إيكونوميست: كورونا تخلق مأزقا جيوسياسي.. وتنافسية الصين لا تزال مقلقة للولايات المتحدة
القاهرة – (أ ش أ):
كشفت الأزمة الصحية العالمية لجائحة كورونا عن اهتزاز ثوابت التفاعلات الاقتصادية والسياسية الجديدة في العالم، وظهرت مفردات جديدة في هيكل القوى العالمية التي تتحكم في مفاصل العلاقات الدولية، أبرزها تشكل ما يسمى "عولمة التباعد الدولي"، والتركيز على الاقتصادات الوطنية، وتقليص التجارة والتدفقات البشرية العابرة للحدود، في مقابل التوسع في تجارة الخدمات ونقل التكنولوجيا والمعرفة .
وبحسب تقرير لمجلة ايكونوميست البريطانية فقد أجبرت تداعيات "كوفيد 19" دول العالم على التوجه نحو الداخل، مما أدى إلى تسريع عملية "الركود الجيوسياسي" في ظل البحث عن إعادة تقييم موازين القوى في النظام العالمي المستجد ما بعد كورونا وخاصة بين أمريكا والصين وعدد من القوى الدولية.
وتساءل رئيس تحرير مجلة إيكونوميست البريطانية "زاني منتون بِدوس"، في مقال له حول توقعات عام 2021، عن القوى التي ستعيد صياغة العالم، قائلاً: إن "كوفيد 19" لم يضرب الاقتصاد العالمي وحده، بل غيّر مسار ثلاث من القوى الكبرى التي تصوغ العالم الحديث، "فالعولمة تقلصت، والثورة الرقمية تسارعت وتيرتها، والتنافس على الصعيد الجيوسياسي بين أمريكا والصين اشتدت ضراوته ".
ويرى بِدوس أن عالم ما بعد "كوفيد-19" سيصبح أكثر رقمية، ورغم أن نطاق العولمة سيظل قاصراً على السلع والبضائع ورؤوس الأموال العابرة للحدود، وعليه يتوقع إن تدار التجارة الدولية على خلفية جيوسياسية يغلب عليها التشاؤم، وستنجلي عنها النزعة التجارية "المتذبذبة" لترامب، وبرغم ذلك فإن ارتياب أمريكا من الصين لن يتلاشى بمغادرة "رجل التعريفة الجمركية" كما يصف الرئيس ترامب نفسه.
ويتوقع بدوس أن يشهد عام 2021 مزيداً من انقسام العالم الرقمي وسلاسل الإمدادات إلى قسمين ، أحدهما تهيمن عليه الصين والثاني تقوده أمريكا ، ولن يكون التنافس الصيني الأمريكي هو الوحيد الذي سيكون له تأثيره على العولمة، فهناك حكومات من أوروبا إلى الهند ستعيد تحديد نطاق الصناعات الإستراتيجية التي تستوجب الحماية.
ويواصل رئيس تحرير "إيكونوميست" توقعاته لمن يقود العالم عام 2021، فيقول إن أمريكا ستستقبل العام الجديد 2021 وهي أشد انقساماً، غير أنه ثمة بارقة أمل بعد أن يعتلي جو بايدن سدة الرئاسة الأمريكية حيث إن للرئيس المنتخب برنامجا سياسيا طموحا، واستطرد انه على صعيد السياسة الخارجية سيعمل بايدن على ترميم العلاقات مع دول العالم وسيعيد تأكيد القيم الأمريكية ودور الولايات المتحدة في الساحة الدولية.
ورغم قوله خلال الأسبوع الماضي أن عهده الرئاسي لن يكون بمثابة ولاية رئاسية ثالثة لباراك أوباما، اختار الرئيس الأمريكي المنتخب جو بايدن حتى الآن جميع أعضاء فريقه للسياستين الداخلية والخارجية من "قدامى المحاربين" في إدارة الرئيس السابق الذي اعتمد معهم مقاربات محددة في التعامل مع القضايا العامة محلياً ودولياً، منطلقاً أولاً من مواجهة العدو الأول لجميع الأميركيين وهو جائحة "كوفيد 19"، بالإضافة إلى التصدي لأزمات الشرق الأوسط وأفريقيا والعلاقات مع روسيا والصين، فضلاً عن الهند وباكستان ودول الخليج.
وتؤكد تقارير أمريكية أن المؤشرات على سياسات بايدن الخارجية بدأت تظهر ليس فقط في اعتماده شعار "أميركا عائدة"، بل أيضاً في الأشخاص الذين رشحهم لقيادة هذه المهمة بعد سنوات "أمريكا أولاً" للرئيس المنتهية ولايته دونالد ترامب، فقد وعد الرئيس المنتخب وأعضاء فريقه بإحياء مبادرات عهد أوباما مثل اتفاق باريس للمناخ الذي انسحب منه ترامب وخطة العمل المشتركة الشاملة، أي الاتفاق النووي مع إيران، متعهداً بإعادة التزام التحالفات الأمريكية القديمة.
من جهة أخرى، تواصل الصين سياستها المتمثلة في زيادة نفوذها السياسي والاقتصادي في جنوب شرق أوروبا، من خلال مشاريع (الحزام والطريق) الاستثمارية العالمية، خاصة في دول مثل صربيا والمجر، والتي يقيم قادتها علاقات وثيقة مع بكين أو موسكو.
وبحسب تقرير الايكونوميست.. شكلت كل من صربيا والمجر بوابات مهمة للصين إلى أوروبا من خلال مشاريع البنية التحتية، حيث تبلغ استثمارات الصين في صربيا نحو ستة مليارات دولار في شكل قروض لبناء الطرق السريعة والسكك الحديدية ومحطات الطاقة، بالإضافة إلى عقود لإدخال شبكة الجيل الخامس، ما دفع المسؤولين الأمريكيين إلى التحذير من دبلوماسية "فخ الديون" الصينية.
وفي مقابل تلك التحركات الصينية، كتب جوزيب بوريل، مفوض الاتحاد الأوروبي للسياسة الخارجية، قائلاً: "يجب أن ندرك أن هناك مكوناً جيوسياسياً، يشمل الصراع على النفوذ، من خلال الغزل وسياسة الكرم، نحن مسلحون بالحقائق، نحن بحاجة للدفاع عن أوروبا ضد منتقديها".
وبحسب الايكونوميست البريطانية.. يؤكد مفوض الاتحاد الأوروبي للسياسة الخارجية كانت العلاقات بين الصين ودول الاتحاد الأوروبي قد شهدت منذ وصول ترامب للبيت الأبيض، تقارباً قوياً وتفاهماً لطبيعة المرحلة الجديدة في العلاقات الدولية ذات الطابع المتعدد دبلوماسياً وتجارياً، وجاء هذا التقارب رداً على الهجوم الذي شنه الرئيس الأمريكي ترامب على الاتحاد الأوروبي كمؤسسة أوروبية ومن بعدها على العديد من الدول الأوروبية تباعاً.
ويؤكد المراقبون أن التفاهم بين الصين والاتحاد الأوروبي، كان مهماً لاستقرار عمل المؤسسات والاتفاقيات الدولية، فقد لعب دوراً أساسياً في منع انهيار اتفاقات دولية مهمة مثل "اتفاقية باريس لمكافحة تغيّر المناخ"، وفي الحفاظ على دور المؤسسات الدولية، مثل الأمم المتحدة ومنظمة التجارة العالمية وصندوق النقد الدولي، كإطار للتعايش الدولي.
كما أن التقارب الروسي خلال السنوات القليلة الماضية كان متصاعدا حيث كان اعتماد الاقتصاد الروسي على الصينيين ينمو باطراد، وقام البنك المركزي الروسي بزيادة حصة اليوان الصيني في احتياطات النقد الأجنبي، وبسبب وباء كورونا، ستتسارع هذه العملية، وسيتعزز اعتماد موسكو على واردات التكنولوجيا الصينية.
وعلى صعيد متصل.. في دراسة عن المخاطر العشرة الأكثر تأثيراً في التفاعلات الدولية ما بعد جائحة كورونا، قدمتها الجمعية الأوروبية الآسيوية (مجموعة أوراسيا) أكدت فيها أن واشنطن وبكين تنظران إلى تفشي وباء كورونا باعتباره الجولة التالية في سباق تنافسهما الجيوسياسي، حيث ما زالت أمريكا تُلقي باللوم على بكين في التسبب فيما وصفوه بـ"الفيروس الصيني"، فقد كشفت شبكة "سي إن إن" الأمريكية، مساء الاثنين، عن وثائق وصفتها بالمسربة، جاء فيها أن الصين أساءت التعامل مع المراحل الأولى لتفشي فيروس كورونا.
ووفقاً لهذه الدراسة، فإنه مع تحول التركيز الجيوسياسي العالمي نحو آسيا، أصبح نظام المحيط الباسيفيك الهندي المتنوع والقائم على القواعد أكثر أهمية من أي وقت مضى، بما في ذلك ما يتعلق بمكانة أمريكا العالمية وحضورها المؤثر خاصة في هذه المنطقة.
ويخلص رئيس تحرير مجلة إيكونومست حول توقعاته للعام الجديد، إلى أن أمريكا ستظل في عهد بايدن قلقة من التهديد الذي يشكله صعود الصين عالميا، وذلك من خلال تركيزه على بناء تحالف متعدد الأطراف لمواجهتها، وهو ما يتطلب إقامة نظام عالمي جديد تقوده الولايات المتحدة، يقوم على ربط الديمقراطيات الآسيوية بالتحالف الغربي في مواجهة الصين.
هذا المحتوى من
فيديو قد يعجبك: