 مقعدًا فقط من ضمن 188 مقعدًا.
الانقسام إلى حكومتين
يشار إلى أن المجلس الوطني الانتقالي كان قد انتهى من الإعلان الدستوري المؤقت في أغسطس 2013، إلا أنه جرى الطعن على نص الفقرة 11 من المادة 30 به، الخاصة بانتخاب الرئيس خلال مدة لا تزيد عن 45 يومًا.
في نوفمبر من العام 2014، قضت المحكمة العليا في ليبيا بعدم دستورية تلك الفقرة، ليستغل المؤتمر الوطني الحكم لصالحه، ويؤكد أن الحكم يعني بطلان انتخاب مجلس النواب؛ وبالتالي استمراره في الحكم كممثل شرعي.
في المقابل، أكد أعضاء مجلس النواب أن حكم المحكمة لا يتعلق من قريب أو بعيد بانتخاب مجلس النواب، وإنما بانتخاب رئيس الجمهورية فقط، وعليه فقد كلف المجلس حكومة عبدالله الثني، بينما كلف المؤتمر الوطني الانتقالي حكومة عمر الحاسي حينها، وبذلك انقسمت ليبيا إلى حكومتين تتمثل الأولى في حكومة عبدالله الثني، ويقود قواته المسلحة المشير خليفة حفتر، والثانية متمثلة في مؤتمر وطني انتقالي في طرابلس غربًا، ولديه حكومة عمر الحاسي، وتتمثل قواته المسلحة في الميليشيات المسلحة المختلفة، والمسماة باسم "فجر ليبيا".
اتفاق الصخيرات
نظرًا للانقسام الذي شهدته ليبيا، بدأ المشير خليفة حفتر "معركة الكرامة"، في مايو من العام 2014، لهدف مُعلن يسعى به للقضاء على الإرهاب الذي بدأ يتفشى في شرق البلاد، وآخر خفي يتمثل في فرض القوة في مواجهة الميليشيات المدعومة من المجلس الوطني الانتقالي غير المعترف به دوليًا.
بعد سلسلة من المحاولات الأممية، نجح المبعوث الأممي الألماني مارتن كوبلر، في جمع أطراف ممثلة من مجلس النواب، والمؤتمر الوطني في مدينة الصخيرات بالمغرب، وهو ما عُرف باسم "اتفاق الصخيرات" في 17 ديسمبر 2015.
نص اتفاق الصخيرات ـ باختصار ـ على تكوين مجلس رئاسي من تسعة أشخاص برئاسة فائز السراج، مع وجود أحمد معيتيق نائبًا له، وعضوية 7 آخرين، بالإضافة إلى تشكيل مجلس أعلى يقدم المشورة لمجلس النواب، ويقصد به إرضاء أعضاء المؤتمر الوطني مقابل أن يحل المؤتمر، ويصبح مجلس النواب هو الممثل الوحيد للسلطة التشريعية.
لم تنفذ بنود اتفاق الصخيرات بشكل كامل لأسباب تتعلق بالتمثيل في حكومة الوفاق وإجراءات الانتخابات، واستقبلت اللجنة الوطنية المصرية المعنية بالشأن الليبي، في فبراير من العام 2017، كل من المشير خليفة حفتر، وعقيلة صالح رئيس مجلس النواب، وفائز السراج رئيس المجلس الرئاسي، فضلاً عن أعضاء من مجلس النواب والمجلس الأعلى للدولة، وممثلين لأعيان وقبائل ليبيا، في سياق ما سُمّي بـ"لقاءات القاهرة"، الهادفة إلى تسوية الأزمة الليبية.
الوساطة الدولية
بعد وساطة دولية، وافق المشير خليفة حفتر على عقد انتخابات رئاسية، تكون حلاً للأزمة التي تشهدها البلاد حينها، إلا أن الأوضاع تعقدت مرة أخرى، ودعت إيطاليا إلى عقد مؤتمر باليرمو في ديسمبر العام الماضي، الذي رفض القائد الأعلى للجيش الليبي المشاركة فيه، واكتفى بالتواجد في بعض جلساته، ردًا على حضور ممثلين من فطر وتركيا، وفق بيان رسمي للجيش الليبي.
وفي منتصف يناير الماضي، أعلن الجيش الليبي شن عملية عسكرية هدفها القضاء على التنظيمات الإرهابية في جنوب البلاد، في محاولة لتطهير المنطقة من الإرهاب القادم من الجماعات التشادية المتمردة وجيوب داعش والقاعدة.
فيديو قد يعجبك: