نيويورك تايمز: انحياز الجيش إلى المتظاهرين "ضربة قوية لنظام البشير"
كتبت- رنا أسامة:
قالت صحيفة "نيويورك تايمز" الأمريكية إن الاحتجاجات في السودان دخلت مُنعطفًا جديدًا في عطلة نهاية الأسبوع؛ إذ تظاهر عشرات الآلاف من المُحتجين أمام مقر قيادة الجيش في العاصمة السودانية الخرطوم، للمُطالبة برحيل الرئيس عُمر البشير المُستمر في الحكم منذ 3 عقود.
وفي خطوة عدّتها الصحيفة تطوّرًا كبيرًا في مسار الاحتجاجات وضربة قوية لنظام البشير، انحاز بعض جنود الجيش السوداني إلى المتظاهرين. قال ثلاثة متظاهرين عصر الأحد إن الجنود حموا المُعتصمين من قوات الأمن الأخرى التي كانت تحاول فضّ اعتصامهم بالقوة.
شهدت التظاهرات إطلاق نار، مرة واحدة على الأقل، حين اشتبك رجال يرتدون الزي العسكري مع بعضهم البعض، بسبب ميل بعضهم إلى قمع المتظاهرين وميل البعض الآخر إلى حمايتهم، حسبما أفاد شهود عيان في اتصالات هاتفية للنيويورك تايمز مساء الأحد.
بدأت الاحتجاجات في ديسمبر الماضي، وسط نقص المواد الغذائية وارتفاع الأسعار، وسُرعان ما تحوّلت إلى حركة جماهيرية في جميع أنحاء السودان، وتوحّدت على مطلب تنحي البشير. وفي عطلة نهاية الأسبوع، اكتسبت المظاهرات زخمًا مع تجمُّع عدد كبير من المتظاهرين أمام مقر قيادة الجيش السوداني، بحسب الصحيفة.
ويقع مقر إقامة البشير في الخرطوم في المُجمع العسكري نفسه الذي يضم مقر قيادة الجيش السوداني. وبحسب تقديرات مُنظّمي الاحتجاجات، شارك مئات الآلاف من الأشخاص في تظاهرات 6 أبريل.
وأشارت الصحيفة إلى أن موجة الاحتجاجات الأخيرة التي نظّمها تجمع المهنيين السودانيين، وهو تجمع نقابي غير رسمي، جاءت بعد أقل من أسبوع على موافقة الرئيس الجزائري المريض، عبدالعزيز بوتفليقة، على التنحّي وسط تظاهرات حاشدة كانت سلمية إلى حدٍ كبير.
وفي حين أن قبضة البشير على السلطة أقوى بكثير من قبضة بوتفليقة، لكن بدا أن موقف الرئيس السوداني يضعف تدريجيًا في عُطلة نهاية الأسبوع مع تزايد الاحتجاجات. كما بدت الحكومة غير متأكدة متخبّطة بشأن كيفية الرد لاحتواء الأزمة.
من ناحية أخرى، اختلطت مشاعر البهجة والقلق بين صفوف المتظاهرين والناشطين وسط حديث عن حملة قمع قادمة. قال إبراهيم طه أيوب، الذي كان يشغل منصب وزير الخارجية السوداني في منتصف الثمانينات من القرن الماضي، عن تظاهرات نهاية الأسبوع الماضي: "كانت هذه ضربة قوية للحكومة".
وتوقّع أيوب، الذي شارك في الاحتجاجات مرارًا في الأشهر الأخيرة، أن تكون بعض قوات الأمن السودانية في انتظار فرصة -أو رُبما إذن من الحكومة-لمُهاجمة الحشود المُعتصمين أمام مقر قيادة الجيش.
ومن العلامات المثيرة للقلق التي ظهرت خلال التظاهرات الأخيرة، بحسب نيويورك تايمز، زيادة وجود عناصر "الجنجويد" في الخرطوم، وهي ميليشيات سيئة السمعة يُقال إنها ارتكبت فظائع في الصراع الذي شهده إقليم دارفور. وقد أعادت الحكومة السودانية تشكيلهم باعتبارهم قوات دعم سريع.
قال أحد المُشاركين في الاحتجاجات يوميّ السبت والأحد، وهو طبيب رفض كشف هويّته لدواعٍ أمنية: "الجنجويد يدخلون المدينة".
وذكر أن "الجنجويد كانوا يفتشون الناس والمركبات عند نقاط التفتيش التي أقيمت نهاية الأسبوع بحثًا عن الماء والغذاء، استعراضًا لقوتهم وسعيًا منهم لمنع وصول الإمدادات إلى المحتجين".
في السياق ذاته، لفتت الصحيفة إلى أن تصرّفات البشير، الذي وصل إلى الحُكم في انقلاب عسكري عام 1989، جعلت منه شخصًا منبوذًا لدى الغرب منذ فترة طويلة من الزمن، كما أنه القائد العربي الوحيد حاليًا الذي تُلاحقه المحكمة الجنائية الدولية باتهامات تتعلق بارتكاب جرائم ضد الإنسانية والإبادة الجماعية، فضلًا عن اتهامه بلعب "دور أساسي" في الأعمال الوحشية في دارفور، وهي منطقة في غرب السودان.
وحاول البشير في الأعوام الأخيرة تحسين موقفه في الغرب، وفي 2017، وافقت الولايات المتحدة على رفع العقوبات المفروضة على السودان، استنادًا إلى تغيرات واعدة. وضمن أمور أخرى، وافق السودان على عدم الدخول في صفقات أسلحة مع كوريا الشمالية، والحدّ من تدخّله في شؤون جنوب السودان، الذي صار دولة مستقلة في 2011 بعد حرب أهلية طويلة.
لكن تخفيف العقوبات الأمريكية لم يحِلّ المشاكل الاقتصادية في السودان، وفق الصحيفة. قال الناشط حافظ محمد في مكالمة هاتفية للصحيفة من العاصمة الإثيوبية أديس أبابا، الأحد: "لا يوجد شيء في السودان.. ماكينات الصراف الآلي خاوية، وأصحاب المعاشات عاجزون عن سحب المال من المصارف، طوابير الخبز يمكن أن تستمر لساعات، وأحيانًا لا يكون هناك شيء يمكن شراؤه".
أضاف الناشط السوداني: "إذا كان لديك المال، فلن تجد الدقيق الكافي ليخبزه الخبّازون".
وفي هذا الشأن، أشارت الصحيفة إلى أن ارتفاع سعر الخبز ساعد في إثارة الاحتجاجات الأولى في مدينة عطبرة خلال تظاهرات 19 ديسمبر الماضي، التي انتشرت بسرعة في أرجاء السودان بالرغم من جهود قمعها التي كانت قاسية في أحيانٍ كثيرة.
على مدار الأشهر الثلاثة التالية، قُتِل 60 متظاهرًا وفقًا لتقرير صادر عن منظمة أطباء من أجل حقوق الإنسان، ومقرها نيويورك. وقالت المنظمة إن الشرطة ووكالة الأمن الداخلي القوية في البلاد، جهاز الاستخبارات والأمن الوطني، "شنّوا هجمات على سبع منشآت طبية على الأقل".
وفي بث مُتلفز قبل شهرين، أعلن البشير حال الطوارئ وحلّ الحكومة الاتحادية واستبدال قادة عسكريين بحكام الولايات.
مع استمرار الاحتجاجات، بدا البشير قادرًا على إبطاء وتيرة الزخم المحيط بها لبعض الوقت، حتى أجبر المُحتجين على التراجع. لكن تظاهرات يوم السبت أظهرت عدم قدرة الرئيس السوداني على احتواء الاحتجاجات بالقدر ذاته، مع اقتراب آلاف المتظاهرين من مقار الجيش.
أفادت بعض التقارير إلى أن التظاهرات الأخيرة تخلّلها العنف مع وقوع ما لا يقل عن 7 قتلى، معظمهم في الخرطوم، نتيجة إطلاق النار عليهم من قِبل قوات الأمن. في المقابل قال النشطاء إن الاحتجاجات قوبلت بعنف أقل من المُتوقع، وإن المزاج العام بين المحتجين كان مُبهجًا، خاصة مع حماية بعض جنود الجيش للمُعتصمين.
وفي مكالمة هاتفية مع الصحيفة، قال أحد المُحتجين الذي ذكر اسمه الأول فقط، السموأل: "أفراد الجيش يحموننا من الأجهزة الحكومية الأخرى".
وأضاف السموأل (32 عامًا) الذي يعمل في مجال المبيعات، أنه شاهد جِدالًا بين جنود بملابس رسمية وضباط من جهاز الأمن والمخابرات الوطني.
وأوضح: "حاول بعض أفراد جهاز الأمن منع الناس من الوصول إلى هذه المنطقة، لكني شاهدت جنودًا يحثّونهم على ألا يتعرضوا للمحتجين، وأن يتركوهم يذهبون في سلام". وبينما كان السموأل يتحدث إلى الصحيفة، سُمِعت أصوات المحتجين وهم يرددون شعار "تسقط بس"، في إشارة إلى البشير.
قال متظاهران، بينهما طبيب في منتصف العشرينيات من عمره، إنهما شاهدا إطلاق النار بينما كان الجنود يعترضون نوايا قوات جهاز الأمن والمخابرات الوطني لتفريق المُعتصمين. ولكن لم يكن واضحًا درجة الرُتب التي قدّمت الدعم، أو على الأقل تعاطفت مع المتظاهرين.
وقال وزير الخارجية السوداني السابق للنيويورك تايمز: "من المؤكد أن قادة الجيش يدعمون الرئيس، لكننا نعتمد على الجنود العاديين وأصحاب الرتب المتوسطة".
وفي وقت سابق، أدان المتحدث الرسمي باسم الحكومة السودانية، حسن إسماعيل، "الطريقة التي تعاملت بها القوات النظامية مع المتظاهرين الذين تجمعوا أمام مقار القيادة العامة للجيش"، بحسب وكالة الأنباء السودانية (سونا).
فيديو قد يعجبك: