نيويورك تايمز: من ينتصر في انتفاضة السودان.. الشعب أم الجيش؟
كتبت- رنا أسامة:
بدت الاحتجاجات الجارية أمام مقرات الجيش السوداني وكأنّها مهرجان ثقافي صيفي أكثر من كونها ثورة. أحد الموسيقيين السودانيين المشاهير بدأ يعزف على الكمان داخل سيارته. وظهر مسلمون صوفيون يرتدون ملابس مُلوّنة في مشهد ملحمي مع أولئك الذين يُغنون التراتيل المسيحية.
وقالت صحيفة "نيويورك تايمز" الأمريكية، في تقرير مُطوّل على موقعها الالكتروني، الثلاثاء، إن بعض المتظاهرين أحضروا أطفالهم إلى موقع الاعتصام ليتذوقوا نشوة تحقيق هذا الإنجاز الرائع: نجح المتظاهرون، الأسبوع الماضي، في الإطاحة بالرئيس الاستبدادي المنبوذ عُمر البشير، بعد 30 عامًا من حُكمه الطاحِن.
لكن داخل القيادة العامة للقوات المُسلحة بالسودان، لا يزال رجال البشير، يحكمون ويُجرون مُحادثات حسّاسة مع مُتحدّثين شباب غير معروفين لهذه الانتفاضة اليافِعة التي لم تكتمل بعد- على حدّ وصف الصحيفة.
من جهةٍ أخرى، لا يبدو أيٍ من الطرفين قادرًا على تمييز الحليف من العدو؛ وخاصة بين المُحتجين الذين يخشون أن يخدعهم قادة المجلس العسكري الانتقالي ويُجهِض حلمهم بالعودة إلى الحُكم المدني.
قالت سلمى علي، وهي مُدرسة شاركت الاحتجاجات: "اقتلعوا الرأس، ولكن الجسد لا يزال باقيًا"، في إشارة إلى نظام البشير.
وأمس الاثنين، أصرّ الجنود على تطهير مِنطقة الاعتصام من المتظاهرين حتى يتمكّنوا، على حدّ زعمهم، من تمشيط الشوارع. لكن المتظاهرين القلقين شعروا أنها خدعة لتفريقهم، فرابطوا المكان، مُردّدين هتافات ثورية. ومرة أخرى دخلت المواجهة بين الجيش والمدنيين- القوة التي تُقاتل من أجل صياغة مُستقبل السودان- طريقًا مسدودًا.
أشارت الصحيفة إلى أن شبح الثورات الأخرى يُلاحق انتفاضة السودان. يشعر البعض بالقلق من أن يلقى البلد، أحد أكبر وأفقر بلدان أفريقيا، نفس مصير ليبيا، حيث أدخل سقوط معمر القذافي بعد 40 عامًا على رأس السلطة، البلاد في دوامة من الفوضى ما تزال عالقة بها.
وفي السودان، بدا الأمر في كثير من الأحيان وكأن الأحداث تسير على هوى المتظاهرين منذ السقوط المأساوي للبشير. ذكرت الصحيفة أن المجلس العسكري الانتقالي بدا مترددًا وقلقًا حتى أنه تراجع عن قراراته أكثر من مرة (تنحّى رئيسه الفريق عواض بن عواف بعد يوم واحد من تسلّمه رئاسة المجلس)، وقدّم سلسلة من التنازلات لإرضاء المُتظاهرين الذين يواصلون اعتصامهم خارج مقرّات الجيش السوداني.
خلال عُطلة نهاية الأسبوع، أعلن المجلس العسكري الانتقالي، الذي يُدير البلاد شكليًا، إلغاء حظر التجول الذي فُرِض قبل أيام وإطلاق سراح جميع السجناء السياسيين. وأضاف المجلس، في بيان مُتلفز، استقالة رئيس المخابرات "المُخيف" صلاح قوش .
في بعض الأحيان، بدا الأمر وكأنه انقلاب على تطبيق التواصل الاجتماعي "تيندر"، حيث كان المتظاهرون يُمرّرون يمينًا ويسارًا لاختيار المُرشّحين المُقدّمين من قِبل الجيش، وفي خِضم ذلك ساد جو كرنفالي في موقع الاحتجاج الرئيسي، بحسب الصحيفة.
في المساء، أخذ بعض المُحتجين، بينهم جندي سوداني يرتدي علم بلاده، يعزفون ألحانًا سودانية وعالمية على آلة الساكسفون وسط جموع المتظاهرين. وفي نهاية الأسبوع الماضي، وُضِعت شاشات كبيرة ليتمكن المتظاهرون من مشاهدة مباريات كرة القدم الأوروبية. وألقت شابات سودانيات خُطبًا مؤثرة وسط تصفيق حاد وزغاريد النساء الأكبر سنًا، الأمر الذي أبكى بعض الجنود المُنحازين للمُحتجين.
في إحدى الليالي، انضمت عروس سودانية إلى حشد من الرجال المُعتصمين الذين كانوا يُردّدون هتافات بقوة "سوف يسقط، وسنتزوج"- في إشارة إلى عدد الشباب السودانيين الذين لا يستطيعون تحمل تكاليف الزفاف مع تردّي الوضع الاقتصادي الذي تعيشه البلاد.
على مدى ثلاثة عقود من الحكم القاسي، قام البشير بحظر أو تهميش العديد من النقابات ومنظمات المجتمع المدني. زجّ بمُعارضيه في السجن أو المنفى؛ وبعضهم مات في زنازين التعذيب. وفي نهاية المطاف أُجبِر البشير على التتحّي بضغط من الحِراك الشعبي الذي يقوده تجمّع المهنيين السودانيين، المؤلّف من الطبقات الوسطى المُحبطة.
وظّفت قامت مجموعة من المتخصصين بقيادة أطباء ومهندسين، بتسخير موجة الغضب التي اندلعت خلال احتجاج على ارتفاع سعر الخبز في ديسمبر، وجعلته حركة جماعية مستدامة.
ساعد تجمّع المهنيين السودانيين، وهو تجمّع نقابي غير رسمي، في تشكيل تحالف واسع يضم نشطاء من أماكن مزقتها الحرب مثل دارفور، ولجنة من الصيادلة و"منتدى المُغرّدين السودانيين". ومع ذلك، ظل قادة هذه الحركة، بخلاف استثناءات قليلة، في الخفاء لتجنب الاعتقال.
قال مصعب عبدالناصر (19 عامًا)، وهو مصور إعلانات مُشارك في الاحتجاجات، للنيويورك تايمز: "لقد قادونا إلى الحرية، لكننا لا نعرف شيئًا عنهم".
التكتّم على هويّات قادة تجمّع المهنيين ارتفع تدريجيًا في الأيام الأخيرة، مع تفاوض الجيش والمتظاهرين على شكل الحكومة المؤقتة المُفترش أن تُدير البلاد لحين إجراء انتخابات، وفق الصحيفة.
ثمة نقطة خلاف بين الطرفين حول طول الفترة الانتقالية المُتوقع أن تستمر مُدة عامين تحت حكم المجلس العسكري الانتقالي، لكن وافق الجيش السوداني على أن إدارة مدنية لجميع الوزارات باستثناء وزارتي الدفاع والداخلية.
لكن النقطة الشائكة الرئيسية، كما تقول الصحيفة، هي من سيُدير البلاد فعليًا، وما إذا كان المجلس العسكري سيُمنح حق النقض (الفيتو)، وبالتالي تُصبح له اليد الطولى على رئيس الحكومة المدني.
ورأت الصحيفة أن المفاوضات الجارية من شأنها أن تختبر مدى تلاحم ووحدة المُحتجين. استبعد الجيش الأحزاب الإسلامية وحزب المؤتمر الوطني، أداة البشير السياسية، من المحادثات الجارية. كما أن الجماعات المتمردة من دارفور وغيرها من المناطق النائية غير مُمثلة.
وقال مجدي الجزولي، وهو خبير سوداني في معهد ريفت فالي، وهو مركز بحثي متخصص في شئون شرق ووسط أفريقيا، إن "المحتجين في حاجة للتوصّل إلى موقف موحّد قبل أن ينقضّ العسكريون على ثورتهم".
وأضاف للصحيفة: "هناك الآن انفجار في النشاط السياسي في الخرطوم، لكن هذا الأمر لن يدوم طويلًا. يحتاج المتظاهرون إلى معرفة ما يريدون الاستفادة منه قبل فوات الأوان".
فيديو قد يعجبك: