"معركة الحجاب".. لماذا تخشى إيران نساءها؟
كتبت- رنا أسامة:
سلّط الكاتب إيلان بيرمان، الذي يشغل منصب نائب رئيس المجلس الأمريكي للسياسة الخارجية في واشنطن، الضوء على قمع النظام الإيراني للنساء المُناهضات لارتداء الحجاب الذي تفرضه بشكل إلزامي منذ عام 1979، على خلفية إصدار حكم على ثلاث إيرانيات بالسجن أكثر من 55 عامًا لرفضهن ارتداءه.
واستهلّ بيرمان مقاله المنشور في مجلة "ناشونال إنترست" الأمريكية، بالإشارة إلى إعلان الرئيس المُحافظ لمحكمة طهران الثورية، موسى غضنفر آبادي، على الملأ في أواخر يوليو الماضي أن النظام الإيراني حدّد "كيانًا مُعاديًا" جديدًا يُمنع التعامل معه من الآن فصاعدًا، ويُعاقب من يتعامل معه بالسجن لمدة تصل إلى عقد من الزمن.
هذا الكيان المُعادي لم يكن إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، التي أطلقت حملة ضغط اقتصادي قُصوى ضد الجمهورية الإسلامية خلال العام الماضي. ولم يُقصد به إسرائيل، التي لا ينفك مسؤولون إيرانيون يُلقون باللوم عليها في كل شيء؛ من الترويج للمثلية الجنسية في العالم إلى استخدام الحمام كجواسيس نووية. لكن بدلًا من ذلك، تجسّد هذا "الكيان المُعادي" لطهران في ناشطة أمريكية إيرانية شابة في الـ42 من عُمرها تُدعى مسيح علي نجاد.
"قوة دينامية خالصة"
للوهلة الأولى، رُبما لا يبدو أن الناشطة مسيح علي نجاد خِصم سياسي لدود للنظام الإيراني. فهي بسيطة ورزينة، وشخصية مُهذبة ومُريحة وسهلة المراس- على الأقل حينما لا تتحدّث عن النظام الإيراني. وعملت مراسلة سابقة لدى وسائل إعلامية إصلاحية قبل أن تشعر بخيبة أمل كبيرة من الحكم الديني، وتتشابه قصتها الشخصية مع العديد من الأُخريات غيرها اللائي اخترن -أو أُجبِرن- على الفرار من إيران خلال العقود الأربعة التي أعقبت الثورة الإسلامية عام 1979.
بيد أن الأمر يختلف على مِنصات التواصل الاجتماعي، إذ تبدو علي نجاد "قوة دينامية خالصة"- على حدّ وصف الكاتب. ومنذ عام 2014، أصبحت حركتها المُناهضة للحجاب الإلزامي على الإنترنت "My Stealthy Freedom" أو "حرية التخفّي"، مركزًا لتبادل الصور ومقاطع الفيديو والرسائل والبيانات من آلاف الناشطين الإيرانيين (معظمهم من النساء، ولكن أيضًا عدد متزايد من الرجال) الذين يحتجون على القيود الدينية للجمهورية الإسلامية. ومن خلال هذه الحملة، باتت علي نجاد البطلة الأبرز في حركة شعبية مُناهضة ترسّخت جذورها في إيران خلال العامين الماضيين.
وأشار الكاتب إلى أن هذه الحركة ركّزت بشكل خاص على الحجاب، غطاء الرأس الديني الذي تطلب الجمهورية الإسلامية من مواطناتها ارتداءه. وبموجب القانون الإيراني، تُعاقب من لا ترتدي الحجاب في الأماكن العامة بغرامات مالية أو عقوبات بالسجن لفترات قصيرة، وقد فرض مسؤولو النظام الإيراني الحجاب الحكم (بشكل تعسفي في كثير من الأحيان) كوسيلة للتباهي بأوراق اعتمادهم الدينية.
غير أن هذه الممارسة لا تحظى بشعبية كبيرة. ففي العام الماضي، كشفت دراسة رسمية نشرها المركز الإيراني للدراسات الاستراتيجية، وهو مركز أبحاث تابع لمكتب الرئيس الإيراني حسن روحاني، أن ما يقرب من نصف الإيرانيين يُعارضون الحِجاب الإجباري ويعتبرونه "أمرًا شخصيًا" لا يجب على السلطات التدخل فيه.
كان الحجاب الإجباري قد فُرض في إيران عام 1979، إلا أن العملية تمت على مرحلتين؛ الأولى كانت في نفس عام الثورة، عندما فرض على النساء ارتداء الحجاب عند خروجهن إلى الشوارع، وارتداءه في المؤسسات الحكومية. والثانية كانت في عام 1983، عندما أقر قانون تجريم عدم ارتداء الحجاب، ووصلت العقوبة إلى الحبس مدة شهرين و74 جلدة.
وتحاول الإيرانيات مقاومة فرض الحجاب، من خلال وضع غطاء لا يغطي الرأس كاملًا والذي أسمته وسائل الإعلام الإيرانية الموالية للحكومة باسم "بد حجاب" أو الحجاب السيء، فيما تقوم أخريات بتظاهرات مناهضة للحجاب الإجباري تفضي في أغلب الأحيان إلى اعتقالهن.
ورأى الكاتب أنه لم يكن مُفاجئًا أن تتطوّر الاحتجاجات المناهضة للنظام في إيران، التي بدأت في أواخر عام 2017، لتشمل قضية الحجاب الإلزامي. فسُرعان ما انتشرت صورة الإيرانية "فيدا موفد"، المعروفة باسم "فتاة الشارع الثوري"، العام الماضي على مواقع التواصل الاجتماعي وفي وسائل الإعلام كالنار في الهشيم، بعد أن خلعت غطاء رأسها الأبيض في أحد شوارع طهران في تحدٍ للسلطة، وألهمت نساء إيرانيات أُخريات أن يحذين حذوها.
وبمرور الوقت، جرت أعمال احتجاجية مُشابهة لتتحدّى النظام رغم ردود فعله القمعية. (حُكِم على موفد بالسجن لمدة عام بسبب تظاهراتها؛ بينما تلقّى أشخاص آخرون عقوبات مماثلة، بما في ذلك مُحاموهن الذين دافعوا عنهن).
"الحمض النووي لإيران"
وقد يكون مُنصِفًا، بحسب الكاتب، القول إن الاحتجاجات المُناهضة للحجاب الإلزامي فاجأت السلطات الإيرانية. لكن، كما تقول الناشطة علي نجاد، "لم يكن ينبغي لها أن تكون كذلك"، فالحجاب الإجباري، وفق علي نجاد، هو "الحمض النووي للجمهورية الإسلامية"، مُشيرة إلى أنه يُمثّل ركيزة أساسية في النظام الإيراني وسلطته الدينية، ومن ثمّ فإن رفض الحجاب يُعد جزءًا منطقيًا من مقاومة النظام.
وأشار الكاتب إلى أن علي نجاد ساعدت على توثيق هذا الصراع؛ إذ تتفاعل بلا كلل على فيسبوك وإنستجرام وغيرها من مِنصات التواصل الاجتماعي، مع العديد من الناشطين داخل إيران وتُشارك رسائلهم ومقاطع الفيديو الخاصة بهم مع العالم بأسره.
ورغم أن عددا كبيرا من الإيرانيات وثّقن معاناتهن مع هذه القضية منذ زمن طويل (وما زال الكثير منهن يفعلن ذلك)، فإن مزيدا من الإيرانيات يعرضن الآن أمثلة أخرى لسلوك النظام السيئ- كنوع من الفضح والتشهير"العلني" من جانب شعب يزداد غضبًا من الإهانات التي يتعرض لها في ظل حكم رجال الدين.
ورأى الكاتب أن خطوات علي نجاد الاحتجاجية لم تكن إلا مجرد بداية للقصة، موضحًا أن رؤيتها تتمثل في تطويع هذا السخط الشعبي لخدمة حركة مُعادية للنظام أوسع نطاقًا. وهو ما حدث بالفعل؛ إذ نجحت وسائل التواصل الاجتماعي وعمليات التنظيم عبر الإنترنت في إنشاء إطار لتمكين "الأغلبية الصامتة" في إيران التي تكره النظام وتسعى إلى تغيير سياسي جوهري.
وبحسب الناشطة علي نجاد، فإن المعارضة الإيرانية مُجزّأة ومُقسّمة حاليًا، وفي حاجة ماسة إلى التفكير في مُستقبل الجمهورية الإسلامية، والتوحّد لتحقيق رؤية واحدة وأهداف مشتركة، أهمها المطالبة بإجراء انتخابات حرة ونزيهة.
"ملف حقوق الإنسان"
في هذه الحالة، توقّع الكاتب أن تُصبح أمريكا إما أكبر مؤيد لحركة حقوق الإنسان في إيران، أو ينتهي بها المطاف إلى تقويضها. وفي هذا الصدد، أشار إلى أن أعمال الناشطة علي نجاد لفتت أنظار البيت الأبيض، وفي فبراير الماضي تمت استضافتها رسميًا من قِبل وزير الخارجية الأمريكي مايك بومبو، الذي أكد التزام إدارة ترامب بمساندة الإيرانيين الذين يدافعون عن حقوقهم الإنسانية الأساسية، وأشاد بدورها في حث نساء إيران على الثورة ضد الحجاب.
لكن هذه الكلمات الرنّانة، وفق الكاتب، لم تُترجم إلى أفعال ملموسة. وغابت قضايا حقوق الإنسان في إيران بشكل واضح عن الشروط الـ12 التي حدّدها بومبيو العام الماضي كأساس لتطبيع العلاقات الدبلوماسية بين واشنطن وطهران، ولم تُدرج مُطلقًا في حملة العقوبات الحالية التي فرضتها إدارة ترامب على النظام الإيراني.
واستبعد الكاتب إمكانية التطرّق إلى قضايا حقوق الإنسان في إيران داخل البيت الأبيض مُستقبلًا. الأمر الذي يُعزّز مخاوف علي نجاد وغيرها من الناشطات، من أن إدارة الرئيس ترامب- ورغم حديثها عن "حملة الضغط القُصوى" على النظام الإيراني- سينتهي بها المطاف إلى عقد اتفاق مع طهران يتجاهل تمامًا ملف حقوق الإنسان. وبالفعل، قال ترامب بنفسه، مِرارًا وتكرارًا، إنه على استعداد للتفاوض مع النظام الإيراني، وبدون "شروط مُسبقة".
وإذا حدث ذلك السيناريو، يقول الكاتب إن نظام رجال الدين في إيران سيُقدِمون على اتخاذ إجراءات صارمة بحق معارضته المحلية، دون الخوف من انتقام المجتمع الدولي.
وفي تلك الأثناء، لم تتوقف حملة مُناهضة الحجاب الإلزامي في إيران. ووفق علي نجاد، فإن مرسوم يوليو الصادر عن المحكمة الثورية في طهران لم يقوّض نشاط المرأة الإيرانية، التي استمرت في إرسال مقاطع الفيديو الخاصة بها بدون حجاب، والتعبير بشكل جماعي عن معارضتها للقيود الدينية لهذا النظام. وهو ما دفعت بعضهن ثمنه باهظًا؛ ففي أوائل أغسطس الجاري، حُكِم على ثلاث إيرانيات بالسجن لمدة تزيد على 55 عامًا بتهمة "عدم احترام الحجاب الإلزامي".
وبالنسبة لعلي نجاد، فإن هذا الأمر أثبت أن "الجمهورية الإسلامية تخشى نساءها". وأصرّت على أن "اليوم الذي ستخلع فيه آلاف النساء الإيرانيات حجابهن وتقومن بحرقه، سيكون اليوم الذي تنتهي فيه الجمهورية الإسلامية". وعلاوة على ذلك، أشار الكاتب إلى أن الناشطة الإيرانية على يقين بأن هذا اليوم سيأتي - عاجلًا وليس آجلًا، سواء كانت الولايات المتحدة وحلفاؤها على استعداد لاستغلال مثل هذا الانفتاح أم لا.
فيديو قد يعجبك: