قصة الرجل الذي أنشأ خدمة الإسعاف المجاني الوحيدة في الصومال
"بي بي سي":
لم يكن الأمر طبيعياً بالنسبة لـ عبدالقادر عبدالرحمن عدن، أن يرى المرضى يُنقلون على عربات جرٍ إلى المستشفيات وهم في وضع حرج، خاصة في بلدٍ مثل الصومال حيث تتكرر التفجيرات الدامية التي يقوم بها مسلحون في العاصمة مقديشو.
أسس عبد الرحمن قبل 13 عاماً، خدمة إسعاف مجانية بدأت بحافلة قديمة ومستعملة دون أن يحصل على دعم حكومي، ليتحول إلى شخصية فاعلة وملهمة للشباب الصوماليين الذين تطوعوا في الخدمة التي سماها عدن بـ " AAMIN ".
مبادرة ذاتية
عندما عاد عدن (45 عاماً) من باكستان إلى مقديشو، بعد أن أنهى دراسة طب الأسنان هناك، تفاجأ بنقص سيارات الإسعاف في شوارع مقديشو المزدحمة، وبانتشار عربات النقل اليدوية التي كانت تُستخدم في نقل المرضى.
كان هناك عدد قليل من سيارات الإسعاف، أما الخدمات الإسعافية فكانت تُقدم معظمها من قبل المستشفيات الخاصة التي تتقاضى الأجور من المرضى لقاء نقلهم إلى المستشفيات.
وبعد فترة قصيرة، بادر الطبيب عدن إلى تأسيس خدمة الإسعاف المجانية غير الحكومية.
وقال لبي بي سي "في البداية، اشتريت حافلة صغيرة وقمت بصيانتها لجعلها متوفرة للجميع بمن فيهم مستخدمي الكراسي المتحركة".
بدأت الحافلة الصغيرة بنقل الجرحى والمصابين والنساء الحوامل إلى المستشفى. وأدرك عدن لاحقاً أنه يحتاج إلى توسيع هذه الخدمة لمساعدة أكبر عدد من المحتاجين للإسعاف.
فبدأ يتردد على أسواق المدينة المفتوحة والمحلات التجارية الصغيرة المنتشرة هناك، بحثاً عن الجهات المانحة للمساعدات.
ويقول: "تمكنت من إقناع مجموعة من صغار التجار المحليين للمساهمة في شراء حافلة صغيرة أخرى لنا لتوسيع خدمتنا". في ذلك الوقت، كان عدن يعمل مدرساً بدوام جزئي في جامعتين في المدينة.
ويقول: "سألت طلابي عما إذا كانوا يريدون المساهمة في إنقاذ حياة الآخرين بالتبرع بمبلغ دولار واحد شهرياً للمساهمة في إنقاذ إخواننا وأخواتنا".
وبعد تحقيق نتائج مشجعة، بدأ عدن يطلب من جميع الناس المساهمة بمبلغ دولار واحد فقط في الشهر للمساعدة في تشغيل المزيد من سيارات الإسعاف".
لا يوجد دعم حكومي"
قام عدن بتسمية خدمة الإسعاف التي يديرها باسم "آمين" ومعناها باللغة الصومالية، الثقة. ويرى معظم الناس هناك بأن هذا الإسم يرتقي إلى المستوى المطلوب في "دولة فاشلة سياسياً".
واليوم، يعمل في خدمة إسعاف آمين، 35 شخصاً، معظمهم من الطلبة والمتطوعين الذين لا يقبضون رواتب مقابل عملهم، كما أن آمين تغطي نفقاتها اليومية مثل مصاريف النقل والاحتياجات الضرورية، من التبرعات دون أي مساهمة حكومية.
فتوسعت خدمة آمين من سيارة واحدة إلى 20 سيارة إسعاف، مع وجود سائق لكل سيارة. وقال عدن: "سألنا منذ فترة مكتب رئيس بلدية مقديشو عما إذا كان بإمكانهم مساعدتنا بعشرة لترات من الوقود يومياً، وما زلنا ننتظر الرد".
لم تقتصر مساعي الطبيب عدن في طلب المساعدات على الصوماليين، بل تمكن من الحصول على دعم من الأمم المتحدة أيضاً، وقال: "اشترت لنا منظمة الصحة العالمية سيارتين، كما تبرع برنامج الأمم المتحدة الإنمائي ببعض أجهزة الاتصال اللاسلكية".
ويضيف: "اشترينا سيارات الإسعاف المستعملة من دبي واستلمناها في الآونة الأخيرة، كما نظمت السفارة البريطانية في مقديشو ماراثوناً لجمع الأموال من أجل مساعدتنا".
جمع التبرعات هنا ليس بالأمر السهل، ومثله التعامل مع السلطات المحلية، فقد حظرت السلطات مؤخرًا وجود سيارات آمين في مواقع الانفجارات في المدينة، ويبدو أن المشكلة هي حساسية الحكومة من عدد الإصابات الناجمة عن التفجيرات التي ينفذها متشددون إسلاميون، وتقوم آمين بإعلام الصحفيين بعدد القتلى والإصابات، والذين بدورهم ينشرون تلك المعلومات في صفحاتهم في مواقع التواصل الاجتماعي.
وأثار ذلك الحظر غضب البعض عندما تم نشر الخبر على موقع فيسبوك التابع للقسم الصومالي في بي بي سي، الأسبوع الماضي، إذ استنكروا إجراء الحكومة في "وقف عمل الإسعاف".
لكن عدن يقلل من ذلك ويقول: "لقد تحدثت إلى مسؤول الشرطة، فألغى الحظر، لكنه طلب منا أن نعلمهم عندما نُستدعى، كما لا يُسمح لنا بالتحدث إلى وسائل الإعلام أو الكشف عن عدد الضحايا".
بينما قال صلاح حسن عمر، المتحدث باسم السلطة الإقليمية لبي بي سي،: "كان الأمر مجرد سوء فهم وكان الهدف منه التوصل الى العمل سوية بطريقة أفضل، أما بالنسبة لعدن، فيمكن التغلب على مثل هذه المشاكل، بفضل الكرم الذي يتلقاه منذ بدء خدمة الإسعاف".
وأضاف: "لكل شخص في هذه الحياة هدف، وأهم شيء بالنسبة لي هو حياة الناس، هذه هي القوة المحركة لي".
كرم
ويقول عدن: "الصوماليون شعب كريم جداً حتى لو لم يمتلكوا شيئاً، فبلدنا يعاني من الاضطرابات منذ 30 عاماً، لكنه مازال حياً بفضل الأموال المرسلة إليه من الخارج".
فالصومال يعيش على كرم وحسن نوايا الصوماليين في الشتات منذ عقود.
وآمين، هو جهد جماعي تطوعي تقريباً، وعلينا أخذ زمام المبادرة من أجل رفاهية إخواننا الصوماليين."
"لسنا سياسيين"
رغم أن التفجيرات التي كانت تنفذها حركة الشباب المتشددة في مقديشو تتصدر عناوين الأخبار، إلا أن خدمة آمين للإسعاف لم تتأسس لسد حاجة ضحايا تلك الهجمات فقط، بل تُستخدم سيارات آمين في جميع الحالات التي تتطلب الإسعاف، سواء تعلق الأمر برعاية طفل صغير أو امرأة في مرحلة المخاض أو عجوز يحتاج إلى المساعدة.
ويقول عدن: "نتواجد حيث توجد الحاجة إلينا، فلدينا مسعفون وممرضون على أهبة الاستعداد".
مستقبل
ويأمل عدن بألا يموت أحد في الصومال مستقبلاً نتيجة عدم قدرته على الحصول على الإسعاف في الوقت المناسب". ويتمنى رؤية خدمة آمين تتوسع لتشمل كل البلاد.
وقد يبدو الأمر مستحيلاً في ظل سيطرة حركة الشباب على معظم المناطق الريفية، لكن عدن يقول، لايمكن تحقيق أي شيء دون وجود عزيمة، كما أنه لا يبدو أن حركة الشباب المعروفة بمطالبتها بالمال من الشركات التجارية الصومالية مقابل الحماية، مهتمة بعربات الإسعاف.
"فنحن لسنا شركة، ولا نحقق أرباحاً ولسنا بسياسيين، لا أستطيع تخمين ما قد تطلبه حركة الشباب منا".
فيديو قد يعجبك: