"جرينلاند".. سباق جديد بين روسيا وأمريكا بسبب بديل محتمل لقناة السويس
كتب – محمد الصباغ:
لا يقتنع الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بوجود شيء اسمه التغيير المناخي والذي يجب على العالم مواجهته، لكن يبدو أنه يحاول العمل مع إدارته على تأمين مستقبل الولايات المتحدة في حال تأثرت الكرة الأرضية بالظاهرة وذاب الجليد في القارة القطبية، ولكن بطريقة صنعت أزمة مع الدنمارك حينما حاول شراء جزيرة جرينلاند.
بدأت الأزمة بتقرير من صحيفة وول ستريت جورنال الأمريكية اليمينية التي أعلنت عن نية ترامب في شراء جرينلاند من الدنمارك، لتعلن الحكومة الإسكندنافية رفضها القاطع لذلك، وخرج بعد ذلك ترامب ليعلن عن تفكيره على الملأ ويلغي زيارة مقررة إلى الدنمارك بسبب هذا الرفض.
وأعربت رئيسة وزراء الدنمارك ميتيه فريدريكسن، الأربعاء، عن خيبة أملها إزاء قرار ترامب إلغاء زيارته بعد رفضها عرضه شراء جزيرة جرينلاند.
وقالت فريدريكسن في تصريح للصحفيين إن الدعوة إلى تحقيق تعاون استراتيجي أقوى مع الأمريكيين لا تزال مفتوحة، مضيفة أنها كانت تتطلع إلى الزيارة المقررة في 2 من سبتمبر المقبل واصفة أمريكا بأنها من أقرب حلفاء بلادها.
ليرد ترامب على المسؤولة الأولى في الدنمارك بالقول إن تصريحاتها "مقرفة".
"جرينلاند ليست للبيع"
تقول إدريسا ثيستراب، مسؤولة التواصل الإعلامي بمؤسسة "زوروا جرينلاند" الحكومية، في تصريحات خاصة لمصراوي، إن أغلبية الشعب في جرينلاند في صدمة شديدة بسبب الأنباء الأخيرة والتصريحات الصادرة من الرئيس الأمريكي.
وأشارت أيضًا إلى تأييدهم للبيان الصادر من حكومة جرينلاند المحلية الذي أكد أن جرينلاند لديها علاقات جيدة مع الولايات المتحدة الأمريكية، ولا مانع من زيادة الاستثمارات الأمريكية، لكن "جرينلاند ليست للبيع".
وأضافت في كلماتها عبر البريد الإلكتروني أن التصريحات التي خرجت من الرئيس الأمريكي جعلت الأضواء من جديد تُسلّط على جرينلاند، مضيفة أنه لفت الأنظار وسيجعل من الزيارات السياحية إلى الجزيرة في ارتفاع، وخصوصًا مع استهداف الجزيرة للسائحين من أمريكا الشمالية في السنوات الأخيرة.
يعيش في جرينلاند حوالي 56 ألف نسمة، ويغطي الجليد 80 في المئة تقريبًا من الجزيرة الأكبر في العالم. عاصمتها هي نووك ويسكنها 17 ألف شخص، ويتحدث أغلب السكان لغة محلية خاصة بهم.
لا تمتلك الجزيرة طرقًا ممهدة أو وسائل نقل، وبحسب تصريحات إدريسا ثيستراب، فإن السكان يستخدمون الطائرات أو العربات التي يجرها الكلاب أو القوارب.
وأبرز العضو في البرلمان الكندي عن جرينلاند آجا لارسن، في تصريحات لرويترز، إنه واثق من أن أغلبية السكان في جرينلاند يؤمنون أنه من الأفضل البقاء تحت قيادة الدنمارك لا التحول نحو الولايات المتحدة الأمريكية، على المدى الطويل.
كما هاجم مارتن ليديجارد، عضو بارز آخر بالبرلمان الدنماركي عن الحزب الليبرالي الحر ووزير سابق للخارجية، العرض الأمريكي ووصفه بأنه لا علاقة تربطه بالواقع.
وتابع في تصريحات لرويترز أن الحديث هنا عن أشخاص حقيقيين يعيشون في جرينلاند، ولا يمكن الحديث عن بيع الجزيرة "كما لو كنا في العصر الاستعماري". وأوضح أن ما يجب التعامل معه بجدية هو السعي الأمريكي نحو نفوذ أكبر في القارة القطبية.
فيما كتب السفير الأمريكي السابق لدى الدنمارك، رافوس جيفورد عبر حسابه بموقع تويتر "كشخص يحب جرينلاند، وزارها حوالي 9 مرات وتجول في كل جزء منها، ويحب شعبها، ما يحدث هو كارثة متكاملة". وذلك في إشارة إلى محاولات الرئيس ترامب شراء الجزيرة.
لماذا جرينلاند؟
لم يكشف ترامب عن سر رغبته في شراء الجزيرة التي تقع على بعد حوالي 1207 كيلو مترات شمالي الدائرة القطبية الشمالية، لكن ما يبرز أهميتها الاستراتيجية هو كونها مقر القاعدة الشمالية للجيش الأمريكي "ثول الجوية" التي تمتلك نظام إنذار مبكر يمكنه اكتشاف الصواريخ البالستية، ويمتد مداه إلى آلاف الكيلومترات داخل روسيا.
وكان وزير الخارجية الأمريكي مايك بومبيو حذر في مايو الماضي من التحركات العدائية في القارة القطبية من جانب روسيا، فيما أعلن عن مراقبة واشنطن عن كثب لتحركات الصين هناك أيضًا.
فيما كشف الخبير الاقتصادي أنس الحجي عن سر اهتمام ترامب بالجزيرة وقال إن "من يسيطر على جرينلاند يسيطر على قلب الدائرة القطبية؛ لأنها الأقرب إليها، وبالتالي السيطرة على الموارد الطبيعية في المنطقة، بما في ذلك النفط والغاز، كما يحد من سيطرة روسيا على المنطقة".
كما أشار في سلسلة تغريدات إلى عدد من الموارد الطبيعية الكثيرة المتوفرة في جرينلاند مثل الليثيوم واليورانيوم ومعادن الأرض النادرة.
وبيّن الحجي أن السيطرة على جرينلاند تعني السيطرة على ممرات الشحن البحري في حال ذوبان الجليد في المنطقة، والذي يتوقع أن يغير مسارات التجارة العالمية.
يذكر أنه في العام الماضي أرسلت شركة ميرسك للنقل البحري إحدى كبرى الحاويات التابعة لها عبر القطب الشمالي وممر بحر الشمال الروسي (الذي يمر عبر جرينلاند)، وذلك بعد ذوبان الجليد بنسبة كبيرة ما أظهر إمكانية المرور من خلاله لتقليل وقت النقل البحري بين أمريكا وأوروبا وآسيا.
وذكرت صحيفة فايننشال تايمز البريطانية، آنذاك، أن الممر شهد عبور شحنات نفط وغاز طبيعي في الأعوام الأخيرة مع تغير المناخ وارتفاع درجات الحرارة، لكن شركة ميرسك سوف تبدأ تجربة مرور سفينة الحاويات متوسطة الحجم "فينتا" والتي تستوعب حوالي 3600 حاوية.
وبحسب صحيفة الإندبندنت البريطانية، فإن "ميرسك" بهذه التجربة تختبر بديلًا لقناة السويس.
وتراجع حجم الجليد في القارة القطبية الشمالية إلى معدل قياسي، حيث وصلت معدلاته في مضيق بيرنج إلى المستوى الأدنى في التاريخ خلال شهر مارس الماضي، وارتفعت درجات الحرارة بمعدل 30 فوق الأرقام المعتادة.
وبحسب مركز الجليد القومي في كولولادور الأمريكية، فإن الجليد في الصيف الماضي كان أقل بنسبة الثلث مقارنة بما كان عليه قبل ستة أعوام.
وبحسب الإندبندنت البريطانية، فإن ممر بحر الشمال يمكن أن يختصر الرحلة بين آسيا وأوروبا بمقدار أسبوعين بحسب المنطقة، ولكنه يبقى أكثر تكلفة من استخدام قناة السويس حيث يتطلب أن يرافق السفن كاسحة لتكسير الجليد باستخدام الطاقة النووية.
وحول إمكانية الاعتماد على الممر الشمالي، قالت الشركة: "حتى الآن لا نجد ممر بحر الشمال بديلا لممراتنا التقليدية".
لكن مع استمرار ذوبان الجليد في المنطقة القطبية، يمكن أن تتغير الأمور. فقال المتحدث باسم ميرسك: "نتابع تطورات الأوضاع في ممر بحر الشمال. واليوم، الممر متاح لحوالي 3 أشهر سنويًا وربما يتغير ذلك مع الوقت."
كانت صحيفة فايننشال تايمز نقلت عن المدير التنفيذي السابق لميرسك في حوار يعود إلى ستة أعوام مضت، أن الممرات القطبية تحتاج إلى عقدين من الزمن قبل أن تكون خيارا تجاريًا.
هل شراء الدول أمر معتاد؟
ليست هذه المرة الأولى التي تحاول الولايات المتحدة شراء جزر خاضعة لسيطرة دول أخرى، فقد سبق أن اشترت مناطق بل وعرضت شراء جرينلاند نفسها في السابق مقابل 100 مليون دولار من الذهب الخالص عام 1946، أي ما يعادل 1.3 مليار دولار في الوقت الحالي.
وبحسب ما نقلته شبكة "سي إن إن" الأمريكية فإن الولايات المتحدة ليس بالأمر الجديد عليها شراء الجزر والأراضي بالمال، ففي عام 1917 اشترت ما تسمى اليوم "الجزر العذراء" من الدنمارك أيضًا مقابل 25 مليون دولار من الذهب، أي ما يعادل حوالي 500 مليون دولار اليوم.
كما اشترت ألاسكا من روسيا في عام 1867 مقابل 7.2 مليون دولار، ومنطقة لويزيانا الكبيرة، والتي تمتد من نهر المسيسيبي إلى جبال روكي، من فرنسا مقابل 15 مليون دولار في عام 1803.
فيديو قد يعجبك: