دماء في أمريكا.. كيف يتواصل ويتنامى الإرهاب الأبيض؟
كتب – محمد الصباغ:
قبل 19 دقيقة من أول اتصال يطلب مساعدة الشرطة لمواجهة إطلاق النار الجماعي في مدينة إلباسو بولاية تكساس، ظهرت على الإنترنت وثيقة أو ما يمكن تسميته " مانيفستو"، مليئة بالكراهية.
تحدث "المانيفستو" عن غزو ذوي الأصول الإسبانية أو اللاتينية للولايات المتحدة وخصوصا ولاية تكساس الجنوبية المجاورة للمكسيك. وتضمن أيضًا خطة لفصل أمريكا إلى مناطق بناء على العرق، وحذرت من أن الأشخاص ذوي البشرة البيضاء سيتم استبدالهم بالأجانب.
أسفر هجوم إلباسو في تكساس الذي نفذه الشاب الأبيض باتريك كروزيوس (21 عاما)، عن مقتل 20 شخصًا وإصابة العشرات وذلك في المدينة التي يسكنها عدد كبير من أصحاب الأصول اللاتينية.
تحقق الشرطة من أجل التأكد من الشاب كروزيوس هو من كتب فعلا هذا "المانيفستو"، وقال قائد شرطة إلباسو جريج آلان "لدينا الآن مانيفستو من هذا الشخص يشير إلى حد ما إلى وجود ارتباط بجريمة كراهية محتملة".
يهاجم المانيفسو الذي يتكون من حوالي 2300 كلمة، بحسب وسائل إعلام محلية أمريكية، المهاجرين وجاء فيه أنه إذا "تم التخلص من عدد كاف من الناس، سيكون طريقنا إلى الحياة سيكون مستدام بشكل أكبر".
تكشف حادثة تكساس عن التزايد الكبير في أعداد الهجمات التي يقودها أصحاب البشرة البيضاء، والمبنية على أساس كراهية الأجانب والمهاجرين والمختلفين في الدين أو العرق.
كما تُذكر بهجمات أخرى نفذها أفراد من ذوي البشرة البيضاء مثل هجوم المسجدين في نيوزلندا وآخر في كاليفورنيا، وذلك خلال الأشهر الأخيرة وجميعها كانت ناجمة عن كراهية للآخر واعتقاد بتفوق العرق الأبيض.
يحمل المانيفسو اسم "الحقيقة المزعجة"، وبها استلهم كاتبه أفكاره من أفكار الإرهابي منفذ هجوم المسجدين في نيوزلندا والذي قتل 51 شخصًا. وذلك الهجوم في نيوزلندا نشر منفذه مانيفسو آخر يروّج لتفوق العرق الأبيض ونظرية تحمل اسم "الاستبدال العظيم".
وفي مانيفستو تكساس جاء "أؤيد مطلق النار في كرايست تشيرش والمانيفسو الخاص به. الهجوم هو مسئولية غزو اللاتينيين لتكساس".
"إرهاب أبيض"
ركز تحقيق لصحيفة نيويورك تايمز الأمريكية في أبريل الماضي، على الهجمات التي نفذها أصحاب نظرية سيادة أصحاب البشرة البيضاء، وتوصل إلى أن كل منفذ هجوم يكون متأثرًا بهجوم سابق.
جاء التحقيق بعد فترة قصيرة من هجوم المسجدين الإرهابي في نيوزلندا، وحينها كان منفذ الهجوم قد استلهم هجومه من حوادث إرهابية أخرى مثل النرويج أو الولايات المتحدة الأمريكية أو بريطانيا.
وذكرت الصحيفة أن هذا التأثر بالهجوم يتسبب في تشكيل شبكة غير رسمية من المتطرفين من أصحاب البشرة البيضاء الذين ينفذون هجمات عنيفة في الغرب.
كما نقلت عن محللين أن الهجمات الإرهابية الأخيرة أظهرت أن ثلث المتطرفين البيض منذ عام 2011، كانت هجماتهم متأثرة بأشخاص نفذوا هجمات مثيلة في السابق، وباتت مرجعًا لهم.
على سبيل المثال، كان هجوم إطلاق النار داخل مدرسة بولاية نيومكسيكو وقتل 3 أشخاص نهاية عام 2017، شبيها بهجوم ميونخ في عام 2016 والذي استهدف مركزا تجاريا في المدينة الألمانية. وتسبب الهجوم في ألمانيا بمقتل 9 أشخاص.
وذكرت الشرطة الألمانية آنذاك أن هناك ارتباط واضح بين منفذ الهجوم في ميونخ والقاتل النرويجي اندرز بيهرينج بريفيك الذي قتل 77 شخصا في هجمات نفذها في العاصمة اوسلو وحولها.
وحمل بريفيك أفكارا متطرفة، واعتبر أن الهجوم الذي نفذه هدفه وقف هجرة المسلمين إلى أوروبا.
"نقطة التحول"
رصد تحقيق نيويورك تايمز حوالي 30 هجومًا نفذهم المتطرفين من أصحاب نظرية السيادة البيضاء بداية من عام 2011، وتحديدا هجوم النرويج الإرهابي.
وأبرز الهجمات كانت هجوم نيوزلندا وآخر في تورنتو بكندا عام 2018، وهجوم ميونخ وآخر استهدف كنيسة تشارلستون عام 2015، والأخير استهدف مسيحيين أفارقة في الولايات المتحدة.
لكن في الفترة من 2011 إلى 2017، ذكرت نيويورك تايمز أن هناك 350 هجومًا لأصحاب نظرية السيادة البيضاء في أوروبا وأمريكا الشمالية وأستراليا.
وقال جيه إم بيرجر، ناشر كتاب "التطرف" والباحث في شئون الإرهاب الإلكتروني، إنه يعتقد أن منفذ هجوم النرويج كان نقطة تحول "لأنه كان نوعا من الدليل على مدى التأثير الذي يمكن أن يسببه فرد واحد".
وأضاف في حديث سابق لنيويورك تايمز: "قتل الكثير من الناس بنفسه في وقت واحد، وضع حدا لما يمكن أن يقوم به فرد واحد".
وبعد هجوم النرويج الإرهابي عام 2011 بوقت قصير، كتب فرايزر جلين ميلر وأمريكي أبيض مناصر للسيادة البيضاء، إن بريفيك ألهم "شباب الجنس الآري للتحرك".
وبعدها بثلاث سنوات، أطلق ميلر النار على مركز للمتقاعدين اليهود بكنساس الأمريكية وقتل 3 أشخاص.
لكن لم يكن منفذ هجوم النرويج وحده الملهم في الهجمات، فقد كتب إرهابي المسجدين في نيوزلندا أن ملهمه كان رجل كندي فتح النار داخل مسجد بمدينة كيبيك الكندية عام 2017، وكتب اسمه على سلاح استخدمه في الهجوم.
أما الكندي الذي قتل 6 أشخاص، فبحسب نيويورك تايمز تأثر لما قرأه عن الأمريكي ديلان رووف، الذي قتل 9 أشخاص في كنيسة يرتادها الأفارقة الأمريكيون بولاية كارولينا الجنوبية عام 2015.
وعبر الإنترنت قبل ارتكاب جرائمهم، أشاد على الأقل أربعة قتلة آخرين من المتطرفين أصحاب نظرية السيادة البيضاء، بشخص عنصري آخر يدعى إليوت روجر.
وفتح روجر النار في بلدة أيلا فيستا جنوب كاليفورنيا ليقتل ستة أشخاص بينهم سيدتان، وجرح 13 شخصا بالرصاص قبل أن ينتحر بالقرب من حرم جامعة كاليفورنيا.
كل هذه الهجمات التي نفذها متطرفين من أصحاب البشرة البيضاء ومناصري نظرية التفوق العرقي، استهدفت بالأساس المسلمين والمهاجرين والأقليات الأخرى في الغرب، وباتت الهجمات مستمرة مع الاستلهام من الجرائم السابقة، وسط خطاب الكراهية المتزايد ضد المهاجرين، وصعود الشعبوية واليمين المتطرف.
فيديو قد يعجبك: