بعد 40 عامًا.. كيف فشلت إيران في تحقيق أهداف ثورتها الإسلامية؟
كتب - هشام عبدالخالق:
نشرت صحيفة "هآرتس" الإسرائيلية، تحليلًا للكاتب تسيفي بارئيل يتناول فيه الأوضاع في إيران بعد مرور ما يقرب من 40 عامًا على ثورة الخميني في طهران.
ويقول الكاتب في بداية تحليله: "مستشار الأمن القومي الأمريكي جون بولتون أوضح عام 2017، أن نتائج مراجعة السياسات الخارجية للرئيس الأمريكي دونالد ترامب أشارت إلى أهمية الإصرار على ألا تكمل الثورة الإسلامية لآية الله الخميني عام 1979 في إيران عامها الأربعين، وهو الحلم الأمريكي الذي تتشاركه الولايات المتحدة مع المعارضة الإيرانية وخاصة نجل شاه إيران رضا بهلوي، الذي يطمح في تحويل النظام الإيراني إلى ملكي وأن يصبح على القمة مرة أخرى".
ولكن، بحسب الكاتب، سيضطر بولتون ورضا بهلوي وغيرهم ممن يحلمون بزوال الثورة الإيرانية وعودة الملكية مرة أخرى إلى الانتظار أكثر، فيوم الأحد الموافق 10 فبراير تحتفل إيران بالذكرى الأربعين لثورتها الإسلامية، وعلى الرغم من الأزمات الاقتصادية والسياسية التي تواجه البلاد، إلا أن نظام حكومتها الفريد لا يبدو أنه سيختفي قريبًا.
ويرى الكاتب أن النظام الإيراني ليس نظامًا مجمدًا، حيث أظهر مرونة وقدرة على رؤية التغيرات الاجتماعية والسياسية والاستجابة لها. كما أن المرونة التي ساعدت الشيعة على الاستمرار منذ القرن السابع الميلادي هي أيضًا ما تتبعه إيران سياسيًا ودبلوماسيًا.
التحدي الحقيقي الذي واجه الخميني -قائد الثورة الإسلامية- القضاء على أي قيادة ثورية تنشأ من وسط التظاهرات ويلتف حولها الإيرانيون، حيث كان بمقدور أي قيادة أن تمنع فرصته في الاستيلاء على مقاليد الحكم وتنفيذ أجندته السياسية.
وفي الفترة الانتقالية بين رحيل الشاه من إيران في 16 يناير ووصول الخميني -من منفاه في باريس- إلى البلاد في 1 فبراير، كان عليه التأكد من أن الجيش سوف يدعمه، وأن الغرب، وخاصة الولايات المتحدة، لن تحبط خططه.
وعلى الرغم من عدم وجود إنترنت أو وسائل تواصل اجتماعي في هذا الوقت، إلا أنه استطاع إيصال صوته إلى عشرات الآلاف وبنى قاعدة للمعارضة السياسية بالقرب من باريس وذلك عبر موجات الراديو، وكل هذا مكنه من تحقيق حلم القائد الأوحد الذي يحلم به، بحسب ما يرى الكاتب الإسرائيلي.
وبحسب الكاتب، فإن الخميني سعى إلى إقامة دولة ديمقراطية تستند إلى الفقه الإسلامي لكنها تمنح حقوق الإنسان للجميع؛ ويمكن للمرأة حتى اختيار ما إذا كانت ترتدي الحجاب. في خطبه المسجلة، كان يقول إن كل حركة سياسية يمكنها أن تعبر عن رغباتها الخاصة، ولكن بالنسبة لتلاميذ الخميني وعلماء الدين الإسلامي، كانت رسالته واضحة: إيران ستكون دولة يحكمها الشريعة الإسلامية. وسيتعين على المسؤولين الحكوميين معرفة أسس هذا القانون والالتزام به ، وسيجمع زعيم البلد بين المعرفة الدينية المتفوقة والقدرات السياسية البارزة.
وحشية الخميني
بنى الخميني نظامًا حكوميًا يسعى إلى دمج بعض الأساسيات الديمقراطية -مثل البرلمان والمجالس المحلية والرئيس الذي يتم انتخابه من قبل الشعب- مع سيادة القانون الإسلامي، وخاصةً القائد الأعلى. ولكن بعد انتصار الثورة الإسلامية تبخرت تلك المرونة التي أظهرها في السابق.
وبوحشية تامة، حرض الخميني على قيام "ثورة ثقافية" تهدف إلى القضاء على أي أثر لحكم الشاه، واستبدال البيروقراطية بأكملها، وكتبت كُتب مدرسية جديدة تحل محل المناهج القديمة، وخلق قوى موالية لفرض النظام الجديد. تم استبدال إرهاب الشاه بإرهاب الخميني بسرعة، وبدأت قيادات الثورة بالتخطيط للمرحلة التالية وهي تصدير الثورة إلى جميع الدول الإسلامية.
كانت هذه هي نقطة التحول في العلاقات بين الإسلام السني والشيعي في العصر الحديث. ورأت الأنظمة العربية التي اشتبكت مع الحركات الإسلامية الراديكالية نجاح الثورة الإيرانية كدعوة إلى حمل السلاح بهدف التحريض على الثورات الدينية، أو على الأقل تهديد التوازن الهش بين الحكومات والدين.
ويتابع الكاتب، رفضت الدول العربية اقتراح إيران ببناء "قنبلة نووية إسلامية"، خشية أن مثل هذه القنبلة سوف تهدد وجودهم. وعندما اندلعت الحرب بين إيران والعراق في أغسطس عام 1980، انحازت معظم الدول العربية إلى جانب العراق.
خليفة الخميني، آية الله علي خامنئي، استفاق من حلم تصدير الثورة لدول إسلامية أخرى، ولكن استمر نجاح الثورة في تغذية أحلام القادة الإيرانيين المتطرفين والحركات الإسلامية السنية حتى يومنا هذا.
ويرى الكاتب، أن إيران في ذلك الوقت بدأت تشعر بأنها مسجونة في دائرة عداء عربية ومسلمة، فإلى الغرب يوجد العراق وتركيا، وإلى الشرق كانت باكستان والهند، اللتان كانتا تمتلكا أسلحة نووية. وقبالة سواحلها كانت هناك سفن حربية أمريكية وغواصات تحمل صواريخ نووية.
واحتاج النظام الإيراني في ذلك الوقت أن يدافع عن حدود الدولة ضد هذا العدد الهائل من التهديدات في الوقت الذي يحافظ فيه على أسس الثورة ويقوي مبادئها الدينية، وكل ذلك دون إحداث شرخ بين الشعب والقادة. واضطر قادة الثورة إلى مراجعة القواعد التي فرضوها في البداية.
ويرى الكاتب الإسرائيلي، أن حالة الارتباك والتردد حول كيفية تحقيق الأهداف الأساسية لإيران، خلقا ما يصفه الغرب بأنه معركة بين المحافظين والإصلاحيين. لكن هذا مفهوم مضلل لا يفسر سلوك الدولة، بحسب الكاتب.
وأدى هذا بحسب الكاتب، إلى انقسام بين الإصلاحيين والمحافظين، واتخذ الإصلاحيون جانب الغرب بشكل عام والولايات المتحدة خاصة، في حين أن المحافظين كانوا معادين للغرب، ورفضوا الديمقراطية وعارضوا حقوق الإنسان.
وطرح الكاتب الإسرائيلي عدة أسئلة حول النظام الإيراني الحالي، كان من ضمنها: كيف يمكن تقييم القيادة التي تعدم تجار المخدرات والرجال المثليين؟ وتسجن نشطاء حقوق الإنسان بدون محاكمة وتقاضي النساء اللائي لا يضعن الحجاب بشكل صحيح؟ ولكنها في الوقت نفسه استطاعت تطوير صناعة سينما يُشاد بها عالميًا، كما أنها تسمح بالموسيقى الغربية، وتحافظ على نظام تعليمي ممتاز؟
وتابع الكاتب، خلال عهد شاه إيران، تعامل الغرب وخاصة الولايات المتحدة، مع طهران كما عاملت الدول الأخرى التي يحكمها الدكتاتوريون، وكان لمحمد رضا بهلوي -آخر ملوك إيران- مطلق الحرية في التعامل مع شعبه، طالما كانت شركات النفط والبناء والبنية التحتية والتجارة والوكالات الثقافية من أمريكا وفرنسا وإسرائيل وألمانيا تحقق أرباحًا.
وأوضح الكاتب، أنه في عهد الرئيس ريتشارد نيكسون، كان يُنظر إلى إيران والشاه على أنهما حصنان ضد انتشار الشيوعية، وبالتالي كانت طهران تستحق كل الدعم والمساعدة على الرغم من النظام القمعي. وبعد ذلك بدأ الرئيس جيمي كارتر فجأة بالحديث عن انتهاكات حقوق الإنسان وطالب الشاه بتغيير الطريقة التي يعامل بها النظام المواطنين، ووصف كارتر الشاه بالإصلاحي الذي كان يفضل الديمقراطية.
ويرى الكاتب أن التهديدات المتبادلة حاليًا بين قيادتي الدولتين لا تفيد، وكذلك التهديد بتغيير نظام الرئيس حسن روحاني.
واختتم الكاتب تحليله قائلًا: "الانسحاب من الاتفاق النووي أو فرض عقوبات مدمرة قد يحققان بعض الأهداف المحددة مثل تجميد برنامج إيران للصواريخ الباليستية، ولكن تكوين علاقة متوازنة بين إيران والغرب تدفع لتقليل الدوافع الإيرانية في استخدام القدرات العسكرية، ستتطلب ثورة فكرية وأيديولوجية من نفس النوع الذي جعل من الممكن توقيع الاتفاق النووي في البداية".
فيديو قد يعجبك: