لم يتم العثور على نتائج البحث

إعلان

إخفاء وثائق مذابح التهجير.. كيف تحاول إسرائيل دفن جرائمها في النكبة؟

09:19 م الخميس 04 يوليه 2019

كتب – محمد الصباغ:

نشرت صحيفة هآرتس الإسرائيلي تقريرًا كشف جهود سلطات الاحتلال من أجل إخفاء الوثائق التاريخية التي تثبت جرائم الحرب التي ارتكبتها العصابات اليهودية والقوات الإسرائيلية خلال حرب 1948، والتي شهدت البداية لقضية اللاجئين الفلسطينيين التي تتهم رام الله حاليًا واشنطن وتل أبيب بمحاولة تصفيتها.
وذكرت الصحيفة العبرية أن وزارة الدفاع الإسرائيلية تحاول "دفن النكبة"، وذلك عبر التخلص من الوثائق التي تثبت عمليات تهجير وقتل الفلسطينيين في قراهم خلال حرب 1948.
كما أوضحت أنه خلال العقد الأخيرة سعت الوزارة إلى فحص الأرشيف الإسرائيلي وتخلصت من الكثير من الوثائق من أجل إنهاء أي دليل على جرائم الحرب الإسرائيلية آنذاك.
منذ أربع سنوات، صُعقت المؤرخة تامار نوفيك بعدما اكتشفت وثيقة في ملف جوزيف فاشيتز من القسم العربي بحزب "المابام" اليساري في إسرائيل (تأسس عام 1948)، وذلك بمبنى منظمة جيفات هافيفا التي تركز على توطيد التواصل بين العرب والإسرائيليين.
تلك الوثيقة كانت تصف الوقائع التي جرت خلال حرب عام 1948، وجاء فيها: "صفصاف (بلدة فلسطينية بالقرب من مدينة صفد) تم أسر 52 رجلا، وتم تقييدهم واحدا بجوار الآخر، حفرت حفرة وتم إطلاق النار عليهم. جاءت امرأة وطلبت الرحمة. وجدنا 6 جثث لرجال كبار في السن. كان هناك 61 جثة. 3 حالات اغتصاب، واحدة في شرق صفد لفتاة عمرها 14 عامًا، اغتصبها 4 رجال ثم أطلقوا عليها النار. كما تم قطع إصبع رجل بسكين للحصول على خاتمه".
واصل كاتب تلك الوثائق وصف مذابح أخرى، وعمليات نهب وانتهاكات قامت بها قوات الاحتلال خلال حرب عام 1948. وقالت المؤرخة نوفيك لصحيفة هآرتس: "لا يوجد اسم على الوثيقة وغير معروف من ورائها. كما أنها كانت في حالة سيئة. أعرف أن العثور على وثيقة كهذه جعلني مسئولة عن البحث عن حقيقة ما حدث آنذاك".

احتلت القوات الإسرائيلية قرية صفصاف بنهاية عام 1948، وطالما تناثرت الروايات حول جرائم حرب ارتكبتها قوات الاحتلال في تلك القرية. هذه الوثيقة التي لم تكن معلومة لدى الباحثين، تثبت حقيقة الروايات حول جرائم الحرب، كما تشير أيضًا إلى أن قادة إسرائيل آنذاك كانوا على علم بكل ما يدور على الأرض.
واصلت المؤرخة التي اكتشفت الوثيقة البحث والتشاور مع مؤرخين آخرين. وقال لها المؤرخ بيني موريس، إنه وجد وثائق أخرى شبيهة في الماضي. وذكرت هآرتس أنه أشار إلى ملاحظات كتبها عضو اللجنة المركزية لحزب المابام، أهارون كوهين حول أحداث حرب عام 1948.

"التخلص من التاريخ المشين"

وذكرت تلك الوثائق تفاصيل وقائع مشابهة في قرية صفصاف على يد مليشيات الهجانة الإسرائيلية. نشر موريس من قبل تلك الوثائق وجاء فيها: "تم ربط 52 رجلا من صفصاف بحبل. تم وضعهم في حفرة وإطلاق النار عليهم. قتل عشرة منهم. طالبت النساء بالرحمة. كان هناك 3 حالات اغتصاب. تم اعتصاب طفلة عمرها 14 عاما. وقتل 4 آخرين".
قال موريس إن الوثيقة اكتشفها في منظمة جيفات هافيفا وبالتحديد في أرشيف مركز "ياد ياري" التابع للمنظمة. وكانت المفاجأة حينما حاولت المؤرخة نوفيك العودة وفحص الوثيقة التي حصل منها موريس على تلك التفاصيل، لكنها لم تكن موجودة.
حينما سألت المسئولين في المركز أخبروها أن الوثيقة محفوظة في مكان مغلق، وأن الوصول إليها يكون من طرف وزارة الدفاع بدولة الاحتلال.
وبحسب هآرتس، فإن وزارة الدفاع الإسرائيلية وعلى مدار السنوات العشر الأخيرة، كانت تفحص الأرشيف الإسرائيلي وتحذف وثائق تاريخية. ولكن الأمر لم يكن فقط مرتبطًا بأمور سرية مثل البرنامج النووي أو العلاقات الخارجية، لكن الأمر طال أيضًا وثائق تخص حرب عام 1948، في دليل على جهود إخفاء أدلة وقوع النكبة الفلسطينية.
تلك الجهود ظهرت في البداية عبر مركز أكيفوت المتخصص في دراسة الصراع الفلسطيني الإسرائيلي. وبحسب تقرير للمركز، فإن عملية التحريف الإسرائيلية وإخفاء الوثائق التاريخية تقف ورائه وزارة الدفاع، وبالتحديد رئيس قسم الأمن السري بالوزارة والمعروف اختصارا بالعبرية "مالماب".

وذكر التقرير أن جهاز "المالماب" قام بشكل غير قانوني وبدون أي سلطة بإخفاء أو التخلص من وثائق تاريخية، وفي أوقات كثيرة كانت أغلبها ممنوع نشرها لأسباب عسكرية.
وفي تحقيق لهآرتس، كشفت أن "المالماب" أخفى استجوابات لجنرالات بالجيش الإسرائيلي حول قتل المدنيين وتدمير القرى الفلسطينية خلال الأعوام الأولى لقيام دولة الاحتلال.
وتواصلت الصحيفة العبرية مع "ياهيل هوريف" الذي ترأس جهاز "المالماب" لعقدين من الزمن حتى نهاية عام 2007، وقال إنه بدأ جهود إخفاء الوثائق، وهي عملية مستمرة حتى الآن. وأشار إلى أن إخفاء أو التخلص من الوثائق التي تدين جيش الاحتلال خلال حرب عام 1948، يهدف إلى عدم نشر الاضطراب بين العرب في إسرائيل لو تم نشر تلك المعلومات.
كما أوضح أن الهدف الآخر يكمن في تقويض مصداقية الدراسات حول تاريخ بداية قضية اللاجئين الفلسطينيين.
يذكر أن دولة الاحتلال تحاول تصفية قضية اللاجئين، وصرح مستشار الرئيس الأمريكي جاريد كوشنر مؤخرًا أن اللاجئين الفلسطينيين ربما لن يعودوا إلى بلادهم وقد يستقرون في البلاد الموجودين فيها، وذلك في إيضاح جديد حول تفاصيل خطة السلام الأمريكية التي يرفضها الفلسطينيون.

"دمرنا كل المنازل"

أشارت الوثائق التي كشفتها هآرتش إلى أن حوالي 70% من الفلسطينيين غادروا أرضهم بسبب عمليات عسكرية يهودية، وذلك في عام 1948 إبان إعلان قيام دولة الاحتلال.
في بداية الألفية الجديدة، بدأ مركز إسحاق رابين سلسلة من الحوارات مع شخصيات عامة وعسكرية سابقة كجزء من مشروع توثيقي.

استولت اليد الطولى لجهاز "المالماب" على تلك الحوارات، لكن هآرتس حصلت على عدد من النصوص الأصلية لتلك الحوارات، وقارنتها بالنسخ المتاحة حاليًا للعامة، وذلك بعد سنوات من حجبهم وجعلهم وثائق سرية.
أحد الحوارات كان مع الجنرال المتقاعد أرييه شاليف، تحدث فيه حول عملية الترحيل على الحدود لسكان قرية صبرا. وفي الحوار المتاح حاليًا للعاملة تم حذف تلك الجملة: "كانت مشكلة كبيرة في ذلك الوادي. كان هناك لاجئين يريدون العودة إلى عدد من القرى الفلسطينية هناك. طردناهم. التقيت بهم وأقنعتهم بذلك، لدي أوراق تثبت ذلك".

كما حذف جهاز الأمن السري بوزارة الدفاع بدولة الاحتلال أيضًا أجزاء من حوار مع الجنرال المتقاعد إيلاد بيليد، وفيه تحدث مع المؤرخ بواز ليفتوف.

ونص الحديث المحذوف كان كالتالي:

"ليفتوف: نتحدث هنا عن السكان، نساء وأطفال؟

بيليد: نعم.

ليفتوف: هل فصلتم بينهم؟

بيليد: المشكلة بسيطة. الحرب بين مجموعتين من الناس (السكان) خرجوا من منازلهم.

ليفتوف: لو كان المنزل موجودا، كان لديهم مكان آخر يعودون إليه؟

ببليد: لم يكن هناك جيوشا بعد. كنا عصابات، نخرج من المنازل ثم نعود. يخرجون أيضًا من المنازل ثم يعودون. كان الأمر إما منازلهم أو منازلنا.

ليفتوف: الهواجس موجودة لدى الأجيال الجديدة؟

بيليد: نعم اليوم. حينما أجلس هنا وأفكر فيما حدث، كل الأفكار تأتي إلى رأسي.

ليفتوف: هل كان الأمر كذلك في الماضي؟

بيليد: دعني أقول لك شيئًا أقل من اللطف ولا يصل إلى القسوة، حول الهجوم الكبير على قرية سعسع. الهدف كان إرهابهم وإخبارهم (أصدقاؤنا، الهجانة يمكنهم الوصول إلى كل مكان، لستم محصنين). كان ذلك قلب القرى العربية. لكن ماذا فعلنا؟ فصيلتي دمرت حوالي 20 منزلا بكل شيء داخلهم.

ليفتوف: هل كان الناس نيام في الداخل؟

بيليد: أرجح ذلك. ما حدث هو أننا وصلنا ودخلنا القرية، زرعنا المتفجرات بجوار المنازل، ثم فجرنا. لم يكن هناك راديو للتواصل، فكانت تلك هي الإشارة إلى القوات بأننا تحركنا... كل المنازل دمرت".

فيديو قد يعجبك:

إعلان

إعلان