الصراع في تيجراي: لماذا أرسل آبي أحمد قواته إلى ساحات القتال؟
أديس أبابا- (بي بي سي):
قال رئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد، عندما نال جائزة نوبل للسلام قبل أقل من عام إن "الحرب تخلق رجالًا عنيفين ومتوحشين بلا رحمة"، وهو نفسه الآن يخوض حرباً شرسة في بلاده.
خلال ثلاثة أسابيع، شقّت قواته طريقها عبر تيجراي، الواقعة في شمال إثيوبيا، للإطاحة بالحزب الحاكم في الإقليم، جبهة تحرير شعب تيجراي، بعد اتهام الجبهة بمهاجمة قاعدة عسكرية فيدرالية هناك.
وكانت الجبهة التي خاضت حرب عصابات في السابق وصلت إلى السلطة لأول مرة عام 1991، وكانت تيجراي آخر معقل سياسي للجبهة بعد أن خسرت السيطرة على الحكومة الفيدرالية لصالح آبي في عام 2018.
وأصبح آبي رئيساً للوزراء بدعم شعبي، حيث أدخل إصلاحات واسعة لإنهاء القمع والفساد اللذين شهدتهما إثيوبيا عندما هيمنت الجبهة الشعبية لتحرير تيجراي على المشهد السياسي الوطني لأكثر من 25 عاماً.
الشرطة تحذر المرشح الحائز على نوبل للسلام
وإيماناً منهم بأنه من واجب جميع الإثيوبيين تلبية دعوة رئيس وزرائهم، في 4 نوفمبر، لطرد "الطغمة العسكرية" من معقلها الأخير بعد عمليتها العسكرية الدراماتيكية، لم يتقبل المسؤولون الفيدراليون أدنى الإنتقادات لـ "عملية تطبيقالقانون" لدرجة أنهم لم يتقبلوا ذلك حتى من أكاديمي مقيم في المملكة المتحدة والذي كان من بين أولئك الذين رشحوا آبي لجائزة نوبل.
وقال أوول ألو، وهو محاضر كبير في القانون في جامعة كييل في انكلترا ، إنه علم من خلال تقارير بثت على الإذاعة الحكومية الإثيوبية أن الشرطة اتهمته "باستخدام وسائل الإعلام الدولية لتدمير البلاد" في إشارة إلى الأعمدة التي يكتبها والمقابلات التي أجراها مع قنوات مثل الجزيرة وبي بي سي.
وقال أوول لبي بي سي: "في هذه المرحلة، لا أعلم إن كان هناك أمرٌ بتوقيفي أم لا، ولكن العودة إلى إثيوبيا مجازفة كبيرة".
"لا يوجد الآن فرق بين نظام آبي والنظام السابق من ناحية التعامل مع المعارضة وأصحاب الرأي المخالف. إننا إزاء إثيوبيا الكلاسيكية - حيث يُستخدم القانون فيها كأداة لتشويه سمعة المعارضين وأصحاب الآراء المخالفة بغرض إسكاتهم".
"أوليغارشية التيجراي"
كما لم يسلم رئيس منظمة الصحة العالمية في جنيف الدكتور تيدروس أدهانوم غيبريسوس من حملة حكومة آبي أحمد.
بعد أن خدم سابقاً في الحكومة التي تقودها جبهة التحرير الشعبية لتحرير تيجراي، اتهمه قائد جيش آبي أحمد بمحاولة شراء أسلحة للحزب.
ونفى تيدروس هذا الادعاء قائلاً: "قلبي حزين جداً على بلدي إثيوبيا، وأدعو جميع الأطراف إلى العمل معاً من أجل إحلال السلام وضمان سلامة المدنيين والحصول على المساعدات الصحية والإنسانية".
وفي دفاعه عن الحكومة، قال مينيشل ميسيرت، الأكاديمي في جامعة غوندار الإثيوبية، إنه يتم استهداف من يشتبه في أن لهم صلات مباشرة أو غير مباشرة بـ "أوليغارشية" جبهة تحرير تيجراي.
"منذ أن أصبح آبي رئيساً للوزراء، رفع الحظر عن 264 موقعاً إلكترونياً. لذا فإن ما يحدث الآن لا يعكس بشكل تام وضع الديمقراطية في إثيوبيا. كانت البلاد تواجه تهديداً".
ويوضح مينيشل"شنت الجبهة الشعبية لتحرير تيجراي هجوماً استباقياً على القيادة الشمالية للجيش ولا يمكن لدولة تقبل ذلك".
ويقول أوول إن القضية ليست مَن أطلق الطلقة الأولى، ولكن حقيقة أن آبي رفض دعوات الوساطة، بما في ذلك تلك التي أتت من الإتحاد الأفريقي الذي يقع مقره في بلده.
"ما تحتاجه البلاد هو حكومة تتحلى بالمزيد من الصبر والتسامح وتمنح السلام والوساطة فرصة، وبدلاً من ذلك، كان الطرفان يستعدان لخوض الحرب".
"أزاح آبي جبهة تحرير تيجراي عن الحكم في عام 2019. ثم أجل الانتخابات، ثم مضت الجبهة الشعبية لتحرير تيجراي قدماً في إجراء الانتخابات في تيجراي قائلة إنها لا تعترف بآبي كرئيس للوزراء، ورد الآخير إنه لا يعترف بها، مما أدى إلى اندلاع الحرب".
وتقول الحكومة إن الانتخابات أجلت على مستوى البلاد بسبب القيود المفروضة للحد من انتشار فيروس كورونا، لكن معارضي آبي يتهمونه باستخدام ذلك ذريعة لإطالة فترة بقائه في السلطة بشكل غير قانوني. لم يواجه آبي أحمد أو حزبه الجديد صناديق الإقتراع".
يقول رئيس الوزراء السابق هيليماريام ديسالين، أن الوساطة الخارجية غير واردة لأنها ستسفر عن "اتفاق سلام ينهار غالباً بمجرد التوقيع عليه وستكافئ الجهات المارقة على إثارتها للعنف" بدلاً من مواجهة العدالة.
لكن معارضي آبي لا يعتقدون أن هناك عدالة في إثيوبيا بل هناك القمع فقط.
وقال أوول: "في يوليو الماضي، كان هناك حوالي 10 آلاف شخص في السجون. وربما يكون العدد قد ارتفع الآن بسبب الصراع في تيجراي".
ويرى بايتون نوب، كبير المستشارين في معهد الولايات المتحدة للسلام نفس وجهة: "لقد أوصدت الأبواب أمام العمل السياسي مرة أخرى".
رموز المعارضة يقبعون خلف القبضان، كما يخضع وزير الدفاع السابق ليما ميغرسا للإقامة الجبرية، رغم أنه لعب دوراً أساسياً في وصول آبي لرئاسة الوزراء في عام 2018".
لكن مينيشل يقول إن آبي أحمد أنهى الحكم الاستبدادي.
"فقد رفع الحظر عن الأحزاب السياسية، وقام بتحسين أوضاع السجون، وسمح للناس بالعودة من المنفى. كانت المشكلة أن بعض الساسة بدأوا في إثارة العنف بسبب أجندتهم العرقية".
وأضاف مينيشل: "في إحدى التجمعات، قُتل شاب وعلق على عمود. لا يمكنك التسامح مع مثل هذه الأمور".
"في عام 2018، كان هناك حوالي 1.8 مليون نازح داخلياً، وهو أعلى معدل في إفريقيا. هذا يعرض أمن البلاد للخطر" .
آبي أحمد، الإمبراطور الجديد!
وأضاف أن السبب الاساسي للصراعات التي لا تعد ولا تحصى في البلاد هو "الفيدرالية العرقية" التي اقامتها الجبهة الشعبية لتحرير تيجراي عندما وصلت إلى السلطة في عام 1991 من خلال إنشاء أقاليم على أسس عرقية.
وقال مينيشل: "الفيدرالية العرقية كانت مصدر بؤسنا. لقد جعلت الجماعات العرقية تعتقد أن لديها أقاليمها الخاصة، وإذا كنت تنتمي إلى مجموعة عرقية مختلفة، فلم يكن بوسعك العيش هناك لأنك كنت ستتعرضللمطاردة والحرق والقتل".
أما معارضي آبي، فيرون أن إلغاء الفيدرالية العرقية من شأنه إعادة البلاد إلى زمن "الحكم الإمبراطوري"، عندما أجبر الأباطرة - من مينليك الثاني إلى هايلا السلاسي - الاقليات الأخرى على "الانصهار" في ثقافة الأمهرة، إلا أن العديد من أبناء الأمهرة ينفون ذلك.
ويقول فيصل روبل من معهد دراسات وشؤون القرن الأفريقي ومقره الولايات المتحدة: "إن رؤية آبي لهيكل السلطة تبدو أكثر فأكثر أشبه بهيكل السلطة التقليدية التي كانت سائدة تاريخياً في إثيوبيا وهي تتمحور حول الأمهرة والأورومو المنصهرين جداً على شاكلة آبي أحمد".
وأضاف: "إنه يثني على الإمبراطور مينليك الثاني وأعاد بناء قصره. يقول إنه يريد أن يجعل إثيوبيا عظيمة مرة أخرى، لكن إثيوبيا التي يحلم بها هي محط كراهية المجموعات العرقية التي كانت مهمشة في عهده، والإمبراطور الذي يعتبره بطلاً عظيماً، يعتبره آخرون غازياً ومستعبداً لهم".
"دعونا نوقف المذابح"
وقال فيصل إن هذه المخاوف تفاقمت بسبب قرار آبي بتشكيل حزب الرفاه العام الماضي، والذي حل محل الجبهة الديمقراطية الثورية الشعبية الإثيوبية - وهو ائتلاف مكون من أربعة أحزاب عرقية، حكمت البلاد منذ عام 1991 وهو نفس الائتلاف الذي نصبه رئيساً للوزراء عام 2018.
وقال آبي أحمد سابقاً إن الجبهة الديمقراطية الثورية للشعب الإثيوبي كانت تحكم في السابق أربعة أقاليم فقط من أقاليم إثيوبيا العشر.
ومن خلال إنشاء حزب جديد، بسط آبي سيطرته على البلاد بأكملها باستثناء تيجراي.
وأضاف فيصل: "عبر هذه الحرب، بسط نفوذه على تيجراي أيضاً".
"ما كان يتوقعه الناس من آبي عندما تولى منصبه هو نشر التعددية السياسية وليس العكس، واعتراف أكبر بالحقوق الثقافية واللغوية للقوميات والأعراق التي تشكل إثيوبيا. إنه يفضل نظام الحكم المركزي، وليس الفيدرالي".
يرى مينيشلأن آبي أحمد لا يمثل تهديداً للتعددية السياسية أو لأي مجموعة عرقية.
"الوحدة لا تعني فقدان أو إخفاء الهوية العرقية الموجودة منذ آلاف السنين. كل ما يقوله آبي هو: دعونا نبتعد عن المواقف التي يفكر فيها كل سياسي في مجموعته العرقية. أوقفوا المذابح. لنفكر ببلدنا إثيوبيا ودعونا نعيش في وئاممثل الأشقاء والأخوات".
ويضيف مينيشل: "لدى حزب الرفاه الفرصة للقيام بذلك. بل إنه يجمع الجماعات العرقية التي تم تهميشها من قبل الجبهة الديمقراطية الثورية للشعب الإثيوبي، مثل الصوماليين".
ومع وجود استقطاب شديد في إثيوبيا على الحكومة وضع "آليات لمعالجة المظالم السياسية" حسب رأي نوب.
وأضاف "لا توجد خطة لنقل البلاد إلى مرحلة جديدة. أنت بحاجة إلى خطاب سياسي منظم، لكن لا يمكنك الوصول إلى ذلك عندما يقبع القادة السياسيون خلف القضبان".
ويوافقه الرأي أوول قائلاً: "يجب أن يكون التحول بمشاركة الجميع. لا يمكن أن يفرضها حزب واحد فقط، آبي أحتكر كل السلطات ويريد أن يكون الآمر الناهي الوحيد".
حقائق أساسية عن آبي أحمد
• ولد آبي لأب مسلم وأم مسيحية في 15 أغسطس 1976
• يتحدث بطلاقة لغات الأورومو والأمهرية والتغرينية والإنجليزية
• انضم إلى الكفاح المسلح ضد نظام الماركسي عام 1990
• خدم جندياً في قوات حفظ سلام التابعة للأمم المتحدة في رواندا عام 1995
• دخل معترك السياسة عام 2010
• أصبح رئيساً للوزراء في أبريل 2018 عن عمر يناهز 42 عاماً
• حصل على جائزة نوبل للسلام في ديسمبر 2019
حصل آبي على جائزة نوبل جزئياً لجهده في إضفاء الطابع الديمقراطي على إثيوبيا ولكن في المقام الأول بسبب اتفاق السلام الذي توصل إليه مع الرئيس الإريتري أسياس أفورقي لإنهاء حالة الحرب التي هيمنت على علاقات البلدين التي جرت بين عامي 1998-2000.
وفيما يتعلق بوجهة النظر القائلة بأن آبي حصل على جائزة نوبل "قبل الأوان" يقول نوب: "لقد فُتحت المعابر الحدودية بين البلدين لبعض الوقت ثم أغلقت مرة أخرى. لم تكن هناك وثيقة مكتوبة حول بنود اتفاق السلام. كان هناك تفاهم شخصي بين آبي وأفورقي. هذه ليست الطريقة التي بها تحقيق السلام".
جائزة نوبل "سيف ذو حدين"
ويرى أليكس دي وال، الخبير في الشأن الإثيوبي والمقيم في الولايات المتحدة، أن إتفاق سلام آبي-أفورقي أشبه بـ "اتفاق أمني" غرضه القضاء على الجبهة الشعبية في تيجراي.
وقال إن "إريتريا لعبت دوراً كبيراً في الحرب. وهناك تقارير عن وجود 20 لواء من القوات الإريترية في تيجراي. وانسحبت القوات الإثيوبية أيضا إلى إريتريا" ، لكن الحكومتان نفتا دخول القوات الإريترية إلى تيجراي.
وحول موقفه من حصول آبي على جائزة نوبل يقول وال: "لو كنت أعلم وقتها ما أعرفه الآن لما كنت فعلت ذلك. لكن الجائزة سيف ذو حدين. فجائزة نوبل تمنحك رأسمالاً سياسياً، لكنها تصبح عبئاً عليك إذا بتت السياسي الحائز على جائزة نوبل للسلام الذي أشعل فتيل حرب".
فيديو قد يعجبك: