جاريد كوشنر.. نظرة على "عالم مُهندس صفقة القرن"
كتبت- هدى الشيمي:
فاجأ الرئيس الأمريكي دونالد ترامب الجميع في عشية تنصيبه رئيساً للولايات المتحدة عام 2017، عندما أخبر رجل الأعمال النيويوركي مجموعة أشخاص في حفل عشاء رسمي إنه وجد أخيراً الرجل الذي سيحقق السلام في الشرق الأوسط، وهو صهره ومُستشاره لشؤون الشرق الأوسط جاريد كوشنر، أحد أبناء عائلة كوشنر الشهيرة في نيوجيرسي، وبات منذ ذلك الوقت معروفًا بـ "مُهندس ما تُعرف في الأوساط الإعلامية باسم صفقة القرن".
خاطب ترامب صهره أثناء العشاء:"إذا لم تكن قادرًا على تحقيق السلام في الشرق الأوسط، فلن يستطيع أحد". مُشيرًا إلى أنه طوال حياته يسمع أن جاريد كوشنر صانع صفقات ماهر، وشدد على أنه سيبلي بلاء حسنا، ومن المقرر الكشف عن النتيجة النهائية للجهود التي بذلها كوشنر على مدار السنوات الماضية، إذ يكشف ترامب عن تفاصيل الصفقة القرن، مساء اليوم، وسط غضب فلسطيني عارم وإدانة دولية لما يعتبر تجاهل للقوانين الدولية.
حسب تسريبات نقلتها صحيفة "يديعوت أحرنوت" الإسرائيلية فإن صفقة القرن تقترح إقامة دولة فلسطينية على مساحة 70 بالمئة من أراضي الضفة الغربية، ويمكن أن تكون عاصمتها بلدة شعفاط شمال شرق القدس.
بدأ من الصفر
قرر كوشنر البدء من الصفر، ورفض الإكمال من حيث انتهى غيره ممن حاولوا التوصل إلى خطة سلام تُنهي الصراع الفلسطيني الإسرائيلي.
قال آرون ديفيد ميلر، المفاوض الأمريكي السابق والذي طلب منه كوشنر الاستشارات في هذا الشأن، إن المستشار الشاب قال له صراحة "لا تتحدث معي عن التاريخ، قلت للإسرائيليين والفلسطينيين ألا يتحدثون معي عن التاريخ أيضًا".
ذكرت صحيفة الجارديان البريطانية، في تقرير على موقعها الإلكتروني، أن كوشنر حسم أمره وقرر حل الأزمة من خلال تسوية مقترحة، دون إجراء أي مفاوضات أو حتى التحدث إلى أحد الطرفين، مع تهميش واضح للسلطة الفلسطينية.
وذكرت يديعوت أحرونوت أن صفقة القرن تنص على الإبقاء على مدينة القدس المحتلة تحت "سيادة إسرائيل"، بما في ذلك الحرم القدسي الشريف والأماكن المقدسة التي تدار بشكل مشترك بين إسرائيل والفلسطينيين، فيما سيحصل الفلسطينيون على كل ما هو خارج حدود جدار الفصل المحيط بالمدينة المقدسة.
أثار تكليف ترامب لكوشنر بالتوصل إلى خطة سلام تُنهي الصراع طويل الأمد، جدلاً كبيرًا في الأوساط السياسية الأمريكية وفي العالم، لاسيما وأنها مهمة لم يتمكن عدد من المسؤولين والدبلوماسيين الذين لهم باع طويلة في السياسية من تنفيذها. تقول الجارديان إن كوشنر ليس لديه خبرة في دبلوماسية الشرق الأوسط، ولكن تجمعه علاقات عائلية قوية برئيس حكومة الاحتلال نتنياهو، والذي يواجه انتخابات صعبة في مارس المُقبل.
الرجل الثاني
لا تعد خطة السلام المهمة الوحيدة التي يتولاها كوشنر، باعتباره أحد كبار مستشاري الرئيس فإنه مسؤول أيضًا عن بناء الجدار الحدودي، وإصلاح نظام العدالة الاجتماعية، ومتابعة المحادثات الدبلوماسية مع الصين والمكسيك، علاوة على كل ذلك، هو المسؤول عن حملة إعادة انتخاب ترامب لرئاسة 2020، ويشرف على جمع التبرعات والاستراتيجيات الخاصة بالعملة والإعلانات.
قال براد بارسكيل، مدير الحملة الانتخابية الذي عينه كوشنر، لمجلة التايم: لا أحد في البيت الأبيض بنفس امتيازات ونفوذ المستشار الأمريكي، وتابع: "أنه الرجل الثاني بعد ترامب".
يعمل كوشنر في أصغر مكتب في الجناح الغربي، اختار الغرفة المجاورة لغرفة الطعام الخاصة بترامب، المخبأ المفضل للرئيس، حسب التايم.
وقال مُتدرب سابق في البيت الأبيض، إن المستشار الأمريكي يُحب أن يصطحب ضيوفه في جولة بالمكان، وأن يُريهم الباب السري الذي يسمح له بالدخول إلى غرفة الرئيس الخاصة، وهو المكان الذي اعتادت مونيكا لونيسكي استخدامه لمقابلة بيل كلينتون.
اعتبر عدد قليل جدًا من السياسيين في واشنطن وصول كوشنر إلى هذا المنصب جيدًا، ونقلت التايم عن مصادر مُطلعة أن مسؤولين في البيت الأبيض تذمروا فيما بينهم من قرار ترامب بتكليف صهره، 39 عامًا، بهذه المهام الثقيلة، وأن هذا القرار يجعل الإدارة تبدو غير كفء أمام العالم.
منفذ أجندة الرئيس
نشأ كوشنر، من أصول ناجية من الهولوكوست، في نيوجيرسي، وتربى وسط عائلة من اليهود الأرثوذكس، وكان والداه متبرعين للحزب الديمقراطي، وتجمعهما علاقات وثيقة برئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو، الذي قضى ليلته في غرفة كوشنر بينما كان صغيرًا.
حسب مسؤولين حاليين وسابقين وبعض السياسيين في واشنطن، فإن كوشنر لا يتعامل مع وظيفته باعتبارها مساعدة ترامب على اتخاذ قرار حكيم، ولكن يعتبر نفسه مُنفذ أجندة الرئيس.
منذ الأشهر الأولى في رئاسة ترامب، تمكن كوشنر وزوجته إيفانكا من إحكام قبضتهما على ما يحدث في البيت الأبيض، وهو ما أثار استياء رئيس موظفي البيت الأبيض السابق جون كيلي، الذي أصر على ألا تحدث أي لقاءات بين الرئيس والثنائي بدون العودة إليه وتحديد مواعيد، بدا في هذا الوقت أن تأثير كوشنر يتضاءل.
غير أن المستشار الأمريكي كان يعي جيدًا أن أي شخص يحاول السيطرة على ترامب والتحكم فيه لن يبقى في المكتب البيضاوي طويلاً، قالت التايم إن كوشنر استغل اللحظة المناسبة لتهدئة ترامب واحتواء غضبه من تصرفات كيلي، والذي قدم استقالته في نهاية المطاف.
تكرر الأمر مرة أخرى في نهاية عام 2017، حدث خلاف بين كوشنر ووزير الدفاع السابق جيمس ماتيس، ووزير الخارجية ريكس تيلرسون على خلفية اتخاذ قرار نقل السفارة الأمريكية من تل أبيب إلى القدس المُحتلة، تنفيذًا لأحد وعود ترامب الانتخابية.
حذر ماتيس وتيلرسون من أن هذا القرار سيخلق حالة من الغضب الشديد في المنطقة، وربما يعرض الأمريكيين والمصالح الأمريكي للخطر، ولكن الرئيس انحاز إلى صف زوج ابنته، وبعد أقل من شهر، علم تيلرسون بخبر إقالته عبر تغريدة على تويتر.
وقتها، رشح كوشنر رئيس مكتب الاستخبارات الأمريكية السابق مايك بومبيو ليخلف تليرسون، قبل الرئيس الاقتراح، وبات بومبيو أحد رجال ترامب المخلصين في الإدارة الأمريكية.
عزز تولي بومبيو وزارة الخارجية وجود كوشنر، وساهم في تعاظم نفوذه في البيت الأبيض، أوضحت التايم أن الرجلين يحملان نفس الأفكار والسياسات، كلاهما مؤيد لإسرائيل، شديد العداء تجاه إيران، كما أنهما لديهما مصالح تجارية مشتركة.
فيديو قد يعجبك: