"خاشقجي وإيران والحوثيون".. ننشر الحوار الكامل لـ"بن سلمان" مع "الشرق الأوسط"
القاهرة- مصراوي:
أجرت صحيفة "الشرق الأوسط" السعودية حوارًا مطولاً مع ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان نشرته في الساعات الأولى من اليوم الأحد.
وأكد بن سلمان أن المملكة العربية السعودية لن تتردد في التعامل مع أي تهديد للشعب السعودي وسيادته ووحدة أراضيه ومصالحه الحيوية، مؤكدًا في الوقت نفسه أن المملكة لا تريد حرباً في المنطقة.
وتعرضت ناقلتا نفط "نرويجية ويابانية" لهجوم في خليج عمان، صباح يوم الخميس، وهو الحادث الذي أدانته عدة دول حول العالم، من بينها الولايات المتحدة وبريطانيا اللتان اتهمتا إيران بالمسؤولية عن الهجوم.
المملكة لا تريد حربًا
في بداية الحوار شدد بن سلمان على أن "موقف المملكة واضح كما جاء في بيان حكومتها. المملكة لا تريد حرباً في المنطقة، ولكننا لن نتردد في التعامل مع أي تهديد لشعبنا وسيادتنا ومصالحنا الحيوية"، مضيفًا أن "أولويتنا هي مصالحنا الوطنية، وتحقيق تطلعات شعبنا من خلال أهداف "رؤية المملكة 2030" الاقتصادية والاجتماعية، والتنمية والإصلاح الاقتصادي والاجتماعي، وهذا يتطلب بيئة مستقرة ومحفزة داخل المملكة وفي المنطقة".
وقال إن المملكة لديها دور مهم في المجتمع الدولي يتمثل في جهودها من أجل تأمين وصول إمدادات النفط عبر الممرات الحيوية التي تحيط بها، وذلك في سبيل حماية استقرار الاقتصاد العالمي. مستشهدًا: "لقد رأى العالم كيف تعاملنا مع الناقلة الإيرانية في البحر الأحمر وفق ما تمليه علينا أخلاقياتنا ومبادئنا والمواثيق والأعراف الدولية".
النظام الإيراني
وقارن بن سلمان بين موقف المملكة والنظام، قائلاً: "نجد النظام الإيراني ووكلاءه الذين قاموا بأعمال تخريبية لأربع ناقلات بالقرب من ميناء الفجيرة، منها ناقلتان سعوديتان، مما يؤكد النهج الذي يتبعه هذا النظام في المنطقة والعالم أجمع. والدلائل على ذلك كثيرة وواسعة ومتكررة على مدى سنوات طويلة".
وأردف أن "النظام الإيراني الحالي أعلن للملأ منذ عام 1979 أن أولويته وهدفه الرئيسي تصدير الثورة، ويسعى لذلك على حساب تطلعات شعبه، وعلى حساب شعوب المنطقة". موضحًا أن "هذا المحرك يفسّر تصرفات النظام الإيراني، فتصدير الثورة ومبدأ ولاية الفقيه يتطلبان زعزعة استقرار الدول والمنطقة، وإثارة الطائفية ونشر التطرف، وتسخير مقدرات الشعب الإيراني لتمويل الميليشيات الإرهابية وتسليحها".
وأضاف "وصل التهور بإيران إلى مستويات غير مسبوقة، فبعد الاتفاق النووي زادت ميزانية (الحرس الثوري)، ورفعت من وتيرة دعمها للميليشيات الطائفية في المنطقة، بل وفي العالم أجمع، لذلك أيدت المملكة إعادة فرض العقوبات الأميركية على إيران، وذلك إيماناً منا بضرورة اتخاذ المجتمع الدولي موقفا حازما تجاه إيران".
"الخيار واضح أمام إيران. هل تريد أن تكون دولة طبيعية لها دور بنّاء في المجتمع الدولي، أم تريد أن تبقى دولة مارقة؟ نحن نأمل في أن يختار النظام الإيراني أن يكون دولة طبيعية وأن يتوقف عن نهجه العدائي"، يقول بن سلمان.
وحول العلاقات مع أميركا، أةضخ بن سلمان، أن المملكة تنظر بأهمية كبيرة للعلاقات الاستراتيجية مع الولايات المتحدة، وهي علاقات ممتدة لأكثر من سبعين عاماً أسهمت خلالها هذه الشراكة الاستراتيجية عبر التاريخ في دحر العديد من التحديات التي استهدفت أمن واستقرار وسيادة دولنا.
خاشقجي
وردًا على سؤال حول خاشجقي، قال ولي العهد، إنها "جريمة مؤلمة جداً، ولم يسبق حصول مثل هذه الجريمة في تاريخ المملكة، فمثل هذه الأمور ليست جزءاً من ثقافتنا، وتناقض قيمنا ومبادئنا".
وأضاف: "اتخذنا الإجراءات اللازمة، سواء من خلال المسار القضائي لمحاسبة كل المشاركين في هذه الجريمة، أو من خلال اتخاذ الإجراءات التنظيمية لمنع حصول مثل هذه الجريمة المؤسفة مستقبلاً (...)"، مشيرًا إلى أن المملكة حريصة على حياة كل مواطن سعودي أياً كانت مواقفه، وهي إجراءات لم ولن تتأثر بأي عوامل أخرى.
وقال: "نحن دولة يسودها القانون ومن غير المقبول التعرض لحياة مواطن بهذا الشكل المؤلم تحت أي ظرف من الظروف، وبكل أسف المتهمون بارتكاب الجريمة هم موظفون حكوميون، ونسعى لتحقيق العدالة والمحاسبة بشكل كامل. وعلى أي طرف يسعى لاستغلال القضية سياسياً، أن يتوقف عن ذلك ويقدم ما لديه من أدلة للمحكمة في المملكة بما يساهم في تحقيق العدالة".
وحول موقف المملكة من سوريا، قال إنه يوجد اتفاق حيال الأهداف في سوريا، وهي هزيمة تنظيم «داعش»، ومنع عودة سيطرة التنظيمات الإرهابية، والتعامل مع النفوذ الإيراني المزعزع للاستقرار في سوريا، واستخدام الوسائل المتاحة كافة لتحقيق الانتقال السياسي وفق القرار 2254، بما يحافظ على وحدة سوريا، ونعمل مع الدول الصديقة لتحقيق هذه الأهداف.
وساطة الإمبراطور الياباني
قال بن سلمان: "نشكر رئيس الوزراء الياباني على نياته الطيبة، ويد المملكة دائماً ممدودة بالسلام بما يحقق أمن المنطقة واستقرارها. إلا أن النظام الإيراني لم يحترم وجود رئيس الوزراء الياباني ضيفاً في طهران، وقام أثناء وجوده بالرد عملياً على جهوده، سواء بالهجوم على ناقلتين إحداهما عائدة لليابان، أو الهجوم الآثم عبر ميليشياته على مطار أبها، ما يدل بشكل واضح على نهج النظام الإيراني ونياته التي تستهدف أمن المنطقة واستقرارها".
وأضاف: "إيران هي الطرف الذي يصعّد دائماً في المنطقة، ويقوم بالهجمات الإرهابية والاعتداءات الآثمة بشكل مباشر أو عبر الميليشيات التابعة. المشكلة في طهران وليست في أي مكان آخر، وكما ذكرت، على إيران الاختيار إما أن تكون دولة طبيعية لها دور بناء في المجتمع الدولي أو أن تبقى دولة مارقة وتتحمل عواقب هذا الأمر دولياً".
وحول الاضرابات السياسية في المنطقة، أشار ولي العهد السعودي، إلى أن مصدرها (الاضطرابات) التنظيمات الإرهابية مثل داعش والقاعدة والإخوان المسلمين، بالإضافة إلى سياسات النظام الإيراني الراعي الأول للإرهاب والتطرف.
أردوغان
وردًا على تصريحات الرئيس التركي رجب طيب أردوغان وغيره من المسؤولين الأتراك التي تشكك في القضاء في قضية خاشقجي، قال بن سلمان: "لقد اتخذنا في المملكة الإجراءات كافة لمحاسبة المسؤولين عن هذه الجريمة، وتمت إحالة المتهمين إلى القضاء. والقضاء في المملكة سلطة مستقلة ليس لأحد التدخل فيها، ونحن نواجه أي حدث بحزم ومن دون تردد، وباتخاذ الخطوات الكفيلة بتحقيق العدالة وإصلاح مكامن الخلل ومنع تكرار الأخطاء من دون أن نلتفت لأي مزاعم واتهامات من هنا أو هناك".
وأضاف أن المملكة حاضنة للحرمين الشريفين، ومن خلال علاقاتها القوية مع الدول الإسلامية تسعى لمصلحة المنطقة بشكل عام والعمل الإسلامي المشترك بشكل خاص، وأن المملكة تسعى لأن تكون علاقاتها قوية مع كل الدول الإسلامية، بما فيها تركيا.
اليمن والحوثيون
دافع بن سلمان، ولي العهد السعودي، عن عمليات التحالف العربي في اليمن، قائلاً إن "عمليات التحالف بدأت بعد أن استنفد المجتمع الدولي كل الحلول السياسية بين الأطراف اليمنية والميليشيا الحوثية".
وأضاف بن سلمان في حوار مع صحيفة الشرق الأوسط السعودية: "ينسى كثيرون، أو يتناسون، كيف بدأت الأزمة في اليمن، عمليات التحالف بدأت بعد أن استنفد المجتمع الدولي كل الحلول السياسية بين الأطراف اليمنية والميليشيا الحوثية، ولابد من التذكير هنا بأن المملكة هي رائدة الحل السياسي، وهي التي قدمت المبادرة الخليجية وعملت على تحقيق انتقال سياسي سلمي في اليمن في عام 2011، ودعمت الحوار الوطني، وقدمت أكثر من 7 مليارات دولار دعماً اقتصادياً وتنموياً لليمن بين أعوام 2012 و2014".
وتابع: "كانت جهود المملكة منذ عام 2011 تهدف إلى تحقيق انتقال سياسي سلس في اليمن بما يحافظ على استقلال اليمن وسيادته وتماسك مؤسساته السياسية والأمنية، منعاً لدخوله في حالة الفوضى، وبالفعل وقعت الأطراف اليمنية في الرياض على المبادرة الخليجية وآليتها التنفيذية، واشتركت كل الأطراف اليمنية، بما في ذلك الحوثيون، في الحوار الوطني اليمني الشامل".
وردًا على سؤال كيف تدهورت الأمور بعد ذلك؟، قال: "بكل أسف قامت إيران من خلال الميليشيات التابعة لها بتعطيل المسار السياسي في اليمن، والبدء باحتلال المدن اليمنية والاستيلاء على مقدرات الدولة اليمنية، وقد أعطت المملكة كل الفرص لمعالجة الوضع بشكل سلمي، لكن إيران كانت تراهن على سياسة فرض أمر واقع عبر السلاح في الدول العربية، وللأسف لم يتصد المجتمع الدولي آنذاك لنهج إيران التوسعي والطائفي، ولذلك استمرت عبر ميليشياتها في محاولة بسط سيطرتها على اليمن".
واستطرد: "لكن الشعب اليمني وقف هو وقيادته موقفاً تاريخياً أمام هذا التدخل الإيراني، ولم نتأخر مع أشقائنا دول التحالف في المسارعة إلى الاستجابة للحكومة الشرعية لحماية اليمن وشعبه، وحماية أمننا الوطني، فلا يمكن أن نقبل في المملكة بوجود ميليشيات خارج مؤسسات الدولة على حدودنا".
وعن التقدم الذي حققتة قوى التحالف علي الأراضي اليمنية، قال ولي العهد السعودي "تم تحرير معظم أراضي اليمن، وقد دعمنا الجهود كافة للتوصل إلى حل سياسي للأزمة اليمنية، ولكن للأسف، ميليشيا الحوثي تقدم أجندة إيران على مصالح اليمن وشعبه ، ورأينا مؤخراً الهجوم الحوثي الإرهابي على المنشآت النفطية ومطار نجران، وتبجح القيادات الحوثية في تبنيه، وهو أمر يثبت مرة أخرى أن هذه الميليشيا لا تأبه بمصالح الشعب اليمني، وبأي مسار سياسي لحل الأزمة اليمنية، أفعالهم تعكس أولويات طهران واحتياجاتها، وليس صنعاء.
وقال: "موقفنا في التحالف فيما يتعلق بإنهاء الأزمة اليمنية واضح جداً، فنحن نؤيد جهود التوصل لحل سياسي وفق قرار مجلس الأمن الدولي 2216 والمبادرة الخليجية وآليتها التنفيذية ومخرجات الحوار الوطني الشامل، ونقبل مشاركة الأطراف اليمنية كافة في العملية السياسية، ولكن وفق ما نصت عليه المرجعيات الثلاث، فلن تقبل المملكة استمرار الميليشيات وبقاءها خارج مؤسسات الدولة".
وزاد: "وسعياً لتحقيق هذا الهدف النهائي، سنواصل عملياتنا ودعمنا للشعب اليمني في سعيه لحماية استقلاله وسيادته مهما كانت التضحيات، وفي الوقت نفسه ستواصل المملكة عملها على الصعيدين الإنساني والاقتصادي، وفي مجال إعادة إعمار المناطق المحررة، فهدفنا ليس فقط تحرير اليمن من وجود الميليشيات الإيرانية، وإنما تحقيق الرخاء والاستقرار والازدهار لكل أبناء اليمن".
المواطن السعودي يتغير
أبدى بن سلمان فخره، بأن المواطن السعودي أصبح يقود التغيير، بينما تخوف الكثيرون من أن الرؤية ستواجه مقاومة بسبب حجم التغيير الذي تحتويه.
وقال: "كان كثيرون يقولون لي إن أصعب ما سأواجهه في التحول الاستراتيجي هو المقاومة، ولكني رأيت أن هذا العامل ضئيل جداً في الشباب السعودي الذي صار يتسابق أمامي ويقود التغيير. وأود الإشادة بدور الشباب مطعماً بالخبرات في الحراك الذي تعيشه المملكة. إنها رؤية شابة، روحها شابة".
السودان
وردًا على سؤال حول ما يشهده السودان من اضطرابات وتحولات سياسية، قال بن سلمان: "يهمنا كثيرًا أمن السودان واستقراره، ليس للأهمية الاستراتيجية لموقعه وخطورة انهيار مؤسسات الدولة فيه فحسب، ولكن نظراً أيضاً إلى روابط الأخوة الوثيقة بين الشعبين".
وتابع ولي العهد السعودي، "لقد كان إخواننا وأخواتنا من السودان - ولا يزالون - جزءاً من نسيجنا الاجتماعي، أسهموا مساهمات مشهودة في مسيرتنا في مختلف المجالات، ولن ندخر جهداً في المملكة لتحقيق الاستقرار والأمن للسودان وشعبه الكريم".
وأضاف "لقد عبرنا في المملكة عما تم اتخاذه من إجراءات تصب في مصلحة الشعب السوداني، وقدمنا كجزء من واجبنا تجاه الأشقاء في السودان، حزمة من المساعدات الاقتصادية، إضافة إلى إيداع مبلغ 250 مليون دولار في البنك المركزي السوداني، سنستمر في موقفنا الداعم لأشقائنا في مختلف المجالات حتى يصل السودان لما يستحقه من رخاء وازدهار وتقدم".
وحول مستجدات رؤية 2030 التي سبق وطرحها بعد توليه ولاية العهد، قال بن سلمان إن "رؤية المملكة 2030 انتقلت من مرحلة التخطيط والتصميم إلى مرحلة التنفيذ على جميع الأصعدة، وبدأنا نرى النتائج على أرض الواقع".
وشدد على أن "ما يحدث في المملكة ليس فقط مجموعة إصلاحات مالية واقتصادية لتحقيق أرقام محددة، وإنما هو تغيير هيكلي شامل للاقتصاد الكلي هدفه إحداث نقلة في الأداء الاقتصادي والتنموي على المديين المتوسط والطويل".
وأشار إلى أن "برامج رؤية المملكة 2030 تسهم بشكل فعّال في عملية التحول الاقتصادي... ونحن الآن ننتقل من اقتصاد ريعي إلى اقتصاد يتسم بالإنتاجية والتنافسية العالمية".
وأوضح أن "رؤية المملكة 2030 والبرامج المنبثقة منها شأنها شأن أي خطط استراتيجية لابد من أن تخضع لتحديث وتعديل وفق الظروف والمعطيات التي تظهر عند التطبيق، من دون الإخلال بركائز الرؤية ومستهدفاتها".
أرامكو
رد بن سلمان، على الغموض الذي يحوم حول صفقة طرح شركة النفط السعودية "أرامكو" بالبورصة، قائلاً: نحن ملتزمون بالطرح الأولي العام لـ"أرامكو"، وفق الظروف الملائمة، وفي الوقت المناسب.
وأضاف بن سلمان": "كما ذكرت سابقاً أتوقع أن يكون ذلك بين عام 2020 وبداية عام 2021، وتحديد مكان الطرح سابق لأوانه".
وتابع: تم إنجاز كثير من العمل بنجاح في هذا الصدد، والإطار الزمني للطرح سيعتمد على عوامل عدة منها، مناسبة أوضاع السوق لتنفيذ عملية الطرح نظراً لضخامة الطرح الأولي العام، وكذلك عملية استحواذ "أرامكو" على حصة صندوق الاستثمارات في "سابك".
وقال: "هذه الصفقة، بما ستحدثه من تحول شامل، ستؤدي إلى إيجاد شركة طاقة وبتروكيميائيات وطنية عملاقة متكاملة تقود قطاع الطاقة العالمي وتعزز بدرجة أكبر إمكانات النمو في أرامكو السعودية وربحيتها في تقلبات أسواق البترول المعتادة".
وأشار إلى أنه جرى الاستعداد للطرح الأولى من خلال اتخاذ إجراءات مهمة عدة، من بينها إصدار نظام ضريبة المواد الهيدروكربونية، وإعادة إصدار اتفاقية امتياز حصرية، وتعيين مجلس إدارة جديد للشركة، بالإضافة إلى التدقيق المستقل في احتياطيات المملكة البترولية وإعلانها رسميا للمرة الأولى، وكذلك قوائمها المالية المدققة، وهذا كله يعزز مبدأ الشفافية، أحد المبادئ الأساسية في "رؤية المملكة 2030" من أجل حماية مصالحها ومصالح المستثمرين المحتملين.
فيديو قد يعجبك: