تهديد وضغط وإهانة.. تفاصيل حرب ترامب ضد تحقيقات تهزّ عرشه
كتبت- هدى الشيمي:
منذ نحو عامين؛ بدأت تحقيقات فيدرالية تهدف إلى الكشف عمّا إذا كان لروسيا أي تأثير على الانتخابات الأمريكية لعام 2016، وما إذا كان لفريق المُرشح الجمهوري وقتذاك، دونالد ترامب، أي اتصال مع الجانب الروسي، لكن كلما مرّ الوقت، تمكن المُحقق الخاص روبرت مولر المسؤول عن إجراء التحقيقات، بالعثور على أدلة تدين أشخاص مقربين من رجل الأعمال النيويوركي، وأصبحت الدائرة تضيق من حوله حتى أوشكت على خنقه.
ورغم إشارة كثيرين إلا أن التحقيقات الجارية لا تمس الرئيس الأمريكي، لكنها قد تؤدي إلى عزله إذا ثبت تورطه في أحد الجرائم، كما أنها أثارت الخوف في نفس الزعيم الجمهوري، والذي قال في تصريحات أدلى بها في ديسمبر الماضي، إنه يخشى أن تعم الفوضى في البلاد حال عزله، ونقلت شبكة (سي إن إن) الأمريكية عن مسؤول في البيت الأبيض أن الرئيس يرى بأن الإطاحة به أمر محتمل وحقيقي، مُرجحا استغلال التطورات الخاصة بقضية التدخل الروسي في الانتخابات الأمريكية.
نشرت صحيفة نيويورك تايمز الأمريكية، تقرير مطولاً على موقعها الإلكتروني، سلطت فيه الضوء على تفاصيل الحرب المستمرة بين ترامب والمحققين، والتي اتسعت لتشمل الديمقراطيين الذين وصلوا إلى مجلس النواب لأول مرة بعد ثمانية أعوام، وما زاد الطين بلّة بالنسبة للرئيس الأمريكي هو أن نانسي بيلوسي زعيمة الديمقراطيين، باتت كالشوكة في حلق ترامب، وتنتظر هي وبعض أبناء حزبها أي شيء يُدين الرئيس للبدء في إجراءات عزله.
استقت نيويورك تايمز معلوماتها من الكثير من الوثائق الرسمية، وأجرت عشرات المقابلات مع مسؤولين حكوميين حاليين وسابقين، وأعضاء بالكونجرس، وخبراء قانونيين، وفيما يلي أبرز ما جاء في تقريرها:
الأزمة الأولى
بعد تكليف مكتب التحقيقات الفيدرالي (إف بي آي) المحقق روبرت مولر بالعمل على كشف عما إذا كانت حملة ترامب الانتخابية كان لها أي علاقة بالروس، حاول الرئيس الأمريكي ومساعديه فورًا احتواء الأزمة، بعد أن أصبح مايكل فلين، مستشار الأمن القومي السابق، قيد التحقيق لاتصاله مع الروس، واتهامه بالعمل لصالح تركيا.
تقول نيويورك تايمز إنه في 14 فبراير 2017، جلس الرئيس الأمريكي ومستشاروه في المكتب البيضاوي، يتناقشون حول كيفية تفسير استقالة مايكل فلين المفاجئة التي قدمها الليلة السابقة. وأخبره جاريد كوشنر، صهره وأحد كبار مستشاريه، أن إقالة فلين سوف تُنهي التحقيقات تمامًا.
وفي محاولة للخروج من المأزق، طلب ترامب من جيمس كومي، مدير مكتب التحقيقات الفيدرالي السابق، إنهاء التحقيقات المتعلقة بفلين، وبعد المواجهة الشرسة التي جرت بينهما، قرر الرئيس الأمريكي فصل المسؤول الفيدرالي.
وبعد أسبوع من فصله من منصبه، نشرت نيويورك تايمز تقريرًا أفاد بأن ترامب طلب من كومي إنهاء التحقيقات المتعلقة بفلين. وعوضًا عن إنهاء التحقيقات المتعلقة بروسيا من خلال فصل كومي، زاد ترامب من الشكوك والاتهامات الموجهة إليه.
غضب عارم
تقول نيويورك تايمز إن تحقيقات مولر أشعلت نيران الغضب في نفوس الرئيس الأمريكي، لاسيما بعد انسحاب جيف سينشز، المدعي العام السابق، من التحقيقات المتعلقة بالروس.
تُشير الصحيفة الأمريكية إلى أن ترامب أصبح أكثر تهورًا، واتخذ مجموعة من القرارات لحماية نفسه، وافشال التحقيقات. ومن خلال تويتر والمقابلات الإعلامية، حاول الرئيس الضغط على المحقيين، والتشكيك في مصداقية الشهود المحتملين في التحقيقات، إلا أن النسبة الأكبر من الهجوم كانت لصالح سيشنز، الذي رفض الاشراف على التحقيقات بشأن روسيا، بسبب الاتصالات التي أجراها مع السفير الروسي لدى الولايات المتحدة.
لفتت نيويورك تايمز إلى أن الرئيس الأمريكي عمد إلى إهانة سيشنز في كل مناسبة، وخلال مقابلة مع الصحيفة قال إنه لما كان يُرشحه لهذا المنصب، لو علم إنه سوف يتخلى عنه بهذه الطريقة.
وراء الستار، تقول الصحيفة الأمريكية إن ترامب حاول التخلص من سيشنز، رغبة في أن يكون لديه مُدعي عام يدافع عنه، ولكنه لم يفصله من عمله بعد أن حصل على نصائح من مساعديه بعدم الاقدام على ذلك.
ذكرت نيويورك تايمز إن ترامب هاجم التحقيقات المتعلقة بروسيا أكثر من 1100 مرة، وزادت حدة غضبه بعد أن وصلت التحقيقات إلى اثنين من أعضاء فريقه السابقين، هما باول مانافورت، مستشار حملته الانتخابية السابق، ومايكل فلين، مستشار الأمن القومي السابق.
ووصل به الأمر إلى محاولته فصل مولر من عمله، وهي الخطوة التي كان من الممكن أن تُنهي التحقيقات. تقول نيويورك تايمز إنه بعد اسابيع فقط من تعيين مولر في منصبه، أصر ترامب لعى ضرورة فصله بسبب تضارب المصالح. ولكنه تراجع عن الأمر في النهاية.
الرئيس يفتح حربًا جديدة
في أبريل الماضي، عيّن ترامب رودي جولياني، صديقه القديم ورئيس بلدية نيويورك السابق، محاميه الشخصي، ليبدأ بذلك حربًا جديدة.
تقول نيويورك تايمز إن جولياني أقنع ترامب بالتخلي عن فريقه القانوني السابق، الذي نصحه بالتعاون مع التحقيقات، ونصحه باستخدام استراتيجية قانونية جديدة وحملة علاقات عامة تهدف إلى التشويه من سمعة مولر ووزارة العدل.
وعلى مدار الأشهر الماضية، شن جولياني هجومًا شرسًا على مولر، واتهمه بالتحيز وتجاهل الحقائق لتنفيذ أجندة مناهضة لترامب، ووصف أندرو وايسمان، أحد كبار المدعاة العوام في فريق مولر، بـ"الوغد".
وخلف الكواليس، يحصل جولياني على المساعدة من مصادر خارجية، على رأسهم كيفين داونينج مُحامي باول مانافورت، مستشار الحملة الانتخابية لترامب، الذي وافق على التعاون مع المحقق الخاص بعد اتهامه بجرائم مالية وضريبية، في محاولة لتقليل سنوات عقوبته.
تقول نيويورك تايمز إن الهجوم على تحقيقات مولر كان له تأثيرًا، ففي الصيف الماضي أظهرت استطلاع الرأي انخفاض نسبية شعبية المُحقق الخاص. وتعليقًا على هذا الأمر، قال جولياني: "نحن نقوم بعمل عظيم، وموكلي سعيد بما يجري".
في الوقت الذي جمع فيه المدعون الفيدراليون في مانهاتن أدلة تدين ترامب بلعب دور في اسكان النساء اللواتي زعمن أنهن تلقين مبالغ مادية كبيرة خلال الحملة الانتخابية لعام 2016، من أجل شراء سكاتهن وضمان عن بوحهن بالسر، اتصل الرئيس الأمريكي بماثيو جي وايتيكر، المُدعي العام الذي عينه بنفسه، وسأله عما إذا كان جيفري بيرمان، مُحامي المدعي العام للمنطقة الجنوبية في نيويورك قد يتولى مسؤولية التحقيقات، وفقًا لعدة مسؤولين أمريكيين مطلعين على ما جرى في المكالمة.
تقول نيويورك تايمز إن وايتكر أخبر مساعديه والمقربين منه أنه لن يستطيع مساعدة الرئيس، ولن يتمكن من اقناع بيرمان بتولي مسؤولية التحقيقات، لاسيما وأن الأخير رفض الأمر منذ البداية، ما أدى إلى حدوث توتر في العلاقات بين ترامب ووايتكر، وأخبر الرئيس الأمريكي الجميع أن المدعي العام الجديد غير مؤهل للقيام بمنصبه، وأنه غير جدير بالعمل في وزارة العدل.
الإف بي آي يقتحم مكتب كوهين
قال مايكل كوهين، مُحامي الرئيس الأمريكي وأمين أسراره، للقضاء إن ترامب أمره بترتيب عملية دفع مبالغ مادية كبيرة للسيدتين اللاتي زعمن إقامتهن علاقات جنسية خارج نطاق الزوج مع رجل الأعمال النيويوركي آنذاك.
في أبريل الماضي، اقتحم مكتب التحقيقات الفيدرالي (إف بي آي) مكتب كوهين ومحل إقامته في مانهاتن، وحصلوا على سجلات ومستندات ورسائل بريد إلكتروني وغيرها من الوثائق التي يعود تاريحها إلى سنوات، إلا أن كل ذلك لم يُقلق ترامب في بداية الأمر، حسبما تقول نيويورك تايمز.
تُشير الصحيفة الأمريكية إلى أن ترامب أبلغ مستشاريه في البداية أن رود روزنشتاين، نائب وزير العدل، طمأنه وأخبره في ذلك الوقت بأن التحقيقات مع كوهين ليس لها أي علاقة به، لأنها تدور حول معاملات المحامي التجاري، ولا تمت بصلة بالحملة الانتخابية أو مزاعم تدخل روسيا في الانتخابات.
ونقلت الصحيفة عن مساعدي الرئيس الأمريكي، أنه شعر ببعض القلق وسألهم عما إذا كان روزنشتاين ضلله عمدًا، لابقائه هادئًا.
وقبل انهيار علاقتهم، تقول نيويورك تايمز إن ترامب كان يُشيد بكوهين علنًا، كذلك أكد رودي جولياني مُحامي الرئيس الحالي إن مايكل كوهين شخص أمين، إلا أن هذا الأمر لم يدم طويلاً بعد اعترافات كوهين، واطلاعه القضاة والمحققين على الكثير من الأسرار والموضوعات، وتطرقه إلى مشروع بناء برج ترامب في موسكو، والذي استمرت المفاوضات الخاصة به حتى بدء الحملة الانتخابية لعام 2016.
تقول الصحيفة الأمريكية إن ترامب يواجه الآن تحقيقين تؤأمين على وشك الانقضاض عليه، بعد أن تحول كوهين من أشد مدافعيه إلى كبار مُعذبيه.
وخلال جلسة الاستماع التي عُقدت في أغسطس الماضي، أقر كوهين بالذنب واعترف بأن دفع مبالغ مادية للممثلة الإباحية ستورمي دانيالز واسمها الحقيقي ستيفاني كليفورد، وعارضة مجلة بلاي بوي كارين ماكدوجال، لشراء صمتهما وضمان عدم حديثهما عن علاقتهما بترامب.
ومن جانبه، استخدم ترامب حسابه على تويتر وأطلق العنان لنفسه، وكتب سلسلة من التغريدات التي تدين كوهين وعائلته، واصفًا محاميه السابق بـ"الخائن"، واتهم حماه بالانخراط في نشاط إجرامي. وهذا ما اعتبره السياسيون الديمقراطيون محاولة تهديد وترهيب لأحد الشهود.
فيديو قد يعجبك: