بعد صعود "ترامب بريطانيا".. ما هي الشعبوية التي تجتاح العالم؟
كتبت- هدى الشيمي:
بعد تولي السياسي والإعلامي البريطاني السابق بوريس جونسون رئاسة وزراء المملكة المتحدة ليخلف تيريزا ماي في زعامة حزب المحافظين، أخذت وسائل الإعلام ووكالات الأنباء الدولية تتساءل عما إذا كانت "الشعبوية" ستغزو العالم، وتتحول إلى المنطق الذي يعتمد عليه حكام وزعماء الدول، لاسيما الكُبرى منها، في حل المشكلات والتعامل مع الأزمات.
كان الرئيس الأمريكي دونالد ترامب أول المُهنئين لجونسون، الذي تولى منصبه رسميًا الثلاثاء الماضي، وشدد على أنه سيكون رئيس وزراء رائع، وسوف يقوم بعمل مُذهل.
وصفت العديد من التقارير الإعلامية جونسون بـ"ترامب بريطانيا"، نظرًا إلى السمات المشتركة العديدة التي تجمع بينهما، بداية من تصريحاتهما المُسيئة عن المسلمين والأقليات والنساء، وصولاً إلى تسريحة شعرهما الغريبة، إلا أن هناك شيء آخر يجمع بين رئيس الحكومة البريطاني والرئيس الأمريكي وهو "الشعبوية".
ما هي الشعبوية؟
يوجد للشعبوية تعريفات عدّة، ولكن المُتفق عليه هو أنها خطاب سياسي مُوجه إلى طبقات شعبية، قائم على إثارة عواطف الجماهير من أجل كسب تأييدهم، وابعادهم عن الحقائق المتمثلة في المعلومات والأرقام والبيانات. وغالباً ما يسعى الشخص الشعبوي إلى الحصول على السلطة المُطلقة، والسيطرة على كل شيء.
ظهرت الشعبوية في روسيا والولايات المتحدة آواخر القرن التاسع عشر. وتجلت بوضوح في الحشود الانتخابية الخاصة بالرئيس الأمريكي دونالد ترامب، وتتضح في هجومه المتواصل على وسائل الإعلام وأي شخص يعارضه، حسبما أوضح الباحث الأمريكي مارك فلورباي من جامعة برينستون.
وقبل ظهورها في الحملة الانتخابية لعام 2016، قال المراقبون الدوليون أن الموجة الشعبوية التي تجتاح الدول الديمقراطية حققت أول انتصاراتها مع تصويت البريطانيين بـ"نعم" في الاستفتاء على خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي في يونيو من العام نفسه.
يتواصل اتساع رقعة الشعبوية مع فوز جونسون برئاسة الوزراء البريطانية، ووجود حكام مثل رئيس الوزراء المجري فيكتور أوربان، وجاير بولسونارو في البرازيل، وماتيو سالفيني في إيطاليا، وفلاديمير بوتين في روسيا، وتشافيز مادورو في فنزويلا، ماوريسيو ماكري في الأرجنتين، ورجب طيب أردوغان في تركيا.
لماذا يُقبل المواطنون على الشعبوية؟
قالت الجارديان البريطانية، في تحليل نشرته على موقعها الإلكتروني، إن صعود الشعبوية في العالم لم يحدث صدفة، ولكنه يتصاعد في أوروبا على مدار الأعوام العشرين الماضية، واتضح ذلك في تصويت الأوروبيين للشعبويين في الانتخابات الأخيرة.
لماذا؟ لا توجد إجابة واضحة أو سهلة لهذا السؤال، حسب الجارديان، إلا أن الدراسات والأبحاث الأكاديمية أظهرت أن الأوروبيين باتوا يميلون إلى الرؤساء الشعبويين، خاصة بعد أن أصبح الناخبون أكثر استقلالية وأمامهم خيارات عدة، فهم يلجأون إلى الأشخاص الذين يأكدون لهم أنهم يضعون مصلحة البلد أولاً، ويشوهون صورة الليبراليين والمعارضين.
أوضحت الجارديان، أن الأزمات العالمية التي تُلقي بظلالها على الشعوب ساهمت بشكل واضح في تعاظم الشعبوية في العالم، فالأزمة المالية وأزمة اللاجئين في أوروبا ساعدت بعض الساسة اليمنيين والشعبويين على تصدر المشهد السياسي.
الشعبوية والخوف
يوجد علاقة وثيقة بين الشعبوية والخوف، إذ يستقطب السياسيون الشعبيون المواطنين، لاسيما الناخبين، من خلال بث شعور الخوف بداخلهم، وتصوير المعارضين على أنهم أعداء للوطن، ويستخدمون الوطنية والشعارات السياسية والخطب الرنانة في استمالتهم.
وتعد تغريدات ترامب وحشوده خير مثال على ذلك، بداية من اتخاذه "أمريكا أولاً" شعارًا لحملته الانتخابية، وهو الشعار الذي استلهمه غيره من الساسة خلال الانتخابات مثل بولسنارو الذي رفع شعار "البرازيل أولاً"، وسالفيني الذي أكد لشعبه أنه سوف يضع"إيطالياً أولاً".
حسب المراقبين الدوليين والمحللين، تحدثوا إلى وكالة فرانس برس، فإن هذا النهج في التفكير ألقى بظلاله على العديد من القضايا العالمية الحساسة مثل الهجرة واللاجئين وتغير المناخ، وغيرها.
تحدي كبير
تواجه مبادئ الديمقراطية والحريات في العالم الآن تحدياً حقيقيًا مع تعالي أصوات الزعماء الشعبويين، حسبما أوضح تقرير نشرته منصة "أوبن ديموكراسي" الإعلامية المُستقلة.
أشارت المنظمة- في تقريرها، إلى أنه كلما تعاظم دور زعماء مثل ترامب وجونسون وبولسنارو وغيرهم، كلما زاد الخلل الاجتماعي والسياسي في العالم، خاصة فيما يتعلق ببعض القضايا مثل الهجرة، سوق العمل، حقوق الأقليات.
حسب المنظمة، فإن مواجهة اتساع رقعة الشعبوية في العالم يتطلب بذل الكثير من الجهد، وقد تستغرق وقتاً طويلاً.
وتعليقا على انتشار الشعبوية، قالت صحيفة نيويورك تايمز، في مقال رأي نشرته على موقعها الإلكتروني، إن شعوب العالم، لاسيما في أوروبا الوسطى، بدأوا الاحتجاجات والتظاهرات التي ترفض مولد زعماء شعبويين جُدد.
كما لفتت نيويورك تايمز إلى الاحتجاجات الكُبرى التي خرجت في الآونة الأخيرة في تركيا والجزائر والسودان وكازاخستان وفنزويلا، وأخيرًا وليس اخرًا هونج كونج، للإعراب عن رفض حصول رجل واحد على سلطة مُطلقة.
فيديو قد يعجبك: