جزّار سوريا أم منقذها؟.. رحلة الأسد من الصعود إلى استعادة السيطرة
كتب - هشام عبد الخالق:
ظل الرئيس السوري السابق حافظ الأسد يحكم البلاد لمدة 30 عامًا تقريبًا، ولم يتسنَ له قبل وفاته في عام 2000، إعداد نجله بشار، البالغ من العمر -آنذاك- 34 عامًا للحكم، حيث كان من الواضح أنه يعد نجله الأكبر باسيل للحكم، ولكن الأخير قُتل في حادث سيارة عام 1994.
بعد ساعات من وفاة حافظ الأسد، قام البرلمان السوري بتعديل الدستور لصالح الابن بشار، وخفض الحد الأدنى لسن الرئيس من 40 إلى 34 (سن بشار في ذلك الوقت). ثم عُين قائدًا للقوات المسلحة وتم انتخابه سكرتيرًا للقيادة الإقليمية لحزب البعث الحاكم، وهي أعلى هيئة لصنع القرار في الحزب.
فاز الرجل الذي درس طب العيون برئاسة سوريا بعد دعم ساحق في استفتاء على مستوى الأمة شمل مرشحًا واحدًا، وأدى اليمين الدستورية رسميًا لمدة سبع سنوات في 17 يوليو 2000، متعهدا بالحفاظ على سياسة والده التي لا تتزعزع تجاه إسرائيل ووعد بإصلاح الاقتصاد المتعثر.
أبقى الأسد على أقاربه وأعضاء من الأقلية العلوية التي ينتمي لها في المناصب الرئيسية للسلطة حوله، وكانت الزيارة الأولى للأسد إلى الخارج بعد توليه منصبه، إلى القاهرة، لإجراء محادثات مع الرئيس الأسبق محمد حسني مبارك، بهدف تعزيز موقف سوريا في عملية السلام المتوقفة مع إسرائيل.
وكان الأسد مثل والده مصرًا على أن أي معاهدة سلام مع إسرائيل، يجب أن تشمل إعادة جميع الأراضي التي استولت عليها من سوريا في حرب عام 1967.
في مايو 2001، قام البابا يوحنا بولس بزيارة إلى سوريا، واجتذب الأسد وقتئذ عاصفة احتجاجية، عندما اتهم اليهود بخيانة المسيح ومحاولة قتل النبي محمد، ووصفت هذه التصريحات على نطاق واسع على أنها معادية للسامية، وادّعى الأسد أنه قد أسيء فهمه.
في يناير 2001، تزوج بشار من السيدة أسماء الأخرس المولودة في بريطانيا، والتي لعبت فيما بعد دورًا أساسيًا في الترويج لدور المرأة في المجتمع.
أصبح الأسد في يناير 2004 أول رئيس سوري يزور تركيا، وذلك سعيًا منه لعلاقات أفضل مع أنقرة، بعد عقود من العلاقات المتوترة بين الجارتين بسبب الخلافات حول الأراضي والموارد المائية المشتركة والدعم السوري الضمني للانفصاليين الأكراد الذين يقاتلون في جنوب شرق تركيا. ووصل البلدان إلى شفا الحرب عام 1998 قبل أن تطرد دمشق الزعيم الكردي عبد الله أوجلان.
وحث الأسد روسيا على إحياء نفوذها في الشرق الأوسط، وخلال زيارة الأسد الرسمية الأولى إلى موسكو، في يناير 2005، وافقت روسيا على شطب 73% من الديون السورية في الحقبة السوفييتية، واعتبرت هذه الخطوة علامة على رغبة موسكو في تعزيز دورها في الشرق الأوسط، وأنها مستعدة لرفع علاقاتها مع سوريا إلى مستوى جديد.
بعد اغتيال رئيس الوزراء اللبناني الأسبق رفيق الحريري في فبراير 2005، ألقت المعارضة اللبنانية باللوم على دمشق، وتظاهر آلاف اللبنانيين في الشوارع لمطالبة سوريا بإنهاء 30 سنة من الوجود العسكري والتأثير السياسي في بلادهم، وكان الأسد يصر دائمًا على أن دمشق ليس لها دور في عملية الاغتيال القتل.
خاطب الأسد البرلمان السوري في 5 مارس بعد تزايد الضغوط العربية والدولية، وأعلن انسحاب كامل للقوات السورية الـ14000 التي بقيت في لبنان منذ تدخل سوريا عام 1976 في الحرب الأهلية في البلاد.
في مايو 2007، أُعيد التصويت على الأسد لفترة ولاية ثانية مدتها سبع سنوات، وحصل على 97.6% من الأصوات في استفتاء رئاسي، وفي ديسمبر 2009 وصل سعد الحريري نجل رفيق الحريري إلى دمشق في أول زيارة رسمية له إلى سوريا، منذ تشكيل حكومة وحدة تحت قيادته.
خففت زيارة سعد، ما يقرب من خمس سنوات من العداء بين دمشق وتحالف "14 آذار" السياسي الذي ينتمي له الحريري، والذي كثيرًا ما اشتبك مع حلفاء سوريا في لبنان بقيادة حزب الله المدعوم من ايران.
بعد ستة أشهر، رافق الملك السعودي عبد الله بن عبد العزيز، الأسد، في زيارة إلى لبنان، في محاولة دراماتيكية لتجنب أزمة بشأن اتهامات محتملة لأعضاء حزب الله باغتيال رفيق الحريري، وكانت هذه الزيارة الأولى للأسد إلى بيروت منذ وفاة رفيق الحريري.
وتقول صحيفة "هآرتس" الإسرائيلية، إنه خلال سنوات حكم الأسد، أصبحت سوريا أقرب حليف عربي لإيران. وصور الأسد بلاده كبلد للمقاومة العربية لإسرائيل، وأدت محافظته على سياسته الخارجية لحمايته من الغضب العام الذي أطاح بقادة تونس ومصر وليبيا من السلطة في 2011.
ومع ذلك، اندلعت الاحتجاجات ضد حكمه في مارس 2011 في المناطق الريفية المحافظة وانتقلت إلى دمشق، وحاول الأسد سحق الاحتجاجات عن طريق شن حملة أمنية مشددة، في الوقت الذي وافقت فيه حكومته على قانون برفع حالة الطوارئ المفروضة منذ ما يقرب من 50 سنة، والسماح لأحزاب غير حزب البعث الحاكم بالتأسيس.
وبعد أشهر من العنف المتصاعد وعدد القتلى المتزايد، تحول جيران الأسد من العرب عنه، ولكن الأسد لم يعبأ بذلك، وكان قادرًا على حشد حشود ضخمة لمظاهرة نظمتها الدولة في يناير 2012، وفي يوليو من نفس العام، كانت الخسارة الأكبر التي مُني بها الأسد في مقتل صهره آصف شوكت ، ووزير دفاعه داوود راجحة، في تفجير انتحاري بدمشق، وتبعت عملية القتل هذه انشقاق رئيس الوزراء رياض حجاب.
وبعد عدة سنوات من الانتفاضة التي بدأت باحتجاجات سلمية، انزلقت سوريا إلى حرب أهلية مع نزوح الملايين من مواطنيها.
وتقول الصحيفة، في تقرير منشور على موقعها الإلكتروني الخميس، إن الأسد أطلق عليه لقب "جزار دمشق" بسبب القمع الوحشي لنظامه ضد الاحتجاجات واستخدام الغارات الجوية والهجمات الكيماوية المزعومة على المناطق المدنية التي تسيطر عليها المعارضة، وكذلك ظهرت مزاعم التعذيب والقتل من السجون التي يسيطر عليها النظام مع اندلاع الحرب الأهلية.
يأتي ذلك في وقت يعتبره سوريون آخرون منقذ لسوريا من الجماعات الإرهابية التي فرضت سيطرتها على مناطق في سوريا، وذلك باستعادة تلك الأراضي من مجموعات مثل جبهة النصرة وداعش.
وأوضحت الصحيفة، أن الأسد لم يظهر أي علامة على التنازل، مدفوعًا بالاعتقاد بأن طائفته العلوية ستُذبح إذا انتصر المتمردون السنة. ومع احتدام الحرب، واجه عزلة متزايدة واُتهم نظامه باستخدام أسلحة كيميائية عدة مرات، وتدخلت قوات أمريكية وأوروبية مرتين من خلال مهاجمة منشآت أسلحة ردًا على الهجمات الكيماوية.
تدخلت روسيا إلى جانب الأسد في 2015، للمساعدة في دعم مقاتلي حزب الله الذين كانوا يساعدون في إبقاء نظام الأسد من السقوط، واستعاد الأسد اليد الطولى في الحرب السورية بمساعدة القوة الجوية الروسية وقوات حزب الله اللبنانية والإيرانية، واستعاد جميع المدن الرئيسية من المتمردين والمسلحين المدعومين بشكل مختلف من قبل القوى الغربية وعرب الخليج.
وقالت وسائل إعلام حكومية سورية، إن الأسد قام بأول زيارة علنية لأقرب حلفائه الإقليميين منذ بدء الحرب السورية في عام 2011، إيران، والتقى بالمرشد الأعلى آية الله علي خامنئي في طهران، مشيدًا بتحالفهما.
وأظهر التلفزيون السوري والإيراني، الأسد وخامنئي يبتسمان ويتعانقان، وقال التلفزيون السوري إن الزعيمين اتفقا على "مواصلة التعاون على جميع المستويات من أجل مصالح البلدين الصديقين".
وكان يجلس إلى جوار الأسد، اللواء قاسم سليماني، قائد "فيلق القدس" في إيران، وهي الذراع الخارجي للحرس الثوري الإيراني، وكانت تلك الزيارة هي الأولى من نوعها لأي دولة خارجية باستثناء روسيا منذ بداية الحرب السورية.
الميليشيات الشيعية المدعومة من إيران وسّعت سيطرتها على المناطق التي تقطنها أغلبية سنية في دمشق وجنوب وشرق سوريا، وهي المناطق التي تحملت العبء الأكبر من القصف العنيف وأدت إلى النزوح الجماعي أو الهجرة إلى البلدان المجاورة.
كما أطلع الرئيس الإيراني حسن روحاني، الأسد على جهود روسيا وإيران وتركيا، المؤيدين للطرفين الرئيسيين في الحرب الأهلية السورية، لإنهاء النزاع.
وبحسب الصحيفة، تريد سوريا من تركيا -التي دعمت متمردين سُنة وحصلت على منطقة نفوذ في شمال غرب البلاد- أن تزيل قواتها من الأراضي السورية وتنهي دعمها للمتمردين.
ولكن، حسبما تذكر الصحيفة، فشلت الجهود حتى الآن في إحراز تقدم نحو التوصل إلى تسوية سياسية لإنهاء الحرب التي أودت بحياة مئات الآلاف من الأشخاص، وشردت نحو نصف سكان سوريا الذين بلغ عددهم قبل الحرب 22 مليون نسمة.
فيديو قد يعجبك: