تحليل: مقتل سليماني ضربة للخليج في سوق النفط لصالح ترامب!
برلين (دويتشه فيله)
مع مقتل اللواء قاسم سليماني يواجه العراق ودول مجاورة له مجددا مخاطر اندلاع أعمال عنف وعمليات عسكرية خطيرة تهدد بتعطيل إمدادات نفطها إلى السوق العالمية. ما تبعات ذلك على الدول المنتجة والمستهلكة ومن هو الرابح المتوقع؟
نائب الرئيس الأمريكي السابق جو بادين حذر من أن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب ألقى من خلال عملية مقتل اللواء قاسم سليماني "باصبع ديناميت في برميل بارود متفجر" معتبرا أن العملية "خطوة تصعيدية هائلة في منطقة خطيرة..". ووصفت واشنطن بوست الخطوة بأنها "تصعيد دراماتيكي يمكن أن يؤدي إلى عنف واسع النطاق في المنطقة وخارجها".
وهكذا فإن قتل سليماني، والمسؤول في الحشد الشعبي العراقي أبو مهدي المهندس يُدخل التوترات بين واشنطن وطهران وحلفائهما، لاسيما في العراق مرحلة تصعيد دراماتيكي وخطير للعنف في منطقة حيوية للاقتصاد العالمي. ففي هذه المنطقة الممتدة من العراق وحتى مضيق هرمز مرورا بالسعودية ودول الخليج يتم إنتاج وتصدير أكثر نحو ربع استهلاك العالم اليومي من النفط.
وبما أن العنف والخوف من تبعاته يشكل أبرز عوامل تحديد مسار تطور الاقتصاد وآفاقه، فإن الأيام القادمة ستكون كارثية بالنسبة لاقتصاديات الدول المعنية والاقتصاد العالمي على حد سواء في حال تبادل ضربات عسكرية بين الولايات المتحدة وإيران ولو ليضعة أسابيع، لاسيما وأن مسرحها الأساسي سيكون دول الخليج والعراق. ونخص بالذكر منها الدول التي تعتمد في اقتصادها على تصدير النفط بشكل شبه كامل كالعراق والسعودية، وتلك التي تعتمد بشكل كبير على استيراد نفط الخليج والعراق في تشغيل صناعتها كالصين والهند واليابان ودول آسيوية آخرى.
تراجع الأسواق العالمية
هذاوتزداد المخاوف عبر العالم من مواجهات عسكرية خطيرة ودوامة عنف جديدة بعد مقتل اللواء سليماني، قائد فيلق القدس في الحرس الثوري الإيراني والتهديدات الإيرانية والعراقية بالثأر لمقتله. وجاء على رأس قائمة المهددين بالثأر مرشد الجمهورية الإسلامية الإيرانية على خامنئي الذي توعد "بانتقام قاس" لمقتل قائد فيلق القدس.
وقد وصل صدى القلق بسرعة إلى وول ستريت والأسواق العالمية الأخرى التي تراجعت البورصات فيها خوفا من ارتفاع أسعار الطاقة ومعها تكاليف الإنتاج والنقل ما يعني تراجع التجارة العالمية. كما تراجعت تراجع عوائد السندات الأمريكية والأوروبية واليابانية وهربت مليارات الدولارات إلى ملاذات آمنة كالذهب والقيم الثمينة الأخرى. أما أسعار النفط فسجلت ارتفاعا وصل إلى أكثر من 3 دولارات لبرميل خام برنت الذي قفز سعره إلى نحو 70 دولارا.
الخوف سيد الموقف عربيا
وفي العراق الذي أضحى من أهم الدول المصدرة للنفط بدأ عمال وخبراء النفط الأمريكيين بمغادرة الأراضي العراقية بعدما دعت الخارجية الأمريكية صباح اليوم 3 يناير 2020 مواطنيها إلى مغادرة العراق بشكل فوري. ولا يقلل من التبعات السلبية لخطوة كهذه تأكيد السلطات العراقية على استمرار ضخ النفط بشكل اعتيادي واستمرار حركة الطيران في مطار بغداد الدولي.
وفي دول الخليج العربية وعلى رأسها السعودية تزداد المخاوف من تعرّض آبار ومنشأت نفطية حيوية لضربات عسكرية على غرار تلك التي أصابت شركة أرامكو السعودية في شهر سبتمبر الماضي 2019. وقد عطلت الضربة التي أصابت الشركة السعودية آنذاك نصف الإنتاج السعودي من النفط لعدة آسابيع. ويبلغ معدل الانتاج الحالي للرياض نحو 10 ملايين برميل يوميا.
كما أن التوترات ترفع تكاليف النقل والتأمين بشكل يترك آثارا سلبية على نمو الاقتصاد العالمي وخاصة على الصين والدول الصناعية الصاعدة التي تعتمد على استيراد النفط من الشرق الأوسط. وفي ألمانيا حذر خبراء في معاهد اقتصادية رئيسية من ضغوط إضافية على الاقتصاد والشركات الألمانية التي تعتمد على التصدير بشكل كبير. أما الاتحاد الأوروبي والصين وكندا ومصر والإمارات فدعت جميع أطراف النزاع إلى ضبط النفس ووقف التصعيد وحل الخلافات بالطرق الدبلوماسية.
آفاق سوداوية في العراق والخليج
تسمم التوترات الجديدة بغض النظر عن حجم وشكل ردود الأفعال الناجمة عنها، مناخ الاقتصاد في كل منطقة الشرق الأوسط وخاصة في العراق وإيران ودول الخليج العربية. ويزيد الطين بلة حشد المزيد من القوات الأمريكية في المنطقة بعد قرار واشنطن أمس الجمعة 3 يناير 2020 بإرسال 3000 جندي أمريكي إضافي إلى المنطقة. وهو الأمر الذي ينبئ بعمليات عسكرية تزعرع الثقة في العراق والسعودية وقطر وإيران ودول الخليج الأخرى كمصدر مستقر لإمدادات النفط والغاز بسبب المخاطر التي تحيط بخطوط وطرق نقله إلى مختلف أنحاء العالم.
وقد أظهرت خبرات الأشهر الماضية أن المخاطر المذكورة لا تؤدي فقط إلى ارتفاع الأسعار وحسب، بل أيضا إلى توقف عمليات الشحن والنقل لأوقات بقيت في حدود أيام معدودة. وقد جنب اللجوء إلى الاحتياطات النفطية المخزنة من قبل السعودية والولايات المتحدة ودول آخرى حتى الآن حدوث أزمة طويلة الأمد في سوق الطاقة العالمية. غير أن هذه الأزمة قد تحصل في حال حصلت مواجهات عسكرية تؤدي إلى تعطيل أو توقف الإمدادات والشحن في منطقة الخليج وعبرها ولو لعدة أسابيع.
تعزيز مكانة واشنطن في سوق الطاقة
ومما يعنيه مثل هذا التعطيل الكارثة لاقتصاديات العراق ودول الخليج العربية التي تعتمد على النفط والتجارة من حوله. أما الدول التي تعتمد على استيراد النفط من الدول العربية كالصين والهند واليابان وكوريا وغيرها فسوف تبحث عن بدائل استراتيجية كالغاز المسال ومشتقات النفط الصخري التي بدأت الولايات المتحدة بتصديرها إلى الاتحاد الأوروبي والهند والصين.
وكلما ارتفعت أسعار النفط، كلما تمكنت الولايات المتحدة من المنافسة أكثر في السوق من خلال زيادة إنتاجها من النفط الصخري المرتفع التكاليف مقارنة بنفط الدول العربية. الجدير ذكره أن الإنتاج النفطي الأمريكي وصل مؤخرا إلى مستويات قياسية بلغت نحو 13 مليون برميل يوميا إلى جانب احتياطات تصل إلى نحو 500 مليون برميل.
ومما يعنيه ذلك تعزيز قدرة واشنطن على سد أي نقص في السوق العالمية ليس لأسابيع وحسب، بل ولأشهر عديدة. وهو الأمر الذي يتوافق مع سعي الرئيس ترامب الحثيث حتى بالتهديد والوعيد والعقوبات إلى تعزيز دور الطاقة الاحفورية في الاقتصاد الأمريكي وزيادة الصادرات منها إلى السوقين الأوروبية والآسيوية.
ومع استمرار تعطيل ضخ النفط الإيراني والفنزويلي تصبح فرص واشنطن أقوى من أي وقت مضى على طريق احتلال موقع اللاعب الأقوى في سوق الطاقة التقليدية.
فيديو قد يعجبك: