لم يتم العثور على نتائج البحث

إعلان

ماذا تعرف عن الكاتبة التي "تنبأت" بعهد ترامب بدقة قبل سنوات؟

03:00 ص السبت 07 نوفمبر 2020

قبل الانتخابات الرئاسية الأمريكية لعام 2016 بأسابيع، كانت نتائج استطلاعات الرأي ترجح فوز هيلاري كلينتون. لكن الكاتبة المسرحية، لين نوتاج، كان يخالجها بعض الشك.

وزارت نوتاج مدينة ريدينغ بولاية بنسلفانيا مرات عديدة بينما كانت تجري أبحاثا لكتابة مسرحيتها حول التغيرات الاجتماعية التي أفرزها تراجع التصنيع. وتحدثت نوتاج وفريقها من المتدربين مع المئات من سكان هذه الولاية المتأرجحة. وكان القليل منهم متحمسا لانتخاب كلينتون.

وتحدث بعض ذوي البشرة البيضاء الذين شاركوا في المقابلات عن الانقسامات الثقافية والاضمحلال الاقتصادي والارتياب من المواطنين الذين ينحدرون من أصول لاتينية، ولا سيما المهاجرين حديثا. وتقول نوتاج معلقة: "وهي نفس العبارات التي دأب ترامب على ترديدها، وقد كانت مشحونة بالحقد والكراهية".

وكانت هذه الحوارات مصدر إلهام لنوتاج، التي استوحت منها مسرحيتها "العَرَق" ( Sweat)، وهي مسرحية متشعبة ومتداخلة تدور أحداثها في مدينة كانت مركزا لمصانع أنابيب الفولاذ، ونالت عنها نوتاج جائزة بوليتزر للمرة الثانية.

وعلى الرغم من أن نوتاج أجرت أبحاثها عن مسرحيتها "العرق"، التي عرضت للمرة الأولى في مؤسسة المسرح العام بنيويورك، وكتبتها في عهد الرئيس الأمريكي باراك أوباما، قبل أيام من انتخابات 2016، فإنها أصبحت واحدة من أفضل الأعمال التي تجسد عهد الرئيس دونالد ترامب. ووصفتها جريدة "نيويوركر" في عام 2017 بأنها "أول معلم مسرحي لعهد ترامب".

وشرعت نوتاج في كتابة مسرحيتها في عام 2011، عندما كلفها مهرجان شكسبير بولاية أوريغون بكتابة مسرحية ضمن سلسلة مسرحيات جديدة عن الثورات الأمريكية تحت عنوان "المنعطفات في التاريخ الأمريكي".

واختارت نوتاج أن تكتب عن تراجع التصنيع في الولايات المتحدة، أو انكماش القطاع الصناعي الذي بدأ في السبعينيات من القرن الماضي، ولا يزال صداه يتردد في الوقت الراهن.

وكانت نوتاج وقتها قد تلقت رسالة من صديقتها الأم العزباء، التي اعترفت لها بأنها كانت تعاني من ضائقة مالية شديدة لشهور. وتقول نوتاج: "هذه الرسالة ينفطر لها القلب، لأنها لم تستطع أن تبوح لنا بضائقتها وتطلب المساعدة إلا بعد فترة طويلة. وتساءلت 'أي مجتمع هذا الذي يتوارى فيه الناس عن الأنظار عندما يعانون من أزمة مالية خانقة، وكيف يكشف ذلك عن حقيقة مجتمعنا؟'"

لكنها أرادت أن تكشف عن الأزمات المالية على نطاق أوسع. وبعد أن أمضت يوما مع صديقتها في احتجاجات وول ستريت، شرعت في البحث عن قصص لتثري بها مسرحيتها. وزارت ريدنغ، التي كانت مركزا صناعيا في الماضي، لدراسة تداعيات تقليص النشاط الصناعي على حياة المواطنين. وبعد عشرات الزيارات على مدى عامين، بدأت نوتاج في الكتابة.

الكاتبة المسرحية لين نوتاج نالت جائزة بوليتزر للمرة الثانية عن مسرحية "العرق" (سويت)، وقد نالتها للمرة الأولى في عام 2009 عن مسرحية "المحطم"

وسبرت نوتاج أغوار الانقسامات في المجتمع الأمريكي المعاصر، وكشفت عن التصدعات العنصرية والطبقية التي تنذر بتمزق المجتمع وانهيار ركائزه. وشعرت أثناء كتابة مسرحيتها كما لو كانت تحمل مطرقة في يدها. وتقول: "كدت استشيط غضبا من غفلة الناس. وأردت أن أضربهم وأقول 'ألا ترون ما أرى؟'"

وتستكشف المسرحية، التي تتنقل أحداثها بين عامي 2000 و2008، العواقب الوخيمة لإغلاق المصانع على المجتمعات. وتدور أحداث "العرق" في حانة مغمورة، يرتادها عمال من مصنع للأنابيب الفولاذية، وتركز على قصة تريسي، البيضاء، وسينثيا، صاحبة البشرة السمراء.

وتقول سينثيا، التي عملت في المصنع لعقدين، متذكرة اللحظات السعيدة: "عندما كنت أرتدي سترتي، كنت أشعر أنني أنجرت شيئا. وعندما حصلت على بطاقة النقابة، تملكني الزهو وأصبحت لا أكترث بأحد. وأحيانا عندما كنت أتسوق، كنت أتظاهر بأن البطاقة سقطت من حافظة نقودي حتى يراها الآخرون".

وترقت سينثيا وتولت منصبا إداريا، وهدد المصنع، الذي كان يرغب في تنفيذ بعض الأعمال في المكسيك للاستفادة من العمالة الرخيصة هناك، بإيقاف العمال الأقل خبرة عن العمل إذا لم يقبلوا بخفض الرواتب بنسبة 60 في المئة. وحينئذ انقطعت أواصر الصداقة بين سينثيا وبين تريسي وأطلت العنصرية برأسها.

وفي الوقت نفسه، شعر ابناهما، اللذان كانا قد تسلما العمل في المصنع حديثا، بالغبن والظلم بسبب إيقافهما عن العمل وارتكبا عنفا شنيعا.

وتتناول نوتاج في معظم أعمالها الشخصيات المهمشة، مثل النساء اللائي وقعن ضحية لعصابات الإتجار بالبشر في مسرحيتها "المُحطم" في عام 2007، أو الخيّاطة المهملة في مسرحيتها "الملابس العزيزة" في عام 2003.

لكن في مسرحية "العرق" تناولت أشخاصا لم يفطنوا قط إلى أنهم مهمشون، بل ويعتقدون أنهم في قلب المجتمع وليس على هامشه.

تدور أحداث مسرحية "العرق" في حانة يرتادها عمال في مصنع للأنابيب الفولاذية، وتسلط المسرحية الضوء على الصداقة المتصدعة بين تريسي، البيضاء، وسينثيا، صاحبة البشرة السمراء

وكان العرض الافتتاحي لمسرحية "العرق" في مهرجان شكسبير بولاية أوريغون في عام 2015، حين بدت فكرة وصول رجل الأعمال ترامب لسدة الرئاسة لدى البعض كمزحة. وفي الصيف اللاحق، عرضت في مسرح أرينا (الساحة) في واشنطن. وشاهدت روث بادر جينسبرغ، القاضية بالمحكمة العليا العرض مرتين. وتقول نوتاج: "أتذكر جسمها النحيف وسط الحضور ووقوفها في نهاية العرض".

وعندما عرضت في نيويورك، كان المشهد السياسي قد تغير تماما، وبدت المسرحية كأنها كانت تصف المستقبل بدقة بالغة، وتدق ناقوس الخطر. فقد تنبأت بالعوامل والأسباب التي أدت إلى فوز الحزب الجمهوري في الولايات المتأرجحة.

وبعد الانتخابات، تغيرت المشاعر في المسرح. وتقول نوتاج: "أدرك الناس فجأة للمرة الأولى المعاني التي تحملها المسرحية بين ثناياها." واستشعر الممثلون الكلمات، مع أنهم كانوا يخشون من رد فعل الجمهور، الذي ينتمي معظمه للتيار الليبرالي، حيال هذه الشخصيات.

وتقول نوتاج: "شعر الممثلون بالخوف والتوتر في آن واحد. إنها تلك اللحظة التي يلتقي فجأة فيها الفن بالواقع على المسرح". ثم عرضت المسرحية في أحد مسارح برودواي في عام 2017.

لكن تأليف عمل فني خصيصا لعهد ترامب، قد يبدو مخالفا للهدف الذي صنع من أجله. فعلى النقيض من أوباما، لا يقرأ الرئيس الأمريكي الحالي الكتب بقصد المتعة ولا يكتب كثيرا خارج موقع "تويتر". وعندما نشرت مقالة بصحيفة نيويوركر عن هذا الشأن، انتابت نوتاج مشاعر مختلطة. وتقول: "قلت لنفسي لا أريد أن ترتبط المسرحية بترامب، وشعرت أن ذلك يشين العمل الفني".

وفي عام 2018، عرضت مسرحية "العرق" في 18 مدينة في خمس ولايات متأرجحة، وأثارت جدلا واسعا. وتنفرد المسرحية بأنها تتناول مشاكل ظلت ولا تزال معاصرة. فهي تعد واحدة من أفضل الأعمال الفنية التي تناقش قضية "هشاشة ذوي البشرة البيضاء"، وهو المفهوم الذي صاغته روبين دانغيلو للإشارة إلى الغضب والضيق الذي ينتاب أصحاب البشرة البيضاء عندما يواجَهون بحقيقة التمييز العنصري والتحيز لذوي البشرة البيضاء حتى لو كانوا ينتمون للطبقة العاملة.

ومهدت مسرحية "العرق" لانطلاق أعمال أخرى تستكشف العواقب الوخيمة للتحيز للذكور البيض وتفضيلهم على الفئات الأخرى في المجتمع، مثل مسرحية "نظرة عادلة" (فيرفيو) لجاكي سيبليز دروري، و"التجاهل" (باس أوفر) لأنتوانيت نواندو، و"ما الذي سيصعد لأعلى عند الانحدار"، لأليشيا هاريس، و"أبطال المنعطف الرابع" لويل أربري.

وأضفت رئاسة ترامب معان جديدة لبعض الأعمال التي كتبت في عهد أوباما، مثل "هيدزتاون" لأنايس ميتشيل، و"ما الذي يعنيه الدستور لي" لهايدي شريك.

وبعد أن تنبأت نوتاج بنتائج الانتخابات الرئاسية في عام 2016، ما هي تكهناتها عن الانتخابات الحالية؟ عندما تحدثت نوتاج عبر "زووم" في مستهل أكتوبر/تشرين الأول بعد الإعلان عن إصابة الرئيس بفيروس كورونا المستجد، قالت: "ما من أحد يمكنه توقع كيف ستسير الانتخابات القادمة. لكني أعتقد أنها ستظل محفورة في الذاكرة لسنوات طويلة".

يمكنك قراءة الموضوع الأصلي على BBC Culture

هذا المحتوى من

فيديو قد يعجبك:

إعلان

إعلان