رغم انتصاراته الدولية.. "أوقات عصيبة" في طريقها إلى بوتين
موسكو- (د ب ا):
يحذر المحللون من أن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين سيواجه أوقاتا عصيبة، في حالة عدم انعكاس الارتفاع البسيط في قيمة الروبل على زيادة في الدخول الحقيقية للمواطنين الروس، على الرغم من تصاعد نفوذ الرئيس الروسي في الشؤون العالمية.
وتراجعت شعبية الرئيس بوتين بنسبة نحو 20 بالمائة مقارنة بالمعدل المرتفع الذي تمتع به، خلال فترة الفورة والحماس القومي في أعقاب ضم روسيا منذ 5 أعوام لإقليم القرم الذي كان تابعا لدولة أوكرانيا المجاورة، على الرغم من استمرار معدلات شعبية بوتين فوق مؤشر 60 بالمائة.
وجاءت معدلات التأييد الشعبي للرئيس الروسي بعد ضم القرم على الرغم من انخفاض قيمة الروبل، والذي تم إلقاء مسؤولية تراجعه أمام العملات الدولية على العقوبات التي فرضتها الدول الغربية على روسيا بعد ضمها القرم، وكان لها تداعيات سلبية على الاقتصاد الروسي، غير أن المشكلات التي عانى منها الروبل استمرت، مما أدى إلى التسبب في مصاعب اقتصادية طويلة المدى كشفت عن شروخ في التأييد الواسع لبوتين، الذي ظل في السلطة لعقدين من الزمان، كرئيس للبلاد أو كرئيس للوزراء.
وقال ديار أوتال وهو خبير في الشؤون الإقليمية الروسية لوكالة الأنباء الألمانية (د.ب.ا)، "على الصعيد الداخلي يواجه الكرملين اقتصادا يعاني من الركود بشكل مزمن، ويرجع السبب في عدم القدرة على تحقيق النمو إلى مسائل متعلقة بالجوانب المؤسسية ليست لها علاقة بالعقوبات الغربية".
وتقلص دخل الفرد وفقا للقيمة الحقيقية للعملة خلال معظم فترات السنوات الست الماضية".
وأوضح أوتال الحاصل على درجة علمية من مركز ديفيس للدراسات الروسية والأوراسية التابع لجامعة هارفارد، أن "بوتين لم يحقق إنجازات خلال عام 2019، ومن غير المرجح أن يحقق شيئا خلال الأعوام المقبلة فيما يتعلق بتوقعات المواطنين الأساسية بتحسين مستويات معيشتهم".
وتحولت الاحتجاجات التي اندلعت في منتصف الصيف الماضي، بسبب استبعاد العديد من السياسيين المعارضين البارزين من الترشح في الانتخابات المحلية التي جرت في العاصمة موسكو، إلى حركة واسعة معارضة للحكومة اجتاحت أنحاء البلاد.
وكانت هذه الحركة الأكبر منذ أن استعاد بوتين منصب الرئيس عام 2012، بعد أن تولى لفترة محددة منصب رئيس الوزراء.
وأشار استطلاع أجراه أكبر مركز مستقل لاستطلاع الرأي العام في روسيا مؤخرا في مختلف أنحاء البلاد، إلى أن معظم الشباب الروسي حتى سن 24 عاما يريدون أن يهاجروا إلى الخارج بشكل دائم، وكانت هذه هي النسبة الأعلى في هذا الصدد منذ عقد من الزمان.
ويقول إيفان كوريلا الخبير السياسي الروسي إن "بوتين لم تكن لديه أهداف محددة واضحة على الصعيد الداخلي عام 2019، وتم إعادة انتخاب بوتين بصورة آمنة عام 2018، ولا تزال الفترة الباقية حتى إجراء انتخابات رئاسية جديدة طويلة حيث سيتم تنظيمها عام 2024، وليست هناك مؤشرات قوية تدل على أن قوة ونفوذ بوتين معرضان للخطر.
ويضيف كوريلا الذي يعمل أستاذا للعلاقات الدولية في الجامعة الأوروبية بمدينة سان بطرسبرج إن "مستوى الاحتجاجات وقوتها ليس كافيا ليشكل تحديا حقيقيا لحكم بوتين، غير أن هذه الاحتجاجات جعلت مرؤوسيه مثل عمدة موسكو سيرجي سوبيانين أو رؤساء أجهزة الأمن يشعرون بالتوتر".
ويعتقد أكثر من ثلثي الروس أن حكومتهم لا تعمل لصالح شعبها، وذلك وفقا لاستطلاع آخر للرأي العام أجراه مؤخرا مركز "ليفادا" المستقل الذي يتمتع بالاحترام.
وأوضح كوريلا لـ(د.ب.ا) أن بوتين الذي ليس في جعبته أهداف محلية يحققها، يسعى إلى تحقيق إنجازات على صعيد العلاقات الخارجية، وهذا الاتجاه يمثل نقلة من انتهاج السياسيات الدفاعية عن المواقف التي كانت لها الأولوية وسط أزمة ضم القرم.
وقال كوريلا إنه "منذ عام 2014 كانت السياسة الخارجية لبوتين تسودها اتجاهات الدفاع عن المواقف، ولكن في عام 2019 بدأت هذه السياسات تبدو كمحاولة للتخلص من العزلة الدولية والعقوبات".
وبعد أن تم تبرئة ساحة روسيا من بعض التهم بوجود مؤامرة روسية للتدخل في مسار الانتخابات الرئاسية الأمريكية في تقرير موللر، دعا بوتين وزير الخارجية الأمريكي مايك بومبيو لزيارة منتجع سوتشي الروسي، وفي هذا الصدد يقول كوريلا "يمكننا أن نفترض أن بوتين لديه قدر من الآمال في تحسن العلاقات الأمريكية الروسية بشكل ملحوظ".
وأضاف كوريلا: "من الوهلة الأولى يبدو مجال العلاقات الخارجية في عام 2019 أفضل بالنسبة لبوتين مقارنة بالأعوام السابقة، بينما كانت السياسات الداخلية محفوفة بالمشكلات".
وتابع كوريلا: "غير أن السياسة الخارجية لبوتين لم تحرز نجاحا كبيرا، لأنه لم يحدث تقدم حقيقي في ملفاتها، كما أن الولايات المتحدة لا زالت تفرض عقوبات جديدة على روسيا".
وأدت ثلاثة مشروعات جديدة لمد خطوط أنابيب للغاز الروسي، وهي على وشك التشغيل حاليا أو يتوقع تشغيلها في المستقبل القريب، إلى كل من الصين وألمانيا وتركيا، إلى زيادة نسبتها 5 بالمائة في قيمة الروبل خلال الأشهر الأخيرة، على الرغم من الإعلان مؤخرا عن فرض عقوبات أمريكية على مشروع خط الغاز المتجه إلى ألمانيا.
وأيضا حققت القوات المسلحة الروسية تفوقا حاسما على الولايات المتحدة في سورية، حيث سحبت واشنطن قواتها من حرب لا تلقى قبولا شعبيا في الداخل الأمريكي.
ومن ناحية أخرى، حقق بوتين تقدما أيضا وسط الخلافات والنزاعات داخل حلف شمال الأطلسي (الناتو)، حيث دعم العلاقات الروسية مع كل من تركيا وفرنسا وهما عضوين بالحلف.
وفي كتابها بعنوان "أسطورة بوتين" وهو دراسة لفترة حكم الرئيس الروسي الطويلة، تقول آنا أروتونيان: "المشكلة تتمثل في أن المكاسب التي حققها بوتين ليست في الحقيقة إنجازات مباشرة لبوتين من صنعه، ولكنها قرارات اتخذها الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة وليست لها علاقة تذكر بالجانب الروسي".
ويعرب الخبير السياسي أوتال عن رأي مماثل، فيقول "هناك حدود للمدة الزمنية التي يمكن خلالها أن يشتت النجاح البادي على الساحة الدولية، الانتباه بعيدا عن عدم قدرة بوتين على تلبية التوقعات الداخلية لمواطنيه".
فيديو قد يعجبك: