لم يتم العثور على نتائج البحث

إعلان

المثلية والدين: موقف البابا فرانسيس من المثليين يحرج المحافظين

02:11 م السبت 24 أكتوبر 2020

خلال لقاء مع الحجاج في الفاتكيان عام 2016

روما- (بي بي سي):

لم يعد سرّاً أنّ مواقف البابا فرانسيس الـ"تقدّمية" تحرج التيارات المحافظة في الكنيسة الكاثوليكية. وقد جاء التصريح المنقول عنه أخيراً، حول "حقّ المثليين بعائلة"، ليستفزّ معارضيه.

ولم يتردّد الكاردينال الأمريكي رايموند بورك، المعروف بمواقفه "السلبية" من البابا فرانسيس، بتوجيه انتقاد علنيّ للحبر الأعظم، قائلاً إنّ ما نقل عنه "يذرّ الارتباك في أوساط الكاثوليك، ويثير حيرتهم".

بدوره قال الأسقف الأمريكي توماس توبين، إنّ تصريح البابا يتعارض مع "تعاليم الكنيسة حول اقتران أشخاص من الجنس ذاته، ولا يمكن للكنيسة أن تدعم قبول علاقات غير أخلاقية"، بحسب تعبيره.

انتشر تصريح البابا المثير للجدل في وسائل الإعلام قبل يومين، بعد عرض فيلم وثائقي بعنوان "فرانشيسكو" في "مهرجان روما السينمائي"، يتناول مواقف البابا الأرجنتيني من الأزمات الراهنة في العالم.

وفي أحد مقتطفات الفيلم، يقول فرانسيس: "يحقّ للمثليين أن يكونوا ضمن العائلة. إنهم أبناء الله. ولديهم الحق أن ينتموا لعائلاتهم. لا يمكن طرد أحد من العائلة أو جعل حياته بائسة لسبب مماثل. يجب أن تكون هناك تشريعات لشراكات مدنية، وبذلك يحظون بتغطية القانون".

اختلفت وسائل الإعلام بشأن الترجمة الدقيقة لهذا الكلام عن لغة الأصل، ولكن من المؤكد أنّ هذا هو التصريح العلنيّ الأول لرأس الكنيسة الذي لا يتضمّن موقفاً سلبياً من ارتباط المثليين، سواء قصد حقهم بتأسيس عائلة، أو حقّهم بالانتماء لعائلاتهم التي ولدوا فيها.

موقف قديم

قبل أن يصل إلى رأس الكنيسة في العام 2013، كان الكاردينال خورخي بيرغوليو بطريركاً لبيونيس آيرس، حين كانت الأرجنتين أول دولة في أمريكا اللاتينية تسمح بزواج المثليين عام 2010.

وينقل المتابعون لمواقفه خلال تلك المرحلة، أنّه عارض زواج المثليين، لكنّه وافق على الشراكات المدنية بينهم كإطار لترتيب وضعهم القانوني.

ويرى محلّلون أنّ موقف فرانسيس الذي شغل العالم خلال اليومين الماضيين، ليس جديداً، وإن كانت وطأته أقوى لأنه يطلقه بصفته بابا، وليس بصفته أسقفاً.

مع العلم أنّ الجملة الواردة في الفيلم الوثائقي "فرانشيسكو"، جاءت خلال حديث أجراه البابا مع تلفزيون مكسيكي في العام 2019، لكنّها لم تبثّ، بل اقتطعها فريق الفاتيكان من شريط المقابلة قبل تسليمه للقناة.

وبحسب "نيويورك تايمز"، أتيح لمخرج الفيلم الوثائقي غيني أفينيفسكي الاطلاع على أرشيف الفاتيكان، فحاز على "الجائزة الكبرى"، عبر استخدام ذلك المقتطف القديم في فيلمه.

ويرى بعض المحللين أنّ المخرج الروسي الأصل والذي يحمل الجنسيتين الأمريكية والإسرائيلية، ربما تعمّد ألا يوضح مباشرة مصدر المقابلة القديمة، لكي يحقّق ضجّة إعلامية.

"الزواج يخصّ رجلاً وامرأة"

هذه ليست المرّة الأولى التي ينشغل فيها العالم بمواقف البابا فرانسيس الذي يبدو شخصية دينية من قماشة مختلفة، تجسّد بأدائها قطيعة مع ارث الكنيسة المتصلّب والمحافظ.

وغالباً ما تبثّ تصريحاته حول احتضان المثليين الحيرة، حول الفرق بين موقفه الشخصي وموقف الكنيسة كمؤسسة. ولكن، إذا عدنا إلى تعاليم الكنيسة الكاثوليكية الرسمية، سنجد أن موقف البابا لا يخالفها بشكل صريح، لكنّه يؤولها بطريقة "سمحة" تجاه فئة اجتماعية تقابل بالرفض والنبذ.

ويمكن الاطلاع على كتيّب تعاليم الكنيسة الكاثوليكية على الموقع الرسمي للكرسي الرسولي بكافة اللغات، ومنها العربية. ويتطرّق الفصل الثالث بعنوان "الحياة في المسيح" لمواضيع مثل الزواج والأسرة والسعادة والحريّة.

ويشير إلى أنّ الهدف من الزواج والأسرة "هو خير الزوجين وإنجاب البنين وتنشئتهم"، وأنّ الأسرة تتألف من "الرجل والمرأة المتحدين بالزواج مع أولادهما".

وفي فقرة بعنوان "العفة واللواط"، تشير التعاليم إلى أنّ الانجذاب إلى أشخاص من الجنس نفسه "فساد خطير"، وأنّه "يتعارض مع الشريعة الطبيعية لكونه يغلق الفعل الجنسي على عطاء الحياة".

وتعتبر التعاليم الرسمية أنّ ميول المثليين "محنة"، وتدعوهم إلى العفّة، وتحثّ على "تقبلهم باحترام وشفقة ولطف، وتحاشي كلّ علامة من علامات التمييز الظالم تجاههم".

وفي تصريحه الأخير، لم يتطرق البابا لموضوع الزواج، ولا لموضوع العفّة، بل أشار إلى ما قد يراه بعض الكاثوليك، أحد حلول "الرحمة" تجاه فئة مهمّشة اجتماعياً، عبر منحهم غطاءً قانونياً، من خلال تشريعات وضعية.

التعاليم والعقيدة

في التعاليم الكنسية، يعدّ الزواج سرّاً مقدّساً، في تقاليد لانت لكنها لم تتغيّر منذ مئات السنين. وكما يعرف، فإنّ الكنيسة تطلب من أتباعها العفّة، والامتناع عن الجنس خارج إطار الزواج، كما أنّها تحرّم الطلاق، إلا في حالات خاصة جداً، ويسمّى "بطلاناً للزواج".

وتتشدّد الكنيسة الكاثوليكية في كلّ ما يتعلّق بالأسرة، فتعدّ من أبرز الرافضين لوسائل تنظيم النسل والإجهاض، وهذا ما يمثّل أيضاً موقف الكثير من التيارات المحافظة والدينية في أوروبا والولايات المتحدة.

ولا تشكّل تصريحات بابا الفاتيكان أو مقابلاته الصحافية أو تفسيراته اللاهوتية إيذاناً بتغيير التعاليم الكنسيّة، لكنّها في حالة فرانسيس إيذان باعتماده مقاربة مختلفة لهذه التعاليم.

وتميّز الكاثوليكية بين العقيدة التي لا تمسّ، والتعاليم القابلة للتأويل. ويهتمّ ما يعرف بـ"مجمع العقيدة والإيمان"، بالحفاظ على العقيدة و"حمايتها من الهرطقة"، ويعدّ أقدم مؤسسات الكنيسة إذ تأسس في العام 1542.

ويقصد بالعقيدة الإيمان المسيحي الأساسي، وقد شهد التاريخ حقباً دمويّة، قبل الاتفاق على عقيدة موحّدة. ومن بين العقائد التي لا تمسّ أسرار الكنيسة، ومنها المعمودية والزواج والكهنوت.

أمّا التعاليم، فقد تتحوّل وتلين بحسب العصر، إذ يلاحظ المؤرخون اختلاف موقف الكنيسة عبر الزمن من قضايا مثل العبودية، والحريات الدينية، وتحديد النسل، وبعض الاختبارات الطبيّة، والعلوم على أنواعها، وحتى الإقرار بخلاص أتباع الأديان الأخرى الذي اعتمد في المجمع الفاتيكاني الثاني عام 1962.

"العصمة الباباوية"

لا يمكن للبابا أن يحدث تغييرات في العقيدة، ولكنّ المجمع الفاتيكاني الأوّل عام 1870 أقرّ ما يعرف بـ"العصمة الباباويّة". ولا يعني ذلك أنّه معصوم عن الأخطاء كفرد بحدّ ذاته، بل أنّه "ينال إلهام الروح القدس حين يتحدّث باسم الكنيسة، وحين يعمل بصفته راعياً للمسيحيين ومعلّماً لهم".

ويُعمل بهذه العقيدة في مواقف محدّدة، إذ تستوجب أن يكون قرار البابا صادراً عن "الكرسي الرسولي" أي كرسي القديس بطرس تلميذ المسيح الذي يعدّ الباباوات خلفاء له، وأن ينال مشورة المجامع المسكونية والأساقفة. ولا تعني اصدار عقائد جديدة، بل تفسير ما هو ثابت أساساً في الايمان.

وكما في كلّ المؤسسات الدينية، تتصارع التيارات الفكرية وتتضارب في عقر الكنيسة، وتلعب خلفيّة كلّ بابا دوراً في أدائه. فالبابا فرانسيس أوّل حبر غير أوروبي يحكم دولة الفاتيكان، منذ ألف عام.

يُضاف إلى ذلك نشأة الكاردينال بيرغوليو في أمريكا اللاتينية، وتشبعه بإرث لاهوت التحرير المنحاز للفقراء. كما أنّه يسوعي، أي أنّه ينتمي إلى تيار فكري يصبّ اهتمامه على إظهار الورع والإيمان من خلال فعل الخير، عوضاً عن التبشير العقائدي.

حبّ ورحمة

تختلف صورة البابا فرانسيس الاستثنائية عن صورة من سبقوه، لأنّها تبدو أكثر انفتاحاً وتسامحاً. وقد يرى بعض معارضيه في الكنيسة، أنّه يغازل "الليبراليين"، ويقدّم تنازلات على حساب العقيدة "القويمة"، بحسب تعبيرهم.

فيما يرى مناصروه أنّ "العقيدة القويمة" في المسيحية، تعني اللين وليس الصلابة، والنعومة وليس الجلافة. ففي كلّ عظاته، يركّز فرانسيس على الحبّ، والحنان، والعطاء، والرحمة، وذلك برأي بعض المفسرين هو جوهر الرسالة المسيحية.

ويرى الكاتب الأمريكي وليام ساليتان في موقع "سلايت" أنّ مواقف البابا حول المثليين والعائلة وغيرها من القضايا التي توصف بأنّها "ليبرالية"، لا تعني أنّه مهتمّ بهذه المواضيع، بل أنّه يحاول "التخلّص منها"، لإفساح المجال أمام شؤون تهمّه حقاً، مثل المهاجرين، والعمال، والسجناء، والمشردين.

صحيح أنّ البابا فرانسيس يتخذ مواقف متقدّمة لإعطاء الكاثوليكية جدوى خارج دوائر المحافظين، إلا أنّ أولوياته في مكان آخر، وتحديداً في الدور الذي يمكن أن تلعبه الكنيسة في مساعدة الفقراء، وتحقيق العدالة الاجتماعية، ومكافحة التغيّر المناخي.

هذا المحتوى من

فيديو قد يعجبك:

إعلان

إعلان