بخلاف الحروب التقليدية.. تقرير أمريكي: صراعات المستقبل ستكون فضائية
واشنطن- أ ش أ:
عندما أطلقت روسيا بنجاح في أغسطس الماضي أول "طوربيد فضائي موجه" كان ذلك بالنسبة لمخططي السياسات الدفاعية في البنتاجون إيذانا بتدشين سيناريوهات جديدة لشكل حروب المستقبل وهي حروب ستختلف اختلافا جذريا عن الحروب التقليدية التي اعتادتها شعوب وجيوش العالم على اختلاف قدراتها ومستويات تقدمها على مدار عقود طويله.
وترى دورية "ميلتري تايمز" الأمريكية - في تقرير خاص عن مستقبل أشكال الحروب في العالم - أن اتساع نطاق الحروب الأرضية إلى أجواء الفضاء الخارجي سيكون كارثة حقيقية ربما تتجاوز في آثارها ما ينجم عن الضربات النووية كوارث ودمار للدول، وتؤكد الدورية الأمريكية على أن الحروب الأرضية بكل شرورها لا يتعين أن تنتقل إلى الفضاء، لكن الدورية الأمريكية نبهت إلى ما هو أشد خطورة من الحروب التقليدية وهي الحروب الإعلامية التي تستهدف زعزعة استقرار الجبهات الداخلية للدول.
وعلى الجانب الدفاعي.. يتوقع المراقبون ألا تشهد الأرض مستقبلا حروبا مسلحة من الطراز التقليدي سوى في حالات مكافحة الإرهاب أو المعارك الإقليمية محدودة النطاق، لكن ذلك بطبيعة الحال لن يقلل من أهمية الجيوش التقليدية التي ستبقى بعددها وعتادها وكفاءة تدريبها عامل للردع الدفاعي يحفظ استقرار الأوطان ويكافح الإرهاب يحمى السلام.
أما على الجانب الهجومي، يقول المراقبون إن الشكل الآخر الأكثر احتمالا في أن يكون بديلا عن الحروب التقليدية من حيث التأثير التدميري للجبهات الداخلية لدول بعنها هو حروب الإعلام وحروب الشائعات وحملات التأثير النفسي على الشعوب والجماعات وإثارة الفتن الداخلية من خلال أنشطة المخابرات وأشكال النشاط السري والعمل الهدام وهو ما سيحلق بالمجتمعات - غير الواعية لهذا النوع من حروب الجيل الرابع - هزائم منكرة تعادل في خطورة أشد الحروب التقليدية شراسة وفتكا بالدول من داخلها.
ويزيد من خطورة التهديد الناتج عن "الحروب الإعلامية الموجهة" بحسب خبراء الحرب النفسية كون هذا الطراز من الحروب لا توجد له أي "دفاعات مضادة" سوى درجة وعي الشعوب وانتباهها لمحاربة الشائعات وكفاءة الأجهزة الإعلامية في هذا البلد أو ذاك لضحد حملات التعبئة الإعلامية المضادة، وإلى جانب ذلك قدرة أجهزة الأمن الوطني في تلك الدول على لجم أنشطه الجماعات الآثارية وتعجيزها عن استخدام وسائل التواصل الاجتماعي والفضائيات كوسيط لتنفيذ مخططاتها، وعندها - وبحسب التقرير - "ستكون للقلم وللرصاصة فوهة واحدة.. وستكون معركة بناء وعي الشعوب هي مفتاح النصر الحاسم".
ووفقا للعلم العسكري، يرجع تشابك مصير الحروب الأرضية والفضائية إلى حقيقة اعتماد المرامي المؤثرة للضربات الصاروخية الباليستية أو الجوية في المقام الأول أو صواريخ الكروز على نظام تحديد الموقع (جي بي إس) عبر الخرائط الفضائية واعتماد نظم توجيه تلك الصواريخ على منظومات رقمية معقدة تعتمد في المقام الأول على شبكات الأقمار الاصطناعية العسكرية السابحة في خارج طبقات الغلاف الجوى القريبة من سطح الأرض.
وتقوم نظرية عمل "الطوربيدات الفضائية" التي أطلقتها روسيا في أغسطس الماضي على استهداف نظم التوجيه الفضائي للصواريخ والمقذوفات الأرضية بعيدة المدى وتدمير الأقمار الاصطناعية التي تقوم بعملية التوجيه لتلك المقذوفات الأرضية صوب أهدافها المحددة على خرائط الـ"جي بي إس" المحددة لنقاط المواضع.
فعند قطع الاتصال بين منصات الصواريخ أو نقاط الإطلاق النيراني في المقاتلات المتطورة بعيدة المدى من الجيل الخامس يحدث شلل تلقائي للمقذوفات الصاروخية الأرضية والجوية وحتى مقذوفات الكروز البحرية؛ حيث ستكون مقذوفات عمياء بالمعنى الحرفي للكلمة وتكون عاجزة عن تحديد أهدافها بدقة عبر حواسيب إطلاقها.
و يتوقع الخبراء أن تطلق "طوربيدات الفضاء" الروسية سباق تسلح؛ بحثا عن سلاح مضاد لهذا النوع من الصواريخ الفضائية بالقدر الذي يوفر الحماية اللازمة للأقمار الاصطناعية العسكرية التي تقوم بمهام التوجيه النيراني على الأرض صوب الأهداف المعادية المحددة بنقاط "جي بي إس" لتحديد المواضع، فالطوربيدات الروسية بإمكانها إخراج الأقمار الاصطناعية عن مساراتها المحددة ومن ثم إبطال فاعليتها.
وإذا كان نجاح الحروب التقليدية لا يدمغ بخاتم النصر بدون ترجمة آثاره عمليا على "الأرض"، يبين "طوربيد الفضاء الروسي الجديد" أنه لن توجد انتصارات على الأرض في الحروب الدول الكبرى ما لم تعززها أولا "انتصارات في الفضاء الخارجي" وهو ما بات قادة المؤسسة العسكرية الأمريكية يستشعرونه عن قناعة تامة عبرت عنها قرارات إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب باستحداث ما يسمى بالقيادة الفضائية في البنتاجون مطلع العام الجاري كمرحلة أكثر تطورا لقيادة القوات "الجوفضائية" الأمريكية المستحدثة منذ أعوام قليلة.
ويقول الجنرال جون شاو قائد القيادة الفضائية المشتركة في البنتاجون إن العجز في الوصول إلى سلاح مضاد لاعتراض "طوربيدات الفضاء الروسية" سيجعل من الطائرات المسيرة بدون طيار سلاحا بلا قيمة؛ حيث لن تتمكن من التوجه صوب أهدافها في حالة انقطاع اتصالها بأقمار التوجيه الاصطناعية، بل حتى المهام الاستطلاعية غير الهجومية للمقاتلات التي تعمل بدون طيار "درونز" سيكون من الصعب إنجازها طالما فقدت تلك الطائرات اتصالها بالأقمار الاصطناعية الفضائية التي تعد وسيط التواصل بين الطائرات المسيرة وقياداتها على الأرض، فعبرها تتلقى الطائرات المسيرة تعليمات التصوير الاستطلاعي والاستهداف النيراني وتعليمات العودة والإقلاع والتشغيل والمناورة.
ويؤكد الجنرال شاو أنه برغم كونه قائدا لقوات الدفاع الفضائي الأمريكية، فإنه لا يتمنى أن يخوض العالم غمار حروب فضائية الشاملة لأن آثارها على الأرض ستكون مدمرة، ويحذر الجنرال شاو من تبعات انتقال حروب العالم من الأرض إلى الفضاء وما سيحدثه ذلك من سباقات تسلح غير تقليدية على سطح الكرة الأرضية من جانب أعداء الولايات المتحدة.
لكن للجنرال شون براتون نائب قائد القوات الفضائية الأمريكية رأى آخر فهو يرى أن المواجهات المسلحة في الفضاء - برغم كل شرورها - ستعجل بحسم الصراعات المسلحة على الأرض، وستكون الحروب الفضائية بمثابة عامل ردع قوى ربما يمنع أصلا نشوب الحروب على الأرض في مناطق كثيرة من العالم، كما سيكون للأسلحة الفضائية القدرة على تعزيز الحرب على الإرهاب.. مستشهدا على ذلك بأن اصطياد قائد فيلق القدس في الحرس الثوري الإيراني قاسم سليماني في العراق لم يكن سوى ثمرة استخدام التكنولوجيا الفضائية وتطبيقاتها في المراقبة والرصد والاستهداف على الأرض.
وفي مقابلته مع الدورية العسكرية الأمريكية "ميليترى تايمز"، يرى الجنرال الأمريكي براتون - الذي يعد الرجل الثاني على سلم قيادة القوة الفضائية العسكرية في البنتاجون - أن "حروب الفضاء هي واقع وقدر محتوم"، مبديا مخاوفه من شيوع آراء تهون من شأن حروب الفضاء أو تصورها وكأنها من فنون الخيال العلمي، ويقول: "لقد كانت حروب الفضاء دربا من الخيال العلمي في السينما العالمية قبل 4 عقود.. أما وقد صارت الآن واقعا، فالويل كل الويل للمتشككين في التعامل معها كطراز جديد لمعارك المستقبل القريب".
ونبه كذلك القائد العسكري الأمريكي المسئول عن حروب الفضاء - في تصريحاته - من أن "أعداء الولايات المتحدة لن تأخذهم الرحمة بنا ما لم نحقق السبق عليهم في حروب الفضاء".
هذا المحتوى من
فيديو قد يعجبك: