"حُب وجينز وحرية على وقع الثورة".. سودانيون يروون قصصهم بعد سقوط البشير
كتب - هشام عبد الخالق:
"رصاص وغاز مسيل للدموع وحب".. تحت هذا العنوان نشرت صحيفة "نيويورك تايمز" الأمريكية، تقريرًا جديدًا لها للوضع الحالي في السودان، خاصة في ظل الاعتصام أمام القيادة العامة للجيش، والذي يقترب من إكمال شهره الأول.
وتقول الصحيفة، إن ساحة الاعتصام أمام القيادة العامة للجيش السوداني أصبحت بمثابة حياة كاملة للسودانيين، وكان آخر تلك اللقطات أن عروسًا أقامت حفل زفافها داخل الساحة.
وأضافت الصحيفة، أن العروس، سمر النور، أصيبت بالرصاص مرتين خلال المظاهرات التي أدت في النهاية للإطاحة بالرئيس عمر البشير، وتزوجت الآن من الرجل الذي أنقذها منتصر التيجاني، والذي انضم للمظاهرات ضد حكم الرئيس الظالم، لينتهي بالوقوع في حب سمر.
ويقول منتصر للصحيفة، أعتقد أنها كانت شجاعة للغاية.
توقفت الحافلة التي تُقِل "سمر"، بالقرب من القيادة العامة للجيش السوداني، واخترقت سمر -على كرسيها المتحرك- صفوف المعتصمين الذين أفسحوا الطريق أمامها، ليستقر بها المقام عند النقطة التي أصيبت فيها.
وتقول سمر، إن الثورة لم تنتهِ بعد، مضيفة أنها طوال حياتها لم تعرف سوى حكم البشير المليء بالفساد، والذي لم تستطع خلاله الحصول على وظيفة حكومية، والآن بزغ فجر عصر جديد، أو هكذا تأمل سمر.
وتشير الفتاة التي تبلغ من العمر 28 عامًا، إلى أنه "في السابق لم نكن نستطيع الاحتفال هكذا، ولا تستطيع التعبير عن نفسك، أو التحدث بحرية، ولكننا نشعر الآن بالحرية".
وأصبحت ساحات الاعتصام في السودان مواقع للمشاهد غير العادية، فبعد عقود من الحكم البارد عديم الرحمة تحت قيادة البشير. وامتدت موجة من الحماسة عبر العاصمة الخرطوم، والتي يتحدث فيها السودانيون عن السياسة حتى يعثرون على الحب.
مركز هذه التغييرات هو ساحة الاعتصام عند بوابات مقر قيادة الجيش، وأصبحت النساء يرتدين الجينز غير خائفات من مضايقات شرطة النظام العام، التي اختفت دورياتها من الشوارع.
وعلى ضفاف النيل، يسترخي الشباب على كراسي بلاستيكية يشربون زجاجات النبيذ العراقي، والذي كان يُعاقب على استهلاكه بـ 40 جلدة بموجب قانون الشريعة السوداني.
وبعد 30 عامًا من حكم البشير الإسلامي، أصبح المجتمع السوداني -وهو مجتمع محافظ بالفعل- غير معتاد على رؤية مثل هذه المناظر، لذا قد تحدث بعض المضايقات، ولكن امتد التغيير خارج مناطق المظاهرات.
وتقول الصحيفة الأمريكية "ذات ليلة كانت هناك فتاة ترتدي بنطالًامن الجينز وتقود دراجة بخارية كاشفة عن شعرها في مشهد لم يعتد عليه السودان من قبل، وكان من الممكن أن يؤدي لاعتقال صاحبته، ولكنه الآن أصبح أمرًا اعتيادياً".
وترى زهيرة محمد -28 عامًا- أن التغييرات كانت مفاجئة وصادمة في البداية، كما لو كان النظام السابق بقيادة البشير يخنقنا لفترة طويلة، وتضيف أنها عارضت والديها من أجل المشاركة في المظاهرات الشعبية.
ورغم انقشاع النظام السوداني السابق بشكل كبير، إلا أن بعض أحكامه لا تزال حاضرة، بحسب الصحيفة، التي تروي قصة رجل سوداني تعرض للجلد 60 جلدة بسبب حيازته لزجاجة من النبيذ.
وتقول الصحيفة، إن عامر يوسف كان في طريقه لشراء بعض السجائر عندما تم احتجازه ومعه زجاجة من النبيذ، وفي اليوم التالي حكم عليه القاضي بـ 50 جلدة أضاف إليها 10 أخريات بسبب الظروف المشددة في البلاد.
ويقول يوسف، البالغ من العمر 35 عامًا: "يبدو أن القاضي كان من ضمن المنزعجين من الثورة".
زوجان محبان آخران جمعتهما الثورة، وهما ناهد الجيزولي ومحمد حامد، ولكن لم تكن الرصاصات من جمعتهما ولكن الغاز المسيل للدموع.
وتقول الصحيفة، إن محمد استنشق كمية كبيرة من الغاز المسيل للدموع أثناء المظاهرات، فهرعت ناهد إليه ونظفت وجهه بزجاجة من الكولا، ومن ثم التقيا في عدة مظاهرات أخرى وحضرا جنازة صديق مشترك لهما توفي في الحجز، بعد أن ضربته الشرطة حتى الموت بحسب ما صرحت ناهد للصحيفة.
ورغم أن الانهيار الاقتصادي في السودان لم يضر بهما كثيرًا، إلا أنهما اتفقا على كره الطريقة التي كانت تعمل بها حكومة البشير والتي حرمتهما من الفرص.
بالنسبة لـ ناهد ومحمد، فإن العقوبات الأمريكية الموقعة على السودان تعني حرمانهما من الاستمتاع بالخدمات الأمريكية مثل "Netflix"، و"Spotify" وعدد كبير من المواقع الإلكترونية الأخرى، بالإضافة إلى غياب سلاسل المتاجر العالمية وغيرها.
وتقول ناهد، إن "السودان كان أشبه بالجحيم، بلا أمل ولا حرية أو مرح".
وتضيف الصحيفة، أن الاختلافات في الدين والعرق التي استغلها البشير لتعزيز سلطته، لم تعد موجودة بعد الآن، أو أصبحت غير واضحة، والأسبوع الماضي وصل قطار مليء بالثوار من عطبرة، على بعد 175 ميلًا، والثلاثاء وصل بعض الثوار الآخرين من دارفور البعيدة.
ويقول محمد، إن الشعب السوداني أصبح يشعر بالسلام تجاه بعضه البعض، بالإضافة إلى وجود حس من الوحدة.
وترى الصحيفة الأمريكية، أن حريات السودان الجديدة هشة، ومن غير الواضح إذا ما كان بإمكان الدولة الأفريقية تحملها أم لا، خاصة بعد دخول محادثات تقاسم السلطة بين قادة الاحتجاج والجيش متوترة في الأيام الأخيرة، في الوقت الذي ينتظر فيه أنصار الحكومة القديمة تطورات الأوضاع.
فيديو قد يعجبك: