الاتحاد الأوروبي يتطلع إلى اتفاق بشأن إعادة توزيع المهاجرين... ولكن هل يحدث هذا فرقا؟
روما- (د ب ا):
تلوح في الأفق إمكانية انتهاء الأيام التي يُترك فيها المهاجرون الذين يتم إنقاذهم في البحر المتوسط عالقين في عرض البحر، لأيام أو أسابيع، على متن سفن تابعة لجمعيات خيرية، وذلك في الوقت الذي تتنازع فيه حكومات دول الاتحاد الأوروبي حول الدولة التي ينبغي عليها استضافة المهاجرين.
وتستضيف مالطا اجتماعا بعد غد الاثنين تشارك فيه إيطاليا وفرنسا وألمانيا والمفوضية الأوروبية والرئاسية الفنلندية للاتحاد الأوروبي.
وخلال الاجتماع، سيتم طرح اتفاق تاريخي محتمل.
وكان الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون قال في لقاء مع رئيس الوزراء الإيطالي جوزيبي كونتي في روما: " أنا مقتنع أنه يمكننا الاتفاق على آلية تلقائية أوروبية لإعادة توزيع المهاجرين".
وقالت ألمانيا بالفعل إنها يمكنها استضافة ربع المهاجرين الذين تم إنقاذهم في البحر. ومن المتوقع أن تستضيف فرنسا حصة مماثلة، وربما تقدم دول أوروبية أخرى عروضا لاستضافة أعداد أصغر من المهاجرين.
ومن شأن وضع حصص ثابتة أن تساعد في تجنب الحاجة إلى إجراء مفاوضات خاصة بمن سوف يستضيف المهاجرين في كل مرة يقترب قارب إنقاذ من شواطئ إيطاليا أو مالطا، مثلما كان الحال خلال الأشهر الأخيرة.
وقال الخبير في شؤون الهجرة ماريو موركوني لوكالة الأنباء الألمانية "د.ب.أ": "لا اعلم إذا كانوا سيتوصلون إلى اتفاق في مالطا، ولكن كل الظروف مهيأة لحدوث تغيير للتوجه في سياسات الاتحاد الأوروبي الخاصة بالهجرة."
ووصف موركوني، الرئيس السابق لديوان وزارة الداخلية الإيطالية، والرئيس الحالي للمجلس الإيطالي للاجئين، تعليقات ماكرون بـ"المشجعة".
ومن المرجح طرح ما سوف يتم التوصل إليه في مالطا أمام اجتماع وزراء داخلية الاتحاد الأوروبي الشهر المقبل من أجل وضع اتفاق أوروبي أوسع نطاقا.
كما تحدث ماكرون عن الحاجة إلى مزيد من التكامل بين دول الاتحاد الأوروبي ودعم الطلب الإيطالي بفرض عقوبات مالية على الدول التي ترفض المساعدة في مشكلة الهجرة، وهو ما تطالب به روما منذ فترة طويلة.
وقال ماكرون: "على كل الدول المشاركة في التضامن الأوروبي بطريقة أو بأخرى، أن تواجه عقوبات مالية، أو هذا ما يجب أن يحدث."
والهدف الرئيسي من التهديدات هو كتلة فيسجراد، التي تضم بولندا والمجر وسلوفاكيا وجمهورية التشيك، والتي تستفيد بدرجة كبيرة من أموال الاتحاد الأوروبي ويمكن تهديدها بتخفيض ما تحصل عليه من أموال.
وهذه الفكرة ليست جديدة، وقد قوبلت بمعارضة شديدة متوقعة من قادة فيسجراد، خاصة رئيس الوزراء المجري فيكتور أوربان، الذي يتبنى اتجاها متشددا مناهضا للهجرة.
ومن النقاط الشائكة أيضا نطاق مسودة اتفاق مالطا.
وبالنظر للوضع الحالي، يمكن أن يستثني الاتفاق ما يطلق عليهم "المهاجرون لأسباب اقتصادية" بالإضافة إلى المهاجرين الذين يصلون شواطئ إيطالية بمفردهم، أي دون أن تعترضهم وحدات تابعة لمنظمات غير حكومية أو بحرية أو قوات خفر السواحل.
وبما أن هذه الفئات تمثل أغلبية من يصلون إلى إيطاليا بحرا، فإن هناك خطورة تكمن في أن الاتفاق المقترح لإعادة توزيع المهاجرين ربما يأتي بفائدة محدودة في تخفيف العبء على إيطاليا.
ويقدر ماتيو فيلا، الخبير في شؤون الهجرة بهيئة "اي اس بي أي" البحثية، أن من بين 8104 مهاجرين وصلوا إلى إيطاليا ومالطا بحلول منتصف أيلول/سبتمبر الجاري، يتراوح عدد الذين يمكن أن يكونوا مؤهلين لعملية إعادة التوزيع بين 269 شخصا و 1210 أشخاص.
يشار إلى أن المهاجر لأسباب اقتصادية هو من ينتقل لدولة أخرى بحثا عن ظروف معيشية أفضل، وليس بسبب الحرب أو الاضطهاد.
وعادة لا يتمتع هؤلاء المهاجرون بحق اللجوء، ويتعين إعادتهم إلى بلادهم، وهو أمر مكلف وصعب. وغالبا ما يقوم المهاجرون بالاختفاء لتجنب العودة إلى بلادهم، أو أن بلادهم الأصلية لا تريد إعادتهم.
وقال موركوني إنه في حال استثناء اتفاق مالطا المهاجرين لأسباب اقتصادية، فإنه لن يمثل تقدما مقارنة بعروض الاتحاد الأوروبي السابقة للتضامنـ "وسيكون هذا أمرا محبطا للغاية."
ومن ناحية أخرى، ربما يتساءل البعض حول الحاجة لاتفاق يساعد إيطاليا ومالطا في التعامل مع تدفق المهاجرين في الوقت الذي تواجه فيه إسبانيا واليونان ضغوطا أكبر.
ووفقا لبيانات وكالة الحدود الأوروبية" فرونتكس"، استقبلت مالطا وإيطاليا 6500 مهاجر خلال الأشهر الثمانية الأولى من عام 2019، مقارنة بنحو 15 ألف مهاجر في إسبانيا و أكثر من 38 ألف مهاجر في اليونان وقبرص.
ومع ذلك، أصبحت مساعدة إيطاليا مسألة سياسية بدرجة أكبر.
ويشار إلى أنه حتى العام الماضي، كان اللاعب السياسي الرئيسي في إيطاليا هو وزير الداخلية ورئيس حزب "الرابطة" ماتيو سالفيني، الذي كان يحدث أزمة داخل الاتحاد الأوروبي كل مرة تحاول فيها سفينة خيرية دخول ميناء إيطالي.
وقد خرج سالفيني من الصورة، بعدما أسفرت الأزمة الحكومية التي أثارها في آب/أغسطس الماضي أملا في إجراء انتخابات مبكرة، في تنحيته عن منصبه واتجاهه إلى صفوف المعارضة.
وتأمل حكومة روما الجديدة في أن تظهر أن إيطاليا يمكنها أن تحصل على نتائج أفضل من بروكسل عبر اتباع نهج جيد والنأي عن التصريحات المناهضة للاتحاد الأوروبي.
وأوضح موركوني: " بدون شخصية قومية مثل سالفيني في وزارة الداخلية، من الواضح أنه يمكننا إعادة إطلاق المفاوضات مع أوروبا".
فيديو قد يعجبك: