فورين بوليسي: بعد تجربة العراق.. هل تستعد الولايات المتحدة لغزو إيران؟
كتب - هشام عبد الخالق:
نشرت مجلة "فورين بوليسي" الأمريكية، تحليلًا للكاتب ستيفن كوك، ناقش فيه احتمالية غزو الولايات المتحدة لإيران، ومدى تشابه الأحداث الجارية بما حدث قبل الغزو الأمريكي للعراق في 2003.
وقال الكاتب، الذي يعمل زميلًا في زمالة "إيني أنريكو ماتي" لدراسات الشرق الأوسط وأفريقيا بمجلس العلاقات الخارجية، إن "الإدارة الأمريكية برئاسة دونالد ترامب، شددت بشكل متكرر، أن قمة وارسو حول الشرق الأوسط الأسبوع الماضي، كانت جهدًا لإظهار التضامن والدعم الدوليين لعزل إيران، ولكنها كانت تبدو على أنها قمة لإعلان الحرب.
قمة واسو، التي حضرها نائب الرئيس الأمريكي مايك بنس، ووزير الخارجية مايك بومبيو، ورئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، وعدد من وزراء الخارجية العرب، ووزير الخارجية البريطاني جيريمي هانت، تزامنت مع الذكرى الأربعين للجمهورية الإسلامية الإيرانية، ونشر مستشار الأمن القومي الأمريكي جون بولتون مقطع فيديو عبر تويتر، يبرز قائمة واشنطن الطويلة من المظالم والاتهامات الموجهة إلى القادة الإيرانيين، موجهًا حديثه في النهاية لآية الله خامنئي، قائلًا: "لا أعتقد أنه سيكون لديك المزيد من الاحتفالات".
نائب الرئيس مايك بنس استخدم القمة لتوجيه بعض الكلمات القاسية إلى حلفاء الولايات المتحدة في أوروبا، الذين اتهمهم بمساعدة وتحريض عدو للولايات المتحدة.
ويقول الكاتب، بالأخذ في الاعتبار، قمة وارسو وكلمات بنس لأوروبا وتهديد بولتون، فإن أحداث الأسبوع الماضي مألوفة بطريقة ما، ولم يتخذ الحديث عن إيران نفس حمى الحرب التي استحوذت واشنطن في 2002 قبل غزو العراق، ولكن ليس من الصعب تفويت جهود الإدارة الأمريكية لتشكيل النقاش المحلي والدولي حول إيران.
وعلى الرغم من أنه لم يذكر أحد في واشنطن القنابل النووية والأسلحة في حديثه عن إيران، إلا أنه ليس من الصعب أن يحدث هذا قريبًا في ظل ما أعلنه كبار المسؤولين الأمريكيين بأن نظرائهم ليسوا سوى عصابة من القتلة تحاول السيطرة على المنطقة، وكانت هذه نفس الرسالة التي شددت عليها إدارة جورج دبليو بوش عند الحديث عن صدام حسين والعراق.
تذكرنا قمة وراسو أيضًا، بحسب الكاتب، بالطريقة التي جابت بها إدارة بوش أركان العالم الأربعة لبناء ائتلافها من الراغبين في غزو العراق، ويقول الكثير من المطلعين في واشنطن إن إدارة ترامب تتجاهل المهنيين في مجتمع الاستخبارات الأمريكية، ووزارة الدفاع، وغيرها من البيروقراطيات في السياسة الخارجية، التي قضت بأن إيران تمتثل لخطة العمل المشتركة الشاملة أو ما يعرف بالاتفاق النووي الإيراني.
ويقول الكاتب، إن لا شيء يشير إلى أن إيران دولة حميدة في الشرق الأوسط (وكذلك العراق لم تكن دولة جيدة أيضًا)، فالانتهاكات الإيرانية معروفة، وسمح القادة الإيرانيون بقتل مئات الآلاف من السوريين، واستثمروا في ميليشيا الحوثي لجعل السعودية تنزف في اليمن، وهددوا باستقرار البحرين. ثم هناك حزب الله، الذي يحصل، بحسب الحكومة الأمريكية، على 700 مليون دولار سنويًا من إيران، وأصبح قوة استكشافية لإيران في سوريا واليمن وأفغانستان، كما دعا الإيرانيون مرارًا وتكرارًا إلى تدمير إسرائيل وقدموا الدعم لجماعات مثل حماس والجهاد الإسلامي الفلسطيني.
تجاهلت إدارة ترامب في قضيتها لبناء حرب ضد إيران، حقيقتين مهمتين، حسبما يقول الكاتب، أولًا، حتى لو كان القادة الإيرانيون، كما تقول الإدارة، عازمين على تحويل المنطقة إلى منطقة نفوذ فارسية، فإنهم ليسوا جيدين في ذلك. فإذا كانوا نجحوا، كانوا سيستفيدون من الأخطاء الاستراتيجية للآخرين -الولايات المتحدة في العراق، السعودية في اليمن، وبشار الأسد في سوريا. وكان رد قاسم سليماني -قائد فيلق القدس التابع للحرس الثوري الإيراني- على العمليات الإسرائيلية ضد إيران في سوريا ضعيفًا، مما يؤكد أن الإدارة الأمريكية تبالغ في تقدير التحدي الإيراني.
ثانيًا، ما تقوم به إيران ليس مفاجئًا على الإطلاق، فطهران تريد إبقاء العراق ضعيفًا وغير مستقرًا حتى لا تستطيع لبغداد أن تصبح تهديدًا لها مرة أخرى. وجاءت لإنقاذ الأسد للحفاظ على ارتباطها بحزب الله، وهو الوسيلة الأساسية التي تحاول من خلالها التأثير على بلاد الشام وتحدي التفوق الإسرائيلي هناك. واختصارًا، يستخدم الإيرانيون الموارد المتاحة لهم لتعطيل النظام الإقليمي الذي تقوده الولايات المتحدة والذي يضر بهم لصالح السعوديين والإسرائيليين.
وأضاف الكاتب، أن ما تقوم به إيران في المنطقة ليس مقبولًا على الإطلاق، ولكن هل هي أسباب تستدعي الحرب وتغيير النظام؟ الولايات المتحدة لها أقوى تمثيل في المنطقة، وإسرائيل آمنة، وما زال النفط يتدفق من الخليج. صحيح أن السعودية تعرضت لهجوم صاروخي من حلفاء إيران في اليمن، لكن من المحتمل أن يتوقف ذلك عندما ينهي السعوديون عملياتهم العسكرية هناك.
الرئيس السابق باراك أوباما حاول حل مشكلة إيران، وبدأ بخطة العمل المشتركة الشاملة (الاتفاق النووي الإيراني) عملًا بالنظرية القائلة بأن التوصل إلى اتفاق بشأن البرنامج النووي الإيراني من شأنه أن يوفر سبيلاً لإجراء محادثات أوسع نطاقًا. ولكن لم ينجح الأمر لأن الإيرانيين سعوا للضغط على مصالحهم في المنطقة، وكان ترامب -إلى جانب مستشاريه والحزب الجمهوري- يكرهون الصفقة منذ البداية معتقدين بأن النظام الإيراني لا يمكن إصلاحه.
وأشار الكاتب، إلى أن هذا قد يكون صحيحًا، لكن السياسة الذكية في هذه الحالة ستهدف إلى الموازنة بين تفاؤل أوباما الذي في غير محله وتوجهات ترامب. بعبارة أخرى، ستكون السياسة الذكية فعل ما تفعله الولايات المتحدة وإسرائيل لمواجهة التحدي الإيراني: وهو ردعها، هذا ما يفعله الإسرائيليون الآن في سوريا، وهذا ما فعلته الولايات المتحدة في ربيع عام 1988 عندما تحدت إيران أولوية الولايات المتحدة في الخليج، مما أدى إلى إغراق جزء كبير من البحرية الإيرانية في قاع البحر.
وأوضح الكاتب، إلى أن الردع لا يتطلب من أي شخص أن يكذب الواقع ويقنع نفسه بأن إيران تستطيع أو تريد أن تكون قوة إقليمية بناءة، بل هو نهج شاق وواقعي لمشكلة لا تستدعي قيام حرب في الوقت الحاضر، ومن المرجح أن يحظى الردع بمزيد من الدعم الدولي أكثر مما يبدو وكأنه اندفاع نحو الصراع.
ولفت الكاتب، إلى أن الاختلاف الكبير بين عامي 2002 و2019 هو إصرار الديمقراطيين على عدم ارتكاب نفس الأخطاء التي ارتكبوها قبل 17 عامًا عندما سمحوا لإدارة بوش بوضع شروط المناقشة التي مهدت الطريق لغزو العراق، وعلى الرغم من أن العديد من أعضاء الكونجرس قلقين بشأن إيران، فإن الديمقراطيين على وجه الخصوص لن يدعموا حربًا أخرى في الشرق الأوسط، وقد يتغير هذا إذا كان هناك نوع من الاستفزاز في المنطقة، ولكن في الوقت الحالي، لا يبدو الإيرانيون مستعدين لاتخاذ هذه الخطوة.
واختتم الكاتب تحليله بقوله: "ومع ذلك، تبدو احتمالات الدخول في صراع مع إيران أكبر مما كانت عليه قبل ستة أشهر من الآن".
فيديو قد يعجبك: