لم يتم العثور على نتائج البحث

إعلان

اقتصاد لبنان ينهار وإسعافه بيد المحتجين والتكنوقراط

11:35 ص الأحد 26 يناير 2020

تخريب واجهات البنوك والمحلات

برلين (دويتشه فيله)

تواجه حكومة التكنوقراط اللبنانية الجديدة تحديات غير مسبوقة أبرزها وقف تدهور الاقتصاد ومحاربة الفساد والإثراء غير المشروع. لكن السؤال، كيف سبيلها إلى ذلك في ظل استمرار الاحتجاجات والشلل في عمل البنوك والشركات؟

الصور القادمة من العاصمة اللبنانية بيروت عن تحطيم واجهات المحلات التجارية والبنوك والمصارف والمؤسسات الأخرى في منطقة الحمرا والوسط التجاري تثير الصدمة. هذا التخريب غير المسبوق أوقع خسائر بعشرات الملايين من الدولارات للممتلكات العامة والخاصة وجاء بعد احتجاجات شعبية تخللها مواجهات دامية أوقعت مئات الجرحى من المحتجين وقوات الأمن.

والملفت في الأمر أن هذا العنف الذي لم تشهده الاحتجاجات اللبنانية منذ اندلاعها قبل ثلاثة أشهر حصل بعد تشكيل حكومة من التكنوقراط طالب بها المحتجون منذ اندلاع ثورتهم على الظلم والفساد.

ومن هنا يحق للمراقب أن يسأل لماذا كل هذا التخريب باسم الثورة ومطالب المحتجين المحقة؟

ثقافة تخريب الممتلكات

تقوم الثورات الشعبية لرد الظلم وانتزاع الحريات ومكافحة فساد وسرقات النخب الحاكمة للمال العام وتحسين مستوى معيشة الناس. وفي بلدان عدة قامت مثل هذه الثورات ونجحت بشكل سلمي لدرجة أنه لم يسقط في بعضها ضحية واحدة ولم يتم تخريب أية مؤسسة أو شركة كما حصل في ألمانيا الشرقية وتشيكوسلوفاكيا ودول أخرى في شرق أوروبا قبيل انهيار المعسكر الشرقي على سبيل المثال.

أما في لبنان ومثله دول كثيرة في العالم العربي وأمريكا اللاتينية وأمكنة أخرى فإن العنف وتقطيع شرايين الاقتصاد وتخريب الممتلكات خلال الاحتجاجات يتحول إلى ثقافة نتيجتها مزيد من الأزمات الاقتصادية والاجتماعية بسبب تهديد أماكن العمل ومنع وصول الإمدادات من الأغذية والأدوية ومستلزمات الإنتاج والخدمات.

وتقدر خسائر لبنان في ظل الأوضاع الراهنة حسب البنك الدولي بنحو 700 مليون دولار يومياً. والغريب في الأمر قيام فئات من المحتجين ومن يقول قولها في وسائل الإعلام بسوق تبريرات كالقول أن العنف والتخريب يزيد الضغط على السلطة الفاسدة ويؤدي إلى إسقاطها.

وبهذا يتم تناسي عدة حقائق في مقدمتها أن العنف يدفع بالكثير من الناس إلى عدم التعاطف مع المحتجين وأن مؤسسات القطاع العام بُبيت بشكل أساسي من ضرائب ذوي الدخل المحدود، وليس من أموال الفاسدين الذي نقلوا أموالهم إلى سويسرا وشمال العراق وبلدان أخرى قبيل وخلال الاحتجاجات.

ولا يعني هذا في كل الأحول تبرئة قوات الأمن التي تستفز المحتجين، كما لا يعني تبرئة المندسين وعملاء المخابرات الخارجية الذين يركبون الموجة بهدف تفريغ المطالب الشعبية العادلة من مضمونها.

الاحتجاجات وتدهور مستوى المعيشة

منذ اندلاع الاحتجاجات الشعبية في لبنان أواسط أكتوبر الماضي 2019 تراجع سعر الليرة اللبنانية في السوق الموازية من 1500 إلى 2500 ليرة مقابل الدولار الأمريكي. وهناك معلومات عن هروب ما لا يقل عن 3 مليارات دولار من البنوك اللبنانية إلى الخارج خلال أقل من ثلاثة أشهر.

وتتحدث مصادر متطابقة عن تسريح عشرات الآلاف من وظائفهم وتجميد عمل عشرات الآلاف الآخرين بسبب توقف مئات المؤسسات اللبنانية عن العمل في مجال الإنتاج والخدمات.

السؤال الذي يطرح نفسه هو: هل يخدم هذا هدف المحتجين في تحسين مستوى معيشة اللبنانيين الذي فقدوا أكثر من نصف قوتهم الشرائية خلال الاحتجاجات؟

مهام لا تحسد عليها أية حكومة

بعد ثلاثة أشهر من احتجاجات شعبية عير مسبوقة خرج الدخان الأبيض وتشكلت حكومة تكنوقراط برئاسة الأستاذ الجامعي حسان دياب. رئيس الحكومة الجديد حيا الثورة واصفاً حكومته بأنها "تعبر عن تطلعات المعتصمين.. وستعمل على تلبية مطالبهم المتعلقة باستقلالية القضاء واستعادة الأموال المهوبة ومكافحة البطالة والإثراء غير المشروع، إضافة إلى وضع قانون جديد للانتخابات يكرس اللحمة الوطنية".

ومما لا شك فيه أن مثل الأهداف الطموحة تحتاج إلى برنامج إصلاح اقتصادي ومالي جريء ليس من الواضح حتى الآن فيما إذا كانت الحكومة قادرة على وضعه وتنفيذه.

وفيما عدا ذلك لن يكون في مقدورها الخروج من دوامة الدين الخارجي واستنهاض القوى الكامنة في الاقتصاد للبناني وخاصة في مجالات الإنتاج الزراعي والصناعي إضافة إلى السياحة والخدمات التي تعاني هذه الأيام الشلل الجزئي أو الكلي.

الجدير ذكره أن لبنان في قائمة الدول الأكثر مديونية في العالم. وتقترب ديونه في الوقت الحاضر من 86 مليار دولار، أي ما يعادل أكثر من 180 بالمائة من الناتج المحلي الإجمالي.

ما أن تقرير منظمة الشفافية الدولية الأخير صنفه من بين الدول الأكثر فساداً في العالم إذا أحتل المرتبة 137 بين 180 دولة على مؤشر الفساد. ومنذ اندلاع الاحتجاجات تفاقم الوضع المعيشي وأضحت البلاد أمام كارثة اقتصادية تهدد اللبنانيين بفقدان ما تبقى من وظائفهم ومستوى عيشهم.

لا بد من فرصة لتجنب الكارثة

بغض النظر عن المواقف المؤيدة أو الرافضة لحكومة دياب فإن الوضع الذي وصل إليه لبنان يستدعي توقف المحتجين عن تعطيل سير الحياة اليومية للناس وإعطاء الحكومة الجديدة فرصة لاختبار مدى قدرتها على منع الانهيار الاقتصادي الشامل، لأن الاحتياطات من الأغذية والأدوية ومستلزمات الحياة الضرورية تنفذ بسرعة مع استمرار أزمة تمويل المستوردات وتوقف الصادرات وتحويلات المغتربين ومساعدات وقروض الدول المانحة.

وعلى ضوء ذلك فإن أبرز التحديات التي تواجهها هذه الحكومة في المدى القريب تكمن في وضع وتنفيذ خطة إسعافية تعيد الاستقرار إلى الليرة اللبنانية والثقة بالقطاع المصرفي الذي يشكل عصب الاقتصاد اللبناني.

وفي هذا الإطار ينبغي عليها كخطوة أولى تأمين نحو 5 مليارات دولار من المساعدات والقروض لتمويل شراء القمح والوقود والأدوية والوفاء بالتزاماتها المحلية والخارجية خلال الأشهر الست القادمة.

وبالتوازي مع ذلك لا بد من البدء الإسراع في إصلاح مؤسسات القطاع العام وإطلاق قوى الإبداع والإنتاج في القطاع الخاص من أجل خلق فرص العمل التي تساعد على تقليص البطالة المتفشية في صفوف الشباب.

هذه الخطوات ينبغي أن تحصل في إطار إصلاحات جريئة تتخللها برامج طموحة تؤسس لتخليص لبنان من الاعتماد الأعمى على الخارج والعودة إلى تطوير قواه الذاتية في الإنتاج الزراعي والصناعي والسياحة والخدمات المالية واستغلال احتياطاته من الغاز والنفط.

هذا المحتوى من

فيديو قد يعجبك:

إعلان

إعلان