إعلان

أزمة إيران وواشنطن: كيف اختلف نهج ترامب وأوباما مع الاتفاق النووي؟

11:20 ص الخميس 11 يوليه 2019

ترامب وأوباما

كتبت- رنا أسامة:

قالت صحيفة "نيويورك تايمز" الأمريكية إن إيران تقترب من امتلاك قُنبلة نووية، مع تأكيد الوكالة الدولية للطاقة الذرية تجاوز مخزونها من اليورانيوم المُخصّب الحد المسموح به، بنسبة وصلت إلى 5 بالمائة، في خطوة تخرق بها شروط الاتفاق النووي الذي وقّعته عام 2015 مع الولايات المتحدة والقِوى العالمية الأخرى.

يأتي ذلك في ظل تصاعُد التوترات بين واشنطن وطهران في المِنطقة، على نحو هدّد بضربة عسكرية أمريكية وشيكة على إيران تراجع عنها الرئيس دونالد ترامب في اللحظة الأخيرة.

وفيما يلي ترصد الصحيفة كيف تصاعدت حِدة المواجهات بين الولايات المتحدة وإيران، وما المُرجّح حدوثه فيما بعد.

كيف بدأ الأمر؟

كما هو الحال مع السيد ترامب، شكّك الرئيس الأمريكي السابق باراك أوباما في تأكيدات المسؤولين الإيرانيين بأنهم لم يسعوا مُطلقًا لإنتاج قنبلة نووية. وكان منع إيران من الحصول على قنبلة أولوية بالنسبة لكلتا الإدارتين.

وسعت كلتا الإدارتين إلى تحقيق ذلك من خلال توليفة من الدبلوماسية والعقوبات الاقتصادية والتهديدات العسكرية، حتى وإن كانت تهديدات ترامب أكثر فظاظة، بتوعّده محو أجزاء من إيران. لكن مساراتهما انحرفت عن تلك النقطة.

1

إذن كيف تعاملت إدارة أوباما؟

حاول أوباما التعاطي مع البرنامج النووي الإيراني دون مُعالجة الشكاوي الأخرى المتعلقة بالسياسات الإيرانية، بما في ذلك سعيها للحصول على صواريخ باليستية مُتطوّرة أو دعمها للمليشيات المُتحالفة معها في دول أخرى بالمنطقة (بما في ذلك في لبنان وسوريا والعراق واليمن وكذلك في غزة).

كما بدا أوباما آمِلًا بأن يدفع إنهاء عُزلة إيران الدبلوماسية والتجارية عن الغرب إلى تحفيزها لتكون أقل عدوانية تجاه جيرانها والولايات المتحدة. وكانت إدارته تنظر إلى الجمهورية الإسلامية الإيرانية، الدولة الثيوقراطية التي خلقتها ثورة 1979، "شرّ لابد منه"، بحسب الصحيفة.

وقال أوباما في مقابلة أجراها عام 2016 مع الصحفي الأمريكي جيفري جولدبيرج بمجلة "ذي أتلاتنتيك" إن "الإيرانيين ومُنافسيهم العرب المدعومين من الولايات المتحدة في حاجة إلى "إيجاد طريقة فعّالة لاقتسام الحيّ وإقامة نوع من السلام البارد".

بموجب الاتفاق النووي الموقّع عام 2015، دفع أوباما إيران إلى تفكيك الأجزاء الرئيسية من برنامجها النووي والخضوع إلى تفتيش تدخلي. لكن الكثير من بنود الاتفاق كان مؤقتًا؛ إذ أن القيود المفروضة على تطوير إيران لأجهزة الطرد المركزي النووي ستسقط تدريجيًا اعتبارًا من عام 2025، كما تنتهي صلاحية القيود المفروضة على اليورانيوم المُخصّب الخاص بها في 2030.

وكانت طهران قد وُعِدت بالتخفيف من العقوبات الاقتصادية الخانِقة، وعدم فرض قيود على قُدراتها العسكرية التقليدية أو سلوكها في المنطقة. في المقابل، نالت إيران للمرة الأولى الحق في تخصيب على الأقل كمية محدودة من اليورانيوم لمستوى مُنخفض، يكفي لبعض الاستخدامات المدنية.

لماذا رفض ترامب هذا النهج؟

جادل ترامب ومنتقدون آخرون للاتفاق النووي، مُستندين إلى بعض الأدلة، بأن إيران كانت تستغل الفرصة لتعزيز قُدراتها العسكرية التقليدية وتكوين مليشياتها المُتحالفة معها حول المنطقة. واقتناعًا منهم بأن الحكام الثيوقراطيين سيظلوا مُعادين للولايات المتحدة وحلفائها، زعموا أن إيران ستُعزّز مواردها لتتسابق من أجل امتلاك سلاح نووي، بمجرد انتهاء مدة سريان بنود الاتفاق الخاصة بتخصيب وقودها النووي.

لذلك وبعد انسحاب واشنطن العام الماضي مما وصفه ترامب الاتفاق "الفظيع"، شرع الرئيس الأمريكي في حملة "الضغط القُصوى" لإجبار إيران على الرضوخ لقيود دائمة وأكثر شمولًا. وانطوت تلك الحملة على إعادة فرض العقوبات الاقتصادية، فضلًا على اتخاذ تدابير لتقليل صادرات النفط الإيرانية في مايو الماضي. وقد ندّد مسؤولون إيرانيون بهذه الإحراءات باعتبارها "شكلًا من أشكال الحرب".

لكن الغريب في الأمر، كما لاحظ بعض النقاد، أن نهج ترامب مع كوريا الشمالية الآن يقترب كثيرًا من نهج أوباما مع إيران. فقد سعى ترامب إلى بناء تواصل شخصي مع زعيم كوريا الشمالية، كيم جونج أون، من خلال إغرائه بخطط للاستثمار الدولي والتنمية الاقتصادية حال توقّفت بيونجيانج عن امتلاك سلاح نووي.

وفيما يعِدّه مُنتقدون أمرًا يُضفي مزيدًا من الالتباس في تصريحات ترامب بشأن إيران، فإنه ألمح أكثر من مرة أنه قد يكون مستعدًا لتجزئة القضية النووية. ولخّص رسالته إلى طهران في مقابلة تليفزيونية مؤخرًا: "لا يمكنكم امتلاك أسلحة نووية. وبدلًا من ذلك، يُمكننا الجلوس والاتفاق".

2

كيف تردّ إيران وما هي خياراتها؟

تُرجّح الصحيفة أن تستسلم إيران بسهولة للعقوبات الأمريكية الحالية التي تُعد أكثر إيلامًا من سابقتها، بالنظر إلى أن العقوبات الاقتصادية التي وقّعتها إدارة أوباما دفعتها للتفاوض الذي أثمر عن الاتفاق النووي عام 2015. ومع ذلك فإن التاريخ يقول إن العقوبات الاقتصادية وحدها لا تكفي لإجبار بلد على التخلّي عن طموحاتها النووية.

وفي هذا الشأن، استشهدت الصحيفة بالمشروع النووي الباكستاني الذي تعرّض لمحاولات إجهاض عّدة منذ بداياته الأولى التي قادها رئيس الوزراء الأسبق ذوالفقار علي بوتو، في فترة السبعينات من القرن الماضي، عندما أطلق صيحته الشهيرة: "سوف نأكل الحشائش، وقد نجوع، في سبيل تصنيع قُنبلتنا النووية".

وعلى المِنوال ذاته، ورفضًا للاستسلام لضغط ترامب، قالت إيران إنها سلكت خيارًا آخر: تجاوزت القيود المفروضة على أنشطتها النووية بموجب الاتفاق النووي تدريجيًا. وبرّر إيرانيون التزامهم بالصفقة إلى الآن لأن بعض بنودها، من وجهة نظرهم، تأذن لهم بتقليل امتثالهم للاتفاق حال فشلت الولايات المتحدة والدول الأخرى الموقّعة في تخفيف العقوبات الموعودة.

ومن خلال استئناف برنامجها النووي تدريجيًا، أشارت الصحيفة إلى إيران تأمل أن تضغط على الأوروبيين لمُساعدتها في التهرّب من العقوبات الأمريكية، أو على الأقل تحاول "دقّ إسفين" بينهم وترامب. وقالت إيران في نهاية الأسبوع إنها تُخطط لخرق مزيد من بنود الاتفاق النووي، على نحو مُتسارع، خلال 60 يومًا.

ولفتت الصحيفة إلى أن إيران يُمكنها أن تنتقم من الولايات المتحدة بقُدراتها العسكرية التقليدية. كانت طهران أظهرت قُدراتها الشهر الماضي بإسقاط طائرة استطلاع أمريكية بدون طيّار. كما ألقت الولايات المتحدة باللوم على إيران تفجير 6 ناقلات نفط باستخدام ألغام بحرية في هجومين مُنفصلين بمياه الخليج.

غير أن الهجمات الإيرانية المُباشرة ضد الولايات المتحدة تُهدد بالانتقام. ويقول مُحللون إنه من المُرجّح أن تردّ إيران على أي انتقام أمريكي بشكل غير مُباشر، وتقوم بتجهيز مليشياتها حول المِنطقة لمهاجمة القوات الأمريكية أو حلفاء واشنطن


كيف يُمكن أن تنتهي المواجهة الإيرانية الأمريكية؟

قالت الصحيفة إن إيران رُبما تأمل أن ينتخب الأمريكيون رئيسًا جديدًا في 2020، يكون بإمكانه إنعاش الاتفاق. ولكنها تُرجّح أنه لن ينجو لفترة طويلة، فكل خطوة تتخذها إيران باتجاه تجاوز القيود المفروضة على برنامجها النووي، تُزيد من خطر إعادة الدول الأوروبية توقيع عقوباتها على طهران، وهو الأمر الذي من شأنه أن يُبطِل الاتفاق.

وسواء من خلال تسريع تقدّمها النووي أو بتنفيذ عمليات انتقامية عنيفة، بشكل مُباشر أو من خلال حلفائها، فإن إيران تُزيد من مخاطر القيام بعمل عسكري أمريكي. وفي وقت سابق قالت إدارة ترامب إنها ستُحمّل طهران المسؤولية ليس فقط بعد الهجمات الإيرانية المُباشرة على أهداف أمريكية، ولكن أيضًا بعد أي ضربة يوجّهها حلفاء الميليشيات الإيرانية.

وأشارت الصحيفة إلى أن أوباما راهن على أن اتفاق عام 2015 قد يبني قدرًا من الثقة أو التأمين المالي لإيران، يُسهّل تمديد القيود المفروضة عليها. أما إدارة ترامب فقد راهنت على عكس ذلك- واعتبرت أنه بدون توقيع عقوبات، ستُصبح إيران أكثر عدوانية تجاه الولايات المتحدة وبالتالي تُصبح أكثر تهديدًا لمُنافسيها الإقليميين.

وقال مارك دوبويتز، أبرز مُنتقدي الاتفاق النووي والرئيس التنفيذي لمؤسسة الدفاع عن الديمقراطيات، ومقرّها في واشنطن: "نواجه صِدامًا يلوح في الأفق مع إيران ويتصاعد عبر عدة جهات، لكننا سنواجه الصِدام نفسه في نهاية المطاف. ورأيي هو أنك أفضل حالًا في مواجهة إيران ضعيفة اليوم أكثر من إيران أقوى غدًا".

فيديو قد يعجبك: