داخل معتقلات التعذيب السورية: كيف سحق بشار الأسد معارضيه؟
كتبت - هدى الشيمي:
علق ضباط الأمن السوريون، الشاب مُهند غباش من معصميه لساعات، وضربوه بوحشية وصدموه بالكهرباء ووضعوا فوهة المسدس في فمه. قالت صحيفة نيويورك تايمز الأمريكية إن غباش واحد من بين مئات الآلاف من السوريين الذين عذبتهم قوات الرئيس السوري بشار الأسد بوحشية وبأساليب بعيدة كل البعد عن الانسانية، وهو الاسلوب الذي مكنه من سحق المعارضين.
كان غباش طالبًا في كلية الحقوق بحلب، ورغم اعترافه مراراً وتكراراً بجريمته الفعلية والتي تمثلت في تنظيم احتجاجات سلمية مُناهضة للحكومة، إلا أن عملية تعذيبه استمرت 12 يومًا، حتى اُجبر على كتابة اعترافًا بالتخطيط لتنفيذ تفجير.
كانت هذه هي البداية حسب غباش، والذي نقلته قوات الأمن إلى سجن آخر مزدحم في قاعدة المزة الجوية في العاصمة السورية دمشق، حيث علقه الضباط هو وغيره من المعتقلين على السياج عرايا، وسكبوا عليهم المياه خاصة في الليالي الباردة. ومن أجل الاستمتاع والحصول على قدر من الترفيه والتسلية، أشار الشاب السوري إلى أن ضابطًا أطلق على نفسه اسم "هتلر" كان يجبر السجناء على التصرف وكأنهم كلاب وحمير وقطط، وكان يضرب هؤلاء الذين يفشلون في النباح وتقليد أصوات الحيوانات.
داخل مستشفى عسكري، قال غباش إنه شاهد ممرضة تصفع أحد المرضي المبتور ساقه لأنه توسل إليها للحصول على مسكنات آلام، بينما ضم سجن آخر نُقل إليه حوالي 19 زنزانة.
يعتبر غباش، 31 عامًا، نفسه أحد المحظوظين خاصة وأنه نجا بعد 19 شهرًا من الحجز، حتى رُشى قاضِ لإطلاق سراحه.
عملية إبادة
قالت نيويورك تايمز إنه بينما كان الرئيس السوري يتفوق على معارضيه ويعزز وجوده على رأس السلطة خلال الحرب الأهلية المستمرة منذ ثمانية أعوام، كان نظام الاعتقالات التعسفية والتعذيب أحد الأمور المحورية والأساسية التي مكنته من البقاء في الحكم.
وأشارت الصحيفة الأمريكية، في التحقيق الذي نشرته على موقعها الإلكتروني، إلى أنه بالتزامن مع حصول الجيش السوري على دعم روسيا وإيران في حربهم ضد القوات وفصائل المعارضة، كانت الحكومة تشن حرباً قاسية ضد المدنيين، وألقت القبض على مئات الآلاف ووضعتهم في السجون الضيقة والقذرة، حيث واجهوا أسوأ أشكال التعذيب والقتل.
ذكرت نيويورك تايمز إلى أن قرابة 128 ألف سوري في تعداد المفقودين مصيرهم غير معلوم، إما أنهم ماتوا أو لا يزالوا رهن الاحتجاز. ووفقًا للشبكة السورية لحقوق الإنسان، وهي مجموعة مراقبة مستقلة، فإن حوالي 14 ألف سوري قتلوا وهم رهن الاحتجاز أثناء الاستجواب تحت التعذيب.
ووصفت منظمة الأمم المتحدة في تحقيق نشرته منذ فترة ما يحدث داخل السجون في سوريا بعملية الإبادة.
ورغم وحشيته أوضحت نيويورك تايمز أن نظام السجون الحالي في سوريا نسخة مبسطة لما كان عليه إبان حكم حافظ الأسد، رئيس سوريا السابق ووالد بشار. في عام 1982، تمكن حافظ الأسد من سحق ثورة الإخوان المسلمين في سجن حماة، واعتقل عشرات الآلاف من الناس، إسلاميين ومعارضين يساريين ومواطنين ليس لهم علاقة بأي شيء.
على مدار عقدين من الزمن، اختفى حوالي 17 ألف معتقل في السجون السورية، وحسب نيويورك تايمز فإنهم تعرضوا للتعذيب تعذب بطرق استعرها السوريين من المستعمرين الفرنسيين والنازيين.
أبقى الأسد الوضع كما هو عليه بعد توليه الحكم خلفاً لوالده.
أسوأ من داعش
والآن بعد انتهاء الحرب، قالت نيويورك تايمز إن اهتمام العالم بما يجري في سوريا بدأ يتلاشى، كذلك بدأت بعض الدول في تطبيع العلاقات مع سوريا، إلا أن وتيرة الاعتقالات والتعذيب والاعدامات لم تهدأ على العكس تزداد.
تمكن المحتجزون مؤخرًا من إرسال تحذيرات لكي يخبروا الآخرين بأن السلطات أرسلت المئات إلى مواقع الإعدام في سجن صيدنايا، وأفاد السجناء المُفرج عنهم حديثاً بأن عمليات القتل تتسارع مع مرور الوقت.
لفتت نيويورك تايمز إلى أن عمليات الاختطاف والقتل التي ارتكبها تنظيم داعش جذبت انتباه الغرب أكثر من الفظائع التي قام بها النظام السوري.
وفي المقابل نفت الحكومة السورية كل ما يتردد عن سوء معاملة المعتقلين والمحتجزين.
مع ذلك، أوضحت مذكرة حكومية كُشف عنها مؤخرًا أن المسؤولين السوريين الذين يقدمون تقارير مباشرة إلى الأسد أمروا بتنفيذ عمليات اعتقالات جماعية وكانوا على علم بالفظائع التي تحدث داخل السجون.
حسب نيويورك تايمز، فإن محققي جرائم الحرب الذين يعملون لدى لجنة العدالة والمساءلة الدولية غير الربحية مذكرات حكومية توضح أن مسؤولين حكوميين بارزين قد أمروا بالتعامل مع المعتقلين بأقسى وأفظع الأساليب.
على مدار سبعة أعوام، أجرت نيويورك تايمز حوارات مع عشرات الناجين من معتقلات وسجون الأسد وأقارب ضحايا التعذيب والمعاملة الوحشية، والذين أكدوا جميعاً على أن نظام السجون ساعد الأسد كثيراً على سحق معارضيه واجبارهم على التقهقر، وقاد المعارضة إلى صراع مُسلح لن يستطيعوا الانتصار فيه.
"لن يعاقبنا أحد"
لفتت نيويورك تايمز إلى أن الحكومة السورية اعترفت ضمنياً بأن مئات الأشخاص قد ماتوا في المعتقلات. تحت ضغط موسكو أكدت دمشق مقتل أعداد كبيرة من المحتجزين من خلال إصدار شهادات وفاة أو إدراج اسمائهم في قوائم الوفيات. ويرى فاضل عبدالغني، مؤسس الشبكة السورية لحقوق الانسان، أن الجميع تعامل مع هذه الخطوة باعتبارها رسالة يبعث بها نظام الأسد إلى الجميع مفادها: "لقد فزنا. لقد فعلناها ولن يعاقبنا أحد".
وذكرت الصحيفة الأمريكية أن المحاكم الأوروبية تسعى إلى تحقيق العدالة، وألقت النيابة العامة الفرنسية والألمانية القبض على 3 مسؤولين أمنيين سوريين سابقين وأصدرت أوامر اعتقالات دولية لمدير الأمن القومي السوري علي المملوك، ومدير المخابرات الجوية جميل حسن، ولآخرين بتهمة تعذيب وقتل المعتقلين في السجون.
مع ذلك، لا يزال الأسد وباقي قادة حكومته في السلطة، في مأمن من الاعتقالات، لاسيما وأن روسيا تحميه بقوتها العسكرية، وتبذل قصارى جهدها حتى لا ينال أحد منها.
أسماء مكتوبة بالدماء
خاطر المحتجزون والمنشقون عن الجيش وقوات الأمن بحياتهم لاخبار عائلاتهم والعالم بمحنتهم. وداخل زنزانة في القطاع الرابع قرر بعض المعتقلين تسريب أسماء كل من يستطيعون التعرف عليهم. وكان بينهم منصور العمري، الذي قال إنه وزملائه احتجزوا أثناء عملهم في منظمة محلية لحقوق الانسان، وكذلك الصحفي نبيل شوربجي الذي حاول كتابة ما يحدث على قصاصات من القماش ومعجون طماطم، ولكنه فيما بعد استخدم دماء المعتقلين لتدوين أسماء المعتقلين، ثم قاموا بحياكتها في قميص عمر غباش لكي ينقلها معه إلى العالم بأكمله.
حسب نيويورك تايمز فإن هذا القصاصات موجودة الآن في متحف الهولوكوست في واشنطن، ولكن شوربجي لا يزال في المعتقل.
وبعد عامين قال المعتقلون إن الشوربجي ضُرب وعُذب حتى الموت.
مذكرات اُرسلت إلى الاستخبارات السورية تفيد بمقتل المحتجزين في المعتقلات
فيديو قد يعجبك: