ما حكاية كشمير التي يتصارع عليها الهند وباكستان؟
كتبت- هدى الشيمي:
عادت التوترات مرة أخرى إلى منطقة كشمير الحدودية، التي كانت محل نزاع بين الهند وباكستان خلال العقود الست الماضية، بعد أن قالت الشرطة في القطاع الهندي من المنطقة إن انفجار قنبلة أدى إلى مقتل 40 عنصرا على الأقل من قوات الأمن منتصف الشهر الجاري، بعد يوم من انفجار أدى لإصابة 12 تلميذا على الأقل.
وتصاعدت حدة الخلاف بين البلدين بعد أن قال الجيش الباكستاني، أمس الأربعاء، إن القوات الجوية الباكستانية أسقطت مقاتلتين هنديتين داخل مجالها الجوي في كشمير.وأعلن متحدث باسم الجيش الباكستاني أن طائرة حربية هندية سقطت في الأراضي الباكستانية وتم القبض على طاقمها المكون من طيارَيْن.
وفي محاولة لتهدئة الموقف واظهار حُسن النية، قال رئيس الوزراء الباكستاني، عمران خان، إن إسلام آباد ستطلق يوم غد الجمعة سراح طيار هندي، بعد تصريحات وزير الخارجية الباكستاني شاه محمود قريشي بأن بلاده مُستعدة للتفاوض حول إعادة طيار هندي أسقطت طائرته في الشطر الباكستاني من إقليم كشمير يوم أمس.
ونقلت وسائل إعلام باكستانية عن قريشي قوله إن "طياركم في مأمن لأن الجيش الباكستاني مسؤول ويحترم العادات العسكرية، وأن باكستان تريد إنهاء العلاقة العدائية مع الهند، لذا نحن مستعدون لخطوات إيجابية".
ما حكاية كشمير؟
وتعد كشمير اليوم واحدة من أكثر المناطق المدججة بالسلاح في العالم، وتقع شمال غرب شبه قارة الهند وباكستان والصين في وسط آسيا، وتُعرف بأنها المنطقة السهلة في جنوب جبال الهملايا من الجهة الغربية، وبدأ النزاع حولها منذ تقسيم الهند وقيام باكستان عام 1947، إذ وقعت حربان بين البلدين حول المنطقة ذات الأغلبية المسلمة والتي يطالب البلدان بالسيادة عليها.
بدأت الأزمة بعدما أصدر البرلمان البريطاني يوم 1947 قانون استقلال الهند وبموجبه انتهى الحكم البريطاني لها، وتضمن قرار التقسيم أن تنضم الولايات ذات الغالبية المسلمة إلى باكستان، وأن تنضم الولايات ذات الغالبية الهندوسية إلى الهند، على أن يكون انضمام الولايات وفقا لرغبة السكان، مع الأخذ بعين الاعتبار التقسيمات الجغرافية في كل إمارة.
وفي ذلك الوقت، قرر هاري سينغ حاكم كشمير الانضمام إلى الهند، متجاهلا بذلك رغبة الأغلبية المسلمة بالانضمام إلى باكستان ومتجاهلا القواعد البريطانية السابقة في التقسيم، ولكن خوفه من رد فعل المسلمين دفعه إلى تقديم معاهدة عرضها على البلدين لإبقاء الأوضاع كما هي عليها، فقبلت باكستان بالمعاهدة، في حين رفضتها الهند.
وترفض الهند التخلي عن باكستان خوفًا من أن السماح لها بالاستقلال على أسس دينية وعرقية، سوف يفتح الباب أمام الكثير من الولايات التي تُطالب بالشيء ذاته. ومن الناحية الباكستانية، فإن كشمير منطقة حيوية بها طريقين رئيسيين وشبكة للسكة الحديد شمالي شرقي البنجاب، كذلك تضم المنطقة ثلاثة أنهار رئيسية يتم الاعتماد عليها للزراعة في باكستان، ما يجعل احتلال الهند لها تهديدًا مباشرًا للأمن المائي في إسلام آباد.
حروب وخلافات
وشهدت الأحداث في الأربعينيات تطورًا كبيرًا، بعد اندلاع أول قتال مسلح بين الكشميريين والقوات الهندية، انتهى باحتلال الهند لثلثي الولاية، ما دفع الأمم المتحدة للتدخل في النزاع، وأصدر مجلس الأمن قرارا عام 1948 ينص على وقف إطلاق النار وإجراء استفتاء لتقرير مصير الإقليم.
واقترحت المنظمة الأممية ضم الأجزاء التي يعيش فيها أغلبية مسلمة وتشترك مع باكستان في حدود للسيادة الباكستانية، وأن تنضم الأجزاء الأخرى ذات الغالبية الهندوسية ولها حدود مشتركة مع الهند للسيادة الهندية، لكن هذا القرار ظل حبرا على الورق ولم يجد طريقه للتنفيذ.
وبعد عدة أعوام عاد التوتر إلى المنطقة مرة أخرى، بعد أن حاولت باكستان دعم المقاتلين الكشميريين في عام 1965، في العام التالي حاول الاتحاد السوفياتي سابقًا التدخل في الصراع الدائر، وعمل على إجراء مؤتمر مصالحة عقد في يناير 1966 بطشقند، لكن المؤتمر انتهى بالفشل. وفي السبعينيات دارت حرب جديدة بين البلدين، استطاعت الهند فيها تحقيق انتصار عسكري على الأرض، ما أدى إلى انفصال باكستان الشرقية عن باكستان لتشكل جمهورية بنجلاديش.
وفي الثمانينيات والتسعينيات، أدى التذمر من الحكم الهندي إلى قيام مقاومة مسلحة واحتجاجات كبيرة وصعود لجماعات مسلحة مدعومة من باكستان. ولقي عشرات الآلاف من الأشخاص حتفهم، وفي بداية الألفية الجديدة اندلع نزاع محدود بين الهند وباكستان بعد عبور مسلحين لخط السيطرة حتى ضاحية كارغيل في القطاع الذي تديره الهند من كشمير.
وبلغت الأزمة أشدها بعد بدء سباق التسلح النووي بينهما، وقامتا في شهر مايو من عام 1998، بإجراء تجارب تفجير نووية. وشهدت الأوضاع تحسنًا نسبيًا في عام 2008، بعد أن افتتح البلدان طريقًا تجارياً عبر خط السيطرة لأول مرة منذ 6 عقود. ولكن الأوضاع ساءت من جديد بعد قيام احتجاجات في عام 2010 موالية للهند في المنطقة، توفي إثرها حوالي 100 شاب.
ماذا الآن؟
بعد تصاعد حدة الأزمة ووقوع أعمال عنف، فر آلاف من السكان من قسمي المنطقة اللذين تسيطر على كل منهما الهند وباكستان، في حين يعمل آخرون على ترميم ملاجئهم التي لم تستخدم منذ أمد بعيد وذلك إثر تصاعد التوتر بين القوتين النوويتين الجارتين.
وغادر ألفا شخص على الاقل الإقليمين الحدوديين كوتلي ووادي جيلوم على الجانب الباكستاني من كشمير، بحسب مسؤولين اعلنوا غلق المدارس العامة في المنطقة. وسجلت حركة نزوح أيضا في أقاليم اخرى، حسبما نقلت وكالة الأنباء الفرنسية (أ ف ب).
وقطعت خدمة الانترنت في بعض المناطق قرب الحدود وهو ما يؤشر في الغالب الى نشاط عسكري كبير.
ومن جانبه، اعتبر سفير باكستان لدى واشنطن أشيد مجيد خان أن الولايات المتحدة تُشجع الهند على ما تقوم به، لأنها تُدِن انتهاك سلاح الجو الهندي لأجواء بلاده وشنّها غارة على معسكر في أراضيها.
وقال خان للصحفيين، أمس الأربعاء، إنّ باكستان، التي تقترب أكثر فأكثر من الصين على وقع التباعد المتزايد بينها وبين الولايات المتحدة، تتطلّع إلى دور أكبر للدبلوماسية الأمريكية في نزع فتيل التصعيد الراهن بين إسلام أباد ونيودلهي.
وكان وزير الخارجية مايك بومبيو تحادث هاتفياً مع نظيريه الباكستاني والهندي عقب الغارة الهندية على معسكر جماعة جيش محمد في باكستان، وأصدر بياناً حضّ فيه الطرفين على "التهدئة" لكنّه اعتبر الضربات الجوية الهندية "أعمالاً لمكافحة الإرهاب".
وفي بيانه حضّ بومبيو باكستان على "التحرّك بشكل جدّي ضد الجماعات الإرهابية التي تعمل على أراضيها".
فيديو قد يعجبك: