بعد عقد على اندلاع شراراتها الأولى.. ثورة تونس تتعثّر في منتصف الطريق
تونس- (د ب أ):
في ساحة محمد البوعزيزي وسط مدينة سيدي بوزيد ينتصب تمثال مجسد لعربة بائع الخضار المتجول مفجر الثورة قبل 10 سنوات، يرسخ التمثال الشرارة الأولى التي أطلقت الربيع العربي من تونس، ولكن مسار الثورة الذي أسقط حكم الرئيس الراحل زين العابدين بن علي لا يزال متعرجا حتى اليوم.
يذكر الناشط في اتحاد المعطلين عن العمل عبد الحميد حامدي من مدينة المكناسي في سيدي بوزيد، صخب الأيام الأولى التي تلت وفاة محمد البوعزيزي بعد انتحاره حرقا أمام مقر الولاية احتجاجا على مصادرة الشرطة لسلعه، ليشعل احتجاجات عارمة في أنحاء البلاد تسببت في مقتل نحو 300 محتج وجرح الآلاف في أعمال عنف واشتباكات مع قوات الأمن.
فقد الحامدي قريبه محمد عماري في الاحتجاجات التي جوبهت برصاص الشرطة في منطقة منزل بوزيان المجاورة، وهو أول ضحايا الثورة بعد وفاة البوعزيزي، كما عايش الحصار الأمني الذي أطبق على المدينة في الأيام الأولى التي تلت يوم 17 ديسمبر 2010.
ويقول الناشط الحاصل على شهادة التدريس في مادة التاريخ منذ عام 2000 ، لوكالة الأنباء الألمانية (د. ب. أ) ، إن "المزاج العام مثقل بمشاعر الإحباط وخيبة الأمل، نحن اليوم في 2020 لكننا في نفس أوضاع 2010".
ويتابع الناشط في غضب :"في الثورة رفع شعار شغل ، حرية ، كرامة وطنية ، لأن نموذج التنمية السابق فشل، إلى اليوم لم يتم القطع مع هذا النموذج بينما بقي الدستور الجديد حبرا على ورق".
مع بدء الانتقال السياسي في 2011 ما تزال ولاية سيدي بوزيد تشهد احتجاجات اجتماعية متواترة للمطالبة بفرص عمل ومشروعات للتنمية وتحسين ظروف العيش، والأمر لا يختلف في مناطق أخرى بأنحاء البلاد حيث يمكن أن تصل نسبة البطالة إلى ضعف المعدل الوطني البالغ 16.2%.
وتزامنت الذكرى العاشرة لاندلاع شرارة الثورة هذا العام مع إضرابات عامة شملت عدة ولايات، في القيروان وباجة وتطاوين والكاف وجندوبة والقصربن، فيما تستعد ولاية قفصة التي تضم الحوض المنجمي للدخول في إضراب عام مطلع 2021.
وضاعفت الأزمة الصحية المرتبطة بوباء كورونا من محن الاقتصاد التونسي حيث يتوقع أن يهوي إلى نسبة انكماش في حدود 7 % في 2020 ، وفق توقعات الحكومة، ولكن الأزمة عرت أيضا حجم الفقر وتداعي البنية التحتية وتدني الخدمات في قطاع الصحة العمومية بالأساس.
ويقول الحامدي :"كشفت كورونا عن أعداد كبيرة من الفقراء في المناطق الداخلية النائية ليسوا مسجلين في السجلات الحكومية فضلا عن هشاشة الأنشطة التي يمارسونها لتأمين قوتهم اليومي، هؤلاء بات مطلبهم الحق في الغذاء".
ومن سقوط عاملات زراعة من فوق شاحنة مكشوفة وهلاكهم في سيدي بوزيد إلى وفيات الرضع في مستشفى الأطفال بالعاصمة بسبب تعفن جرثومي، وهلاك العشرات من الشباب في رحلة على متن حافلة في منحدر غير مؤمن، وصولا إلى وفاة طبيب شاب في مصعد آلي معطل في مستشفى جندوبة.
شكلت مثل تلك المآسي المتكررة صدمات متتالية للتونسيين وموجات غضب متفاقمة بسبب تعطل الإدارة والمؤسسات وتفشي الإهمال، وفي ظل انتقال اقتصادي واجتماعي متعثر لا يعكس الانتقال الديمقراطي الذي تحقق في تونس.
يقول العضو في المنتدى التونسي للحقوق والاجتماعية رمضان بن عمر لـ(د.ب.أ) :"يعكس الوضع إخفاقا شاملا للانتقال الاقتصادي والاجتماعي بسبب سياسات فشلت في إعادة الأمل للتونسيين أو في رسم أفق واضح لهم".
ويتابع بن عمر :"إجابة الشباب من التونسيين كانت واضحة ، تكثفت الهجرة السرية عبر البحر، خلال 11 شهرا فقط هذا العام قطع قرابة 12 ألف تونسي البحر عبر القوارب للوصول إلى السواحل الاوروبية عدا المئات من المفقودين".
وعلى الرغم من صعود نحو 10 حكومات إلى السلطة في تونس منذ 2011 ونجاح رباعي الحوار الوطني في 2015 في نيل جائزة نوبل للسلام لمساهمته في تجنيب الديمقراطية الناشئة حربا أهلية، إلا أن السلطة لم تستطع كبح رغبة الآلاف من الكوادر في المغادرة.
ويرى زعيم اليسار في تونس حمة الهمامي ، وهو أحد أبرز المناضلين ضد حكم بن علي قبل 2011 ، أن الثورة تعطلت في منتصف الطريق وأنه لا مناص من ثورة أخرى لتصحيح مسارها.
ويوضح الهمامي لـ(د. ب. أ) :"تحققت مكتسبات مهمة وهي الحريات لكنها هي الأخرى باتت اليوم مهددة، من كانوا يحكمون من قبل مازالوا مؤثرين خلف الستار بنفوذهم المالي في السلطة والأحزاب ومفاصل الدولة".
وتابع الهمامي "قامت الثورة ضد بن علي ، على شعار /شغل حرية كرامة وطنية/، لكن الشعار ذهب بمجرد سقوط النظام ورحيل بن علي".
ولا تبدو مسؤولية مؤسسات الحكم بعيدة عما تعيشه تونس منذ 2011، حيث بدأ غاضبون في حشد الدعم عبر مواقع التواصل الاجتماعي من أجل التجمع من جديدة في ذكرى الثورة أمام مقر البرلمان في ساحة باردو وإعلان سخطهم ضد الأحزاب، وتحولت الساحة منذ سنوات إلى معقل شعار "ارحل" الذي تردد في وجه نظام بن علي.
وفي تقييمه لمسار الثورة قال الوزير السابق لطفي زيتون القيادي المستقيل من حركة النهضة الاسلامية وأحد المعارضين لنظام بن علي، وهو ممن عاشوا في المنفى (بريطانيا)، إن الحصيلة حتى اليوم جاءت عكس المسار الطبيعي للثورات.
ولم يتردد زيتون في القول لـ (د. ب.أ) إن هناك أحزابا بعينها سرقت الثورة وحولت وجهتها من ثورة اجتماعية اقتصادية تبحث عن العدل، إلى ثورة انتقال سياسي يبحث عن وضع نظام جديد ويعجز عن تقديم الحلول والبرامج لعامة الشعب.
ويبرز النظام السياسي للديمقراطية الناشئة كأحد أكبر النقاط الخلافية في البلاد، بين من يدعو الرئيس الحالي واستاذ القانون الدستوري قيس سعيد إلى تقديم مبادرة سياسية لتعديل النظام والعودة به إلى نظام رئاسي، ومن يخير الإبقاء على النظام البرلماني المعدل الحالي.
وفي كل الأحوال يرى زيتون ، في مقابلة سابقة مع (د.ب.أ)، أن المشكل يكمن في بنية النظام السياسي، فهو في تقديره قائم "على تفتيت الدولة، وهذا يفسر أن صياغة الدستور كانت من قبل معارضين كان هاجسهم الأول التصدي للاستبداد".
فيديو قد يعجبك: