هل تؤثر "الحرب الباردة الجديدة" على التغير المناخي في الأمم المتحدة؟
نيويورك- (د ب أ):
يتوافد زعماء العالم على مدينة نيويورك الأمريكية للمشاركة في أعمال الجمعية العامة للأمم المتحدة في دورتها الـ74، والتي تفتتح مناقشاتها العامة بعد غد الثلاثاء، وسط مخاوف متنامية بأن التعددية العالمية تواجه عراقيل كبيرة، وأن حربا باردة جديدة تلوح في الأفق.
وربما تؤدي حالة الركود في عمليات المشاركة الدولية إلى عرقلة دفعة قوية، تسعى الأمم المتحدة من خلالها إلى وضع قضية التغير المناخي في قلب جدول أعمال المحافل الدولية، حيث يحذر العلماء من أن الوقت ينفد لإيجاد حلول.
ويحذر محللون سياسيون بشكل متزايد من أن التغيرات البيئية تسبب الجفاف والتصحر وتدمر الأراضي الزراعية، وهو ما يؤدي بدوره إلى عمليات هجرة مفاجئة وإلى نزاعات في المناطق الأفقر من العالم.
ويواجه العالم المتقدم أيضا مخاطر، في ظل ارتفاع منسوب مياه البحر والتلوث الذي يهدد المناطق الساحلية، وصحة البشر بشكل أكثر عمومية.
ووصلت الناشطة السويدية الشابة جريتا تونبرج- التي نجحت في تحفيز حركة شبابية عالمية تطالب صانعي السياسة بالعمل لإيجاد حلول ملموسة لحماية المناخ- إلى الولايات المتحدة قبل القمة الأممية، في محاولة منها لتحفيز أعضاء الكونجرس الأمريكي في هذا الصدد.
وقالت تونبرج أمام جلسة استماع بشأن المناخ بالكونجرس الأمريكي: "لا أريد منكم أن تنصتوا إلي، بل انصتوا إلى العلماء... وحينئذ، أريد منكم أن تتحركوا،" مضيفة أن النواب الأمريكيين لا يبذلون جهودا كافية في هذا المجال.
وفي الوقت الذي يشهد فيه الرأي العام الأمريكي تحولا إلى رؤية مفادها أن التغير المناخي الذي يقف وراءه الإنسان أمر حقيقي، ويحتاج إلى حلول تستند إلى سياسات، لا يزال النقاش دائرا بشأن ما الذي يتعين فعله بالضبط.
ولا يزال الرئيس الأمريكي دونالد ترامب وأعضاء حزبه الجمهوري (يمين وسط)، يعربون عن شكوكهم علانية في ما يتعلق بهذا الأمر.
وترامب ضمن الزعماء الرئيسيين الذين سيتوجهون إلى نيويورك، ولكنه لن يشارك في "قمة العمل المناخي" التي يستضيفها الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو جوتيريش، والتي ستقوم خلالها الناشطة السويدية تونبرج بدور البطولة.
وردد جوتيريش صدى كلمات وأفكار تونبرج عندما خاطب الزعماء قائلا: "لا تأتوا بخطب خيالية، وإنما بالتزامات محددة."
ومن المقرر أن يشارك ساسة أوروبا الناشطون، وبينهم الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، والمستشارة الألمانية أنجيلا ميركل، في "قمة العمل المناخي."
ولن يكون غياب ترامب عن "قمة العمل المناخي" مفاجأة، فقد فعلها من قبل وغاب عن اجتماع مماثل عقد في إطار قمة مجموعة السبع للدول الصناعية الكبرى في فرنسا مؤخرا، كما أعلن انسحاب بلاده من اتفاقية باريس للمناخ الموقعة في عام 2015، والتي تهدف إلى العمل على خفض الانبعاثات الكربونية في العالم بأسره.
وسيغيب عن الجمعية العامة للأمم المتحدة في دورتها الحالية الرئيسان الروسي فلاديمير بوتين وشي جين بنج. ويتوقع كذلك ألا يحضر زعماء بعض دول الشرق الأوسط مثل رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو والعاهل السعودي الملك سلمان بن عبدالعزيز هذه الاجتماعات السنوية.
وقد تلاشى الأمل في أن يجد الرئيس الأمريكي فرصة لعقد اجتماع مع الرئيس الإيراني حسن روحاني من أجل إذابة عقود من العداوة بين البلدين، وذلك في ظل تصاعد التوترات بين الجانبين على مدار الأسابيع الأخيرة، وهي تطورات من شأنها أن تسبب تهديدا للاستقرار في الشرق الأوسط، ولإمدادات النفط العالمية.
وبالطبع لن تكون هناك فرصة لعقد اجتماع بين ترامب ونظيره الصيني شي لنزع فتيل الحرب التجارية بين أكبر اقتصادين في العالم، والتي تهدد بتفاقم التباطؤ الاقتصادي العالمي.
وكتب كيمال ديرفيز، من "معهد بروكينجز" في واشنطن، وهو مركز بحثي رائد ذو توجه ليبرالي: "تكبد الولايات المتحدة والصين نفسيهما ودولا أخرى تكاليف اقتصادية ضخمة من خلال النزاع التجاري المتصاعد بينهما."
ويحذر ديرفيز من أن الجمعية العامة للأمم المتحدة في دورتها الحالية "ستُعقد وسط مخاوف توازي حقبة الحرب الباردة."
ومن شأن هذا أن يؤدي إلى تعطيل الجهود المبذولة للتوصل لاتفاقيات دولية بشأن مجموعة من القضايا. فعلى سبيل المثال، لا يزال من غير الواضح إذا ما كانت الصين أو الولايات المتحدة تريدان تقديم أي تنازلات بشأن المناخ.
وعلاوة عل ذلك، تتنامى المخاوف من أنه في ظل عصر تتعدد قيه الاقطاب، لم تعد الأمم المتحدة صالحة للغرض الذي أنشئت من أجله، حيث أن الولايات المتحدة تتمسك بأيديولوجية "أمريكا أولا" وتضع المصالح الأمريكية فوق العالمية.
وقد لا تكون الآليات التي جرى تطويرها في أعقاب نهاية الحرب العالمية الثانية وخلال عهد ثنائي القطب - حيث كانت الولايات المتحدة والاتحاد السوفيتي أعظم قوتين – مناسبة لمواجهة الصراعات والتحديات الراهنة، وبينها التغير المناخي والاقتصاد الرقمي والحرب الالكترونية.
وحذرت المجموعة الدولية لإدارة الأزمات، وهي منظمة مقرها العاصمة البلجيكية بروكسل، من أن مجلس الأمن الدولي قد أخفق على مدار العام الماضي في تسوية أي من الصراعات الرئيسية في أنحاء العالم، حيث أن الأعضاء الخمسة الدائمين في المجلس يسعون في المقام الأول إلى حماية مصالحهم الخاصة، ومصالح حلفائهم وزبائنهم.
ورغم ذلك، من الممكن تعزيز هياكل الأمم المتحدة، وخبراتها التقنية لتطوير أفكار بعينها، حيث تشير مجموعة إدارة الأزمات إلى أفكار مثل الحد من التوترات في المناطق المعرضة لاندلاع صراعات في أجزاء من أفريقيا، أو تقديم مقترحات بشأن أطر تحقيق السلام في أفغانستان.
ويمكن للأمم المتحدة وهي تتجه صوب عام جديد، أن تحاول إقناع زعماء العالم البارزين بالتحرك، أو على الأقل، تمهيد السبيل أمام القوى الكبرى عندما يكون لدى تلك القوى استعداد لمثل هذا التحرك.
فيديو قد يعجبك: