قايد السبسي.. "الديناصور السياسي" يرحل قبل انتخابات الفترة الثانية
كتبت- رنا أسامة:
لم يكُد الرئيس التونسي الراحل الباجي قايد السبسي يُثبّت أقدامه في الحكم كأول رئيس ديمقراطي مُنتخب للبلاد، حتى لاحقته الانتقادات بحُكم كِبر سِنّه، فقد كان يبلغ من العمر حينها 89 عامًا، واصفين إيّاه بـ"الرئيس العجوز الذي سرق ثورة الشباب". فيما كان ينظر إليه مؤيّدوه كـ"رجل دولة مُخضرم قد يفيد البلاد بحِنكته السياسية". إلا أنه رحل اليوم عن عالمنا قبل أشهر من انتخابات الفترة الثانية.
خاض السبسي، المولود في 29 نوفمبر 1926، غمار الحياة السياسية منذ خمسينات القرن الماضي، عندما كان لا يزال طالبًا في باريس، وانخرط في النضال الوطني التونسي ضدّ الاستعمار الفرنسي مع نشطاء الحزب الحرّ الدستوري الجديد، حتى وصفته وسائل إعلام محليّة بأنه "رجل من القرن الماضي" و"ديناصور سياسي".
ومنذ استقلال تونس عام 1956، تقلّد السبسي مناصب وزارية عِدّة بوزارات الخارجية والداخلية والدفاع في عهد رفيق دربه المُلقّب بـ"أبو تونس"، الحبيب بورقيبة، الأمر الذي مكّنه من تعميق تجربته في الحكم، بحسب هيئة الإذاعة البريطانية (بي بي سي).
بعد الإطاحة ببورقيبة عام 1987، تحالف السبسي مع الحاكِم الجديد للبلاد، زين العابدين بن علي، وشغل منصب رئيس مجلس النواب بين عاميّ 1990 و1991. وفي مطلع فبراير 2011، عُيّن رئيسًا للحكومة خلفًا لمحمد الغنوشي المُستقيل. وبقي في هذا المنصب حتى نهاية ديسمبر من العام نفسه.
وفي 2012، أسّس السبسي حزب "نداء تونس" الذي فرض نفسه سريعًا على الساحة السياسية كأكبر خِصم علماني لحركة "النهضة" الإسلامية. ومنذ ذلك الحين، دأب السبسي على توجيه انتقادات لاذعة للإسلاميين الذين وصفهم بـ"الرجعيين" و"الظلاميين"، مُعتبرًا أنهم الخطر الأكبر على تونس، وفق وكالة "فرانس برس".
عُرِف عن السبسي نزعته الليبرالية وقراراته الجريئة التي أثارت جدلًا واسعًا؛ بما في ذلك إقراره قانون يعفو عن المسؤولين وأباطرة الأعمال في عهد بن علي، الذين يخضعون للمحاكمة بسبب الفساد الإداري. الأمر الذي عدّه خبراء بمثابة "نصر رمزي ضخم للإفلات من العقاب"، بحسب صحيفة دويتشه فيله.
كما تبنّى تشريعًا يسمح للمرأة المسلمة بالزواج من غير المسلم، ودعا إلى المُساواة في الميراث بين الجنسين، الأمر الذي أثار جدلًا مُجتمعيًا واسعًا في صفوف الأحزاب، ومختلف الأطياف السياسية في الداخل التونسي خارجه. فيما أيّدت دار الإفتاء التونسية مُقترحات السبسي.
وتعهّد السبسي، في خطاب ألقاه بعد فوزه في سبتمبر 2014، بأن يكون "رئيسًا لكل التونسيين"، وقال: "أتوجّه بالشكر إلى السيد الرئيس السابق منصف المرزوقي الذي هاتفني منذ حين وهنأني على ثقة الشعب. أشكره وأقول له إن الشعب التونسي لا يزال في حاجة إليه، وأنا شخصيًا بحاجة إلى نصائحه".
ورغم شائعات الوفاة التي لازمت "الرئيس العجوز" كظِله، ورهان مُعارضيه على أنه لن يقوى على إكمال ولايته الرئاسية الأولى لكِبر سِنّه، مضى يؤكّد في أكثر من مناسبة أنه "بصحة جيدة وله القدرات الذهنية والبدنية التي تخول له ممارسة الحكم ورئاسة البلاد، بل والترشّح لولاية ثانية".
وفي مارس الماضي، قال السبسي في حوار مع قناة "العربية"، إنه "أقدر صحيًا مما يتهمونه"، وذلك ردًا على مُطالبات وجّهها له ناشطون ومُعارضون بالعدول عن ترشّحه للرئاسة، بدعوى أنه يُعاني من أمراض تُعيقه عن الترشّح، إضافة إلى تقدّمه في السن.
وفي الوقت ذاته، أقرّ أنه يدرك جيدًا مساوئ أن يحكم رئيس مريض ومتقدم في السنّ، خاصة وأنه عايش هذه التجربة التي وصفها بـ"المريرة" خلال أواخر فترة الرئيس الأسبق بورقيبة.
الأمر الذي عزّز فكرة أنه لم يكن مهووسًا بفكرة "الحكم مدى الحياة"، وهو ما بدا جليًا في أبريل الماضي، حينما أعلن عدم رغبته في الترشّح مُجددًا للانتخابات الرئاسية المُزمعة في نوفمبر المُقبل، رغم أن الدستور يكفل له الترشح لولاية رئاسية ثانية.
وقال في كلمة بافتتاح أعمال المؤتمر الانتخابي الأول لحزب "نداء تونس" إن: "لكل شيء في وقته".
ووافته المنيّة اليوم عن عُمر ناهز 92 عامًا، إثر نقله أمس الاربعاء إلى المستشفى العسكري بالعاصمة.
وكان قايد السبسي تعرض لوعكة صحية حادة أول يوليو الجاري، لكنه تعافى وغادر المستشفى بعد تلقّيه العلاج اللازم.
يشار إلى أن السبسي كان قد نُقل يوم 21 يونيو إلى المستشفى العسكري لإجراء بعض التحاليل إثر تعرّضه "لوعكة صحيّة خفيفة"، ثم غادر المستشفى.
فيديو قد يعجبك: