هل تخدم انعزالية ترامب سياسته الخارجية أم تستقطب الأمريكيين؟
واشنطن - (د ب أ):
بعد نحو أربع سنوات من حكم الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، هل لا يزال الأمريكيون ملتزمين على نطاق واسع بسياسة خارجية عالمية؟ أم أنهم أصبحوا مستقطبين بشكل خطير بشأن قضايا تتعلق بكيفية تعامل الولايات المتحدة مع العالم، بل وكيف ينبغي أن تنظر البلاد إلى نفسها؟ يبدو أن الإجابة، وفقًا لدراسة استقصائية جديدة أجراها مجلس شيكاغو للشؤون العالمية، هي "كلا الأمرين".
لقد ثبت حتى الآن أن المخاوف من هروب الأمريكيين إلى الانعزالية تحت حكم ترامب لا أساس لها من الصحة، بحسب وكالة بلومبرج للأنباء. إلا أن مجالات رئيسية للخلاف ظهرت بين الديمقراطيين والجمهوريين، والتي يمكن أن تسبب عدم استقرار في التعاملات الأمريكية مع عالم غير مستقر.
ومنذ أن أعلن ترامب عن سعيه للترشح للرئاسة في 2015، انتقد مرارا منطق النزعة الدولية للولايات المتحدة. وقال في خطاب تنصيبه: "لقد جعلنا دولا أخرى غنية، بينما تلاشت ثروة وقوة وثقة بلادنا في الأفق". ومع ذلك لا يبدو أن معظم الأمريكيين يتبنون حجته بأن العالم يستغل قوة عظمى ساذجة وسخية للغاية.
وارتفع عدد الأمريكيين الذين يعتقدون أنه ينبغي على الولايات المتحدة أن تلعب دورا نشطا في الشؤون العالمية منذ أن وصل إلى أدنى مستوى عام 2014، حيث وصل إلى 68%. وأبدى أكثر من 70% من الأمريكيين تأييدهم لحلف شمال الأطلسي (ناتو) ومبدأ التشاور الوثيق مع الحلفاء.
وحتى وسط جائحة انتشرت عبر عالم مفتوح، ظل الدعم للعولمة مرتفعا (65%) كما كان في العقود القلائل الماضية. والمفارقة في رئاسة ترامب هي أنه يبدو أن الأمريكيين أصبحوا أكثر التزاما بالعديد من الترتيبات والسياسات التي هاجمها.
وهناك أيضا توافق ناشئ، وإن ظل غير مكتمل، بشأن الصين. وترى أغلبية صريحة (55%)، أن ظهور الصين كقوة عالمية يمثل تهديدا خطيرا للولايات المتحدة. وبالرغم من أن الجمهوريين أكثر تشددا من الديمقراطيين، فإن الاتجاه العام في السنوات الأخيرة هو الدعم المتزايد بين كلا الحزبين لنهج أكثر حدة. ويفضل الديمقراطيون والجمهوريون حاليا الإجراءات التي ربما كانت تبدو متطرفة قبل بضع سنوات فقط ، مثل معاقبة المسؤولين الصينيين المتورطين في انتهاكات حقوق الإنسان والحد من صادرات التكنولوجيا العالية إلى بكين.
والأغلبية العظمى في كلا الحزبين تؤيد إعطاء أسبقية لعلاقات واشنطن مع الحلفاء في منطقة المحيطين الهندي والهادئ، على علاقاتها مع الصين. ويستعد الشعب الأمريكي لمنافسة القوى العظمى.
ومع ذلك، وبالنظر عن قرب قليلا، سيبدأ التوافق الواسع في الآراء في التبدد. وعلى وجه الخصوص، هناك ثلاثة خطوط صدع حزبية في كيفية رؤية الأمريكيين للشؤون العالمية.
ويتعلق أحد تلك الصدوع بما إذا كان ينبغي على الولايات المتحدة أن تركز بشكل رئيسي على التهديدات الأمنية "الخشنة" أو "الناعمة". وعلى الرغم من أن الديمقراطيين يشككون في الصين، إلا أنهم قلقون أكثر بشأن التهديدات غير التقليدية التي يمكن أن تعرض استقرار وسلامة المجتمع الأمريكي للخطر دون إطلاق رصاصة مثل تغير المناخ ومرض كوفيد – 19 الناجم عن فيروس كورونا، وآثار عدم المساواة العرقية والاقتصادية، ضمن أمور أخرى. وفي الوقت نفسه ، من المرجح أن يحدد الجمهوريون القضايا الأمنية التقليدية - الصين وإيران والإرهاب - بالإضافة إلى المهاجرين واللاجئين باعتبارها التهديدات الرئيسية للولايات المتحدة.
ويرتبط الصدع الأول بالصدع الثاني الذي يتضمن مسألة الاعتماد على الذات مقابل التضامن. ولا يزال الديمقراطيون يميلون إلى الاعتقاد بأن الولايات المتحدة جزء من عالم أكبر، ويعتقد 80% منهم أن التصدي للتهديدات العابرة للحدود مثل جائحة فيروس كورونا سيتطلب تعاونا دوليا معززا.
وترغب غالبية من الجمهوريين (58%) في اكتفاء ذاتي أكبر .. ويعتقدون أن أفضل نهج لمواجهة المخاطر التي يجلبها التكامل هو عزل الولايات المتحدة عن العالم بشكل أفضل.
أما خط الصدع الثالث فهو الأكثر صراحة. إذ يؤمن الجمهوريون بشدة بالاستثنائية الأمريكية، حيث يوافق 80% منهم على أن الولايات المتحدة ليست فريدة من نوعها فحسب، بل إنها أعظم دولة في العالم.
وتراجع الدعم الديمقراطي لهذه الفرضية في عهد ترامب، حيث انخفض من 55% في عام 2016 إلى 35% فقط اليوم.
ومن المفارقات، أن الرئيس الأمريكي جادل مرارا وتكرارا بأن بلاده ليست أفضل من القوى العالمية الأخرى (حتى أنه دعا في الآونة الأخيرة إلى برنامج "للتعليم الوطني" في مدارس الدولة). وبعد أربع سنوات من مشاهدته وهو يعمل، يعد الديمقراطيون هم الأكثر اقتناعا بهذه النظرة.
ووجهة النظر المتشائمة إزاء هذه الانقسامات هي أننا ندخل حقبة من الاضطرابات المستمرة في السياسة الخارجية للولايات المتحدة.
وفي ظل قيادة الديمقراطيين والجمهوريين، ستظل الولايات المتحدة تقوم بدور مهم للغاية في الشؤون العالمية. لكنها ستتأرجح فيما يتعلق بقضايا مثل تغير المناخ والصحة العالمية وربما حتى المشاركة في اتفاقيات ومؤسسات التجارة الدولية مثل منظمة التجارة العالمية.
وسوف تختلف درجة تعدد الأطراف أو أحاديتها في السياسة بشكل كبير تبعا لكل إدارة. والمبادرات الكبرى التي اتخذتها إدارة واحدة قد لا تنجو من فترة الانتقال إلى إدارة أخرى.
وستصبح تغييرات ترامب المفاجئة فيما يتعلق بالعديد من سياسات عهد الرئيس السابق باراك أوباما هي القاعدة. ستكون الولايات المتحدة لاعبا مضطربا على نحو متزايد، وإن يكن قويا للغاية، وسوف يجعل الاستقطاب المحلي من الصعب تخطيط مسار ثابت ومتسق يمكن للأصدقاء والحلفاء اتباعه بثقة.
أو ربما لا تكون الأمور بهذا السوء. فليس من المستغرب أن نرى اختلافات حزبية (وحتى اختلافات حادة) داخل اتفاق أساسي حول الحاجة إلى أمريكا تكون نشطة عالميا. وبعض الانقسامات التي تبدو عميقة اليوم يمكن في الواقع تجاوزها ، من خلال سياسة تجعل الولايات المتحدة أقل اعتمادا على الصين، على سبيل المثال، من خلال تعميق اندماجها مع الديمقراطيات الصديقة.
وأخيرا، قد تكون بعض الانقسامات الحالية حول ترامب – وهو رئيس فريد من نوعه - أكثر من أي شيء آخر. ولا ينبغي لأحد أن يصدم إذا قرر الديمقراطيون مرة أخرى أن تصبح الولايات المتحدة دولة خاصة عندما يقودها مرة أخرى رئيس ديمقراطي.
ومن السابق لأوانه تجاهل قدرة أمريكا على تنفيذ نهج متماسك طويل الأمد تجاه عالم يعاني نقصا كبيرا في الاستقرار في كثير من الأحيان. وليس من السابق لأوانه أن نتساءل عما إذا كانت قوة عظمى تجد نفسها تتأرجح بسبب الانقسامات المحلية الخاصة بها قد ينتهي بها الأمر إلى مزيد من هذا التقلب.
فيديو قد يعجبك: