هل وصلت حُمى الربيع العربي أخيرًا إلى الجزائر ؟
كتبت - هدى الشيمي:
هبت رياح التغيير خلال فترة الربيع العربي في عام 2011، إلا أنها لم تؤثر في الجزائر، والتي لم تكن الدول الوحيدة التي لم تتأثر بالاحتجاجات. تقول مجلة واشنطن مانثلي الأمريكية، إنه بحلول عام 2012 ظهرت نماذج جديدة من الدول، والتي لم يكن لديها مبالغ مادية كبيرة ولم تشهد نزاعات أهلية، مثل العراق، التي عانت من حرب طويلة الأمد، ولم تُصاب بعدوى المظاهرات، كذلك لم تمس حُمى الاحتجاجات المملكة العربية السعودية والإمارات. وفي هذه الأثناء، كانت الجزائر مليئة بالنقود جراء بيع النفط بأسعار مرتفعة، ولم يرد سكانها اختبار مرارة الشعور التي ذاقوها خلال الحرب الأهلية بين عامي 1991 و1999، وأودت بحياة حوالي 200 ألف شخص، لذلك لم ينزلوا إلى الشوارع محتجين على نظامهم الحاكم.
توضح المجلة الأمريكية، في تقرير منشور على موقعها الإلكتروني، أن الحرب الأهلية في الجزائر انتهت كما بدأت، بإجراء انتخابات. في عامي 1990 و1991 أجرت الجزائر انتخابات محلية وبرلمانية، وصفها أحد الأكاديميين في الشرق الأوسط لاحقًا بأنها أكثر الانتخابات حرية ونزاهة في العالم العربي خلال عقود.
ولكن الانجاز الكبير سُرق على الفور بانقلاب عسكري أطلق العنان للحرب، حسبما تقول المجلة، وبعد ثماني سنوات استقال ديكتاتور البلاد واُجريت انتخابات رئاسية، تنافس فيها سبعة مرشحين رئاسيين، ولكن في يوم الانتخابات لم يبقَ سوى مُرشح واحد وهو عبدالعزيز بوتفليقة، المُرشح المفضل للجيش، بينما انسحب الستة الآخرون، ارجعوا ذلك إلى الاختيال والترهيب والتلاعب في عملية الانتخابات، وفور توليه السلطة، أصدر بوتفليقة عفوًا رئاسيًا عن معارضي الحكومة، ما أنهى الحرب الأهلية وعزز نظامه.
إلا أن الجزائر الآن تعيش الظروف نفسها التي مرت بها الدول العربية خلال فترة الربيع العربي، إذ يملأ المتظاهرين الشوارع محتجين على ترشح بوتفليقة الانتخابات لفترة رئاسية خامسة، والتي من المتوقع أن يفوز بها رغم تدهور أوضاعه الصحية.
وشهدت المدن والبلدات الجزائرية احتجاجات الجمعة الماضية، للأسبوع الثالث على التوالي، يُقدّر أعداد المشاركين فيها بالآلاف، بينما تقول صفحات الاحتجاجات الجزائرية على منصات التواصل الاجتماعي أن ربما أكثر من مليون شخص شاركوا في الاحتجاجات.
واعتبرت وكالة رويترز الاخبارية التظاهرات بأنها الأكبر منذ انتفاضات "الربيع العربي" التي عمت دولاً عربية عدة، ووصفتها بالتحدي لحكم الرئيس بوتفليقة الذي تولى السلطة في الجزائر منذ عشرين عامًا.
وفي محاولة للتصدي للاحتجاجات، أوقفت السلطات الجزائرية خدمة القطارات ومترو الأنفاق في العاصمة وعززت من إجراءاتها الأمنية.
أعلنت الشرطة الجزائرية أنها اعتقلت 195 شخصا الجمعة في العاصمة الجزائر إثر اشتباكات بين شبان وشرطيين، خلفت 112 جريحا في صفوف قوى الأمن.
وقالت المديرية العامّة للأمن الوطني الجزائري، في بيان رسمي صدر عنها، إنها سجلت في "نهاية نهار الجمعة 08 مارس 2019 عددا معتبرا من المنحرفين انضموا إلى المظاهرة من أجل القيام بأعمال تخريبية".
وفي خطابه الوطني عام 2012، تعهد بوتفليقة بالتخلي عن منصبه في نهاية فترة رئاسته الثالثة، والتي كان من المفترض أن تنتهي بعد عامين، ولكنه أصيب بسكتة دماغية جعلته يُكمل باقي المدة على كرسي مُتحرك. تُشير المجلة الأمريكية إلى رفض بوتفليقة رفض التخلي عن السلطة، وبدأ ولايته الرابعة في عام 2014، ولكنه قضى مُعظمها متنقلاً بين العيادات والمشافي الصحية داخل وخارج البلاد.
وأفادت تقارير إعلامية، الجمعة الماضي، أن وضع الرئيس الجزائري الصحي حرج، إذ نقلت عن مصادر طبية تتابع حالته أنه يتغذى ويتنفس اصطناعيا، وفقد القدرة على النطق إطلاقا.
وذكرت قناة العربية السعودية أنه كان هناك فكرة بنقله إلى مدينة نيون السويسرية، لكن وضعه لا يسمح بأن يستقل الطائرة. وكانت تقارير صحافية سويسرية نقلت عن مصادر طبية أن الحالة الصحية للرئيس الجزائري دقيقة جدا وتفرض تهديدا دائماً لحياته، كاشفة أنه محاط بأربعة أطباء يحاولون التواصل معه بصعوبة.
وبغض النظر عن عدم شرعية بوتفليقة، تقول المجلة الأمريكية إنه حتى هذه اللحظة لا يوجد من يحل محله إذا أُجريت انتخابات حرة نزيهة، فأحزاب المعارضة في الجزائر صغيرة ومُنقسمة، وتتراوح ما بين الأحزاب العمالية العلمانية والجماعات الإسلامية المحافظة. وترى واشنطن مانثلي أن نظام بوتفليقة الحاكم يُشبه نظام الرئيس الأسبق حُسني مبارك، فهو ظاهريًا يبدو علمانيًا ولكنه يتسامح مع التطرف الإسلامي والذي يدّعي النظام أنه يعارضه.
فيديو قد يعجبك: