جاك شيراك.. "سيد الإليزيه" الذي أحبّه الشعب وصادقه العرب
كتبت- رنا أسامة:
حظيت مواقف وسياسات الرئيس الفرنسي الأسبق جاك شيراك، الذي غيّبه الموت اليوم الخميس عن عمر ناهز 86 عامًا، بتقدير واحترام شعبه. واعتبروا أن فترة رئاسته (الممتدة ما بين عاميّ 1995 و2007) كانت الأفضل مقارنة بالرؤساء الفرنسيين الذين خلّفوه، مُلقّبين إيّاه بـ"سيد الإليزيه"، وفق استطلاع رأي سابق أجراه معهد "إيفوب" الفرنسى.
بدأ رجل الجمهورية الفرنسية الخامسة مشواره السياسي في ستينات القرن العشرين ليمتد على مدى نحو 40 عامًا، وينتهي في 2007 بعد 12 عامًا في قصر الإليزيه. وكان شيراك طوال حياته وفيًا لمبادئ الجمهورية الخامسة التي أسّسها زعيمه الروحي شارل ديجول، وفق فرانس برس.
وبعد رحيله، قالت المتحدثة باسم المفوضية الأوروبية مينا اندرييفا، إن "أوروبا لم تخسر فقط رجل دولة عظيما وإنما خسرت أيضًا صديقًا مُقربًا".
"دهاء سياسي"
قال عنه سلفه الاشتراكي فرانسوا ميتران، إنه "صلب مزيف، مُحاط بمحترفين مزيفين، يفكر كما لو يصعد الدرج، ويتكلم كما يشُدّ على الأيدي. إنه قادر على إعلان الحرب من دون أن يكون عند أحد الوقت لقول أوف! وإذا كان شيراك يسافر كثيرًا فذلك لأنه لا يستطع أن يبقى وجهًا لوجه مع نفسه".
داخليًا، عُرِف شيراك بدهائه السياسي ومرونته في إدارة دفة الحكم مع اليسار في صيغة تعايش استثنائية. فقد تقاسم السلطة مع ميتران عندما تولى منصب رئيس الوزراء في عهده، ثم خلال فترة تعايش ثانية بين اليمين واليسار كان فيها رئيسًا للدولة، بينما تولى فيها الاشتراكي ليونيل جوسبان منصب رئيس الوزراء.
وفي عام 1976 أسّس حزب "التجمع من أجل الجمهورية" الذي سُرعان ما تحوّل إلى رأس حربة اليمين الفرنسي. وبعد ذلك أسّس حزب "الاتحاد من أجل حركة شعبية" في عام 2002، والذي استولى عليه الرئيس السابق نيكولا ساركوزي وغيّر اسمه إلى حزب "الجمهوريون". وكان أحد إصلاحاته السياسية الكبيرة تقليص الولاية الرئاسية من 7 إلى 5 سنوات تماشيًا مع ولاية البرلمان، رغم تقليص ولايته الثانية.
دوليًا، تحوّل شيراك في نهاية رئاسته الأولى عام 1995 إلى مُحامٍ يدافع عن الكرة الأرضية وأحد دُعاة التضامن مع الدول الفقيرة، بما في ذلك أفريقيا التي كان يزورها مرة على الأقل كل عام ويدافع عنها في كافة المحافل والمنتديات، حسبما ذكرت "دويشته فيله" في تقرير سابق نشرته عام 2007.
ووفق تقرير الصحيفة، ترك شيراك بصماته على الساحة الدولية من خلال بعض الحوادث المثيرة، أبرزها فورة الغضب التي انتابته في 1996 أمام رجال الشرطة الإسرائيلية في مدينة القدس القديمة المحتلة، ومعاتبته غير الدبلوماسية لدول شيوعية سابقة في أوروبا الشرقية لانحيازها لواشنطن عام 2003.
كتب حوالي 6 كتب منها "خطاب لفرنسا في لحظة الاختيار"، و"بصيص من الأمل: تأملات في المساء من أجل الصباح"، و"فرنسا للجميع"، بالإضافة إلى كتاب "كل خطوة ينبغي أن تكون هدفًا" وهو عبارة عن سيرة ذاتية، تحدث فيه عن أصول عائلته وحياته الاجتماعية والسياسية.
"صديق العرب"
تمتّع شيراك بصورة إيجابية في العالم العربي نظرًا لمواقفه الشجاعة حيال قضايا الشرق الأوسط، وأبرزها رفضه مشاركة بلاده في التحالف الدولي بقيادة واشنطن خلال غزو العراق في عام 2003، مُتحديًا بذلك الرئيس الأمريكي الأسبق جورج بوش الابن. ووصفته تقارير محلية ودولية وقتذاك بأنه "صديق العرب".
واشتُهِر شيراك بعلاقاته المتينة مع عدد من الزعماء والقادة العرب، وأبرزهم الرئيس الأسبق محمد حسني مبارك، والعاهل المغربي الراحل الحسن الثاني الذي كان صديقه الشخصي طوال ثلاثة عقود وقيل أنه أوصى شيراك برعاية نجله، الملك الحالي محمد السادس قبل وفاته بقليل.
وذكرت صحيفة "إيلاف" السعودية، في تقرير سابق نشرته على موقعها الالكتروني قبل 3 أعوام، أن ارتباط شيراك بالعرب نابع من انتمائه لمدرسة شارل ديجول السياسية التي كانت "ترفض التبعيّة وتقاوم سيطرة النظام الرأسمالي على الشعوب والمجتمعات"، مُعتبرة أنه آخر تلاميد هذه المدرسة السياسية التي نجحت في بناء تحالف مع الدول العربية.
وبخلاف ارتباطه الوثيق بالعرب عامة، كان للمغرب مكانة خاصة لدى شيراك، حيث أقام فيها بشكل منتظم في السنوات الأخيرة، وكان يفضل العيش في المنطقة الجنوبية بمدينتيّ أكادير وورزازات نظرًا لجوها الدافئ المناسب لحالته الصحية، إضافة إلى كرم الضيافة التي كان يُحيطه بها الملك محمد السادس والتي بلغت حد منحه القصر الملكي في المدينة للإقامة فيه، وفق "إيلاف".
كما ارتبط بصداقة متينة مع مؤسس دولة الإمارات العربية المتحدة الشيخ زايد، وكذلك بالعائلة السعودية الحاكمة وتحديدًا الملكين الراحلين فهد بن عبدالعزيز وعبد الله بن عبدالعزيز. وجمعته علاقة صداقة مع رئيس الوزراء اللبناني الأسبق رفيق الحريري، وتعرّض لصدمة كبيرة عندما تعرّض الحريري للاغتيال وسط بيروت في 14 فبراير 2005.
"محاكمة غيابيًا"
أُدين شيراك في قضية فساد تُعرف باسم "الوظائف الوهمية"، بتهمة استغلال السلطة واختلاس أموال عامة حين كان عُمدة مدينة باريس بين عاميّ1977 و1995، ليُصبح بذلك أول رئيس جمهورية فرنسي تُدينه محكمة الجنح.
ويُشتبه في إسناده وظائف ومرتبات من بلدية باريس لأشخاص يعملون فى خدمة حزبه، وهو ما كان شيراك يُنكره دومًا.
وكان شيراك يواجه عقوبة السجن 10 سنوات وغرامة بمبلغ 150 الف يور، لكنه دائمًا ما كان يُنكر ذلك، مؤكدًا أن هذه الوظائف كانت "مشروعة ومفيدة لبلدية باريس".
وفي عام 2011، أعفت محكمة الجنح في باريس شيراك من حضور جلسات مُحاكمته لأسباب صحية متعلقة بـ"مشاكل جدية في الذاكرة" و"أخطاء في التقدير والتفكير".
"أزمات صحية"
دخل شيراك المستشفى عدة مرات منذ مغادرته قصر الإليزيه، الأمر الذي أثار لغطًا كبيرًا حول حالته الصحية وتكرّرت شائعات وفاته، لاسيّما وأنه ابتعد عن الأضواء وغاب عن وسائل الإعلام والحياة العامة منذ نوفمبر 2014.
ووفق تقرير سابق لصحيفة "لوموند" الفرنسية، عانى شيراك من أزمات صحية كثير منذ عام 2005 وتدهورت حالته إلى الحد الذي جعله يجد صعوبة في التحرّك. وفي يناير 2014، قالت قرينته بيرناديت شيراك إن الرئيس الفرنسي الأسبق لن يتحدّث إلى العلن أبدًا، نافية إصابته بـ"الزهايمر". وأوضحت أنه مُصاب فقط بتراجع في الذاكرة.
وفي 2015، قالت ابنته الصُغرى كلود شيراك إنه نُقِل إلى المستشفى في باريس لإجراء فحص عام بعد شعوره "بضعف من أيام عدة"، إلا أنها أكّدت أن "حالته لا تدعو للقلق". وفي 2016، أُعلِن عن إصابته بالتهاب رئوي حاد.
فيديو قد يعجبك: