مخاوف تنتاب المهاجرين السودانيين في إسرائيل بعد اتفاقها مع السودان
الخرطوم، تل أبيب- (بي بي سي):
في سلسلة رسائل من الصحفيين الأفارقة، تنظر الصحفية زينب محمد صالح في الصفقة المثيرة للجدل بين السودان وإسرائيل لتطبيع العلاقات بينهما ولماذا أثارت مشاعر مختلطة وردود أفعال متباينة لدى مؤيدي إسرائيل.
تبدو العاصمة السودانية، الخرطوم؛ مقسمة وفق خطوط عرقية، إذ يسكن في ضواحيها الطرفية أولئك الذين فروا من مناطق الحرب في دارفور وجبال النوبة والمجتمعات المهمشة الأخرى، بينما تسكن النخبة الناطقة بالعربية في أحيائها المركزية.
وتُعرف المدينة أيضاً باسم عاصمة "اللاءات الثلاث" في العالم العربي، بعداستضافت قمة جامعة الدول العربية عام 1967 التي أصدرت قرار شهيرا بالمقاطعة الشاملة التي لخصت بعبارة: "لا سلام مع إسرائيل ولا اعتراف بإسرائيل ولا مفاوضات معها".
ومع ذلك، لم يشترك في هذا الخط المتشدد كل شعب السودان، كما يشهد أولئك الذين يقطنون في ضواحي الخرطوم، حيث بنيت المئات من بيوتهم بالطين والأخشاب وعادة ما يؤدي هطول الأمطار إلى تدمير الكثير منها كل عام.
وفي العقود الأخيرة، أُعيد بناء بعض بيوت سكان هذه الأحياء باستخدام الحديد والأسمنت بفضل أموال أرسلها أقارب لهم لجأوا إلى إسرائيل بعد أن خاضوا رحلات محفوفة بالمخاطر عبر صحراء سيناء، حيث يقوم حرس الحدود المصريون بدوريات هناك، ويموت البعض منهم أثناء محاولتهم العبور.
لكن طلبات اللجوء المؤقتة الممنوحة من الحكومة الإسرائيلية لأولئك الذين يصلون إلى إسرائيل قد تكون مُهددة بسبب الصفقة التي تفاوضت عليها إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب لتطبيع العلاقات بين إسرائيل والسودان، وهو أمر قالت معظم الدول العربية إنه لن يحدث إلا بعد تسوية النزاع الفلسطيني.
وبعد الإعلان عن الاتفاق، اقترح وزير الاستخبارات الإسرائيلي، إيلي كوهين، أنه على طالبي اللجوء السودانيين العودة إلى بلادهم، رغم أن معظمهم أتوا من أماكن ما زالت تواجه الصراع في السودان.
ووفقا للأمم المتحدة، هناك أكثر من 6000 مهاجر سوداني في إسرائيل، ولم تُمنح الغالبية العظمى منهم حق اللجوء بشكل رسمي.
وفي الواقع ، رُحل في السنوات القليلة الماضية آلاف المهاجرين الآخرين بعد إجبارهم على الاختيار بين العيش في المخيمات أو الذهاب إلى بلد ثالث مثل أوغندا أو رواندا.
وأبدى أحد الذين اختاروا العودة إلى السودان في نهاية المطاف في عام 2014 ندمه على القرار الذي اتخذه، بعد وضع العائدين تحت المراقبة ومصادرة جوازات سفرهم لمدة خمس سنوات.
ولن يقبل شقيقه الأصغر الموجود حالياً في إسرائيل ويساعد الأسرة مالياً، العودة إلى السودان لأنه وجد عملاً في أحد المصانع .
وأفيد بتعرض بعض العائدين للتعذيب على أيدي رجال الأجهزة الأمنية والاستخبارية السودانية.
"بناتي يتحدثن العبرية فقط"
وتؤكد عزرا النور، التي تعيش في مدينة عراد بإسرائيل، عدم استعدادها للعودة إلى السودان. فقد فرّت مع عائلتها من الحرب في جبال النوبة عندما كانت طفلة في السابعة من عمرها. حيث أمضت سبع سنوات مع عائلتها لاجئين في مصر من دون أي عرض لإعادة توطينهم في بلد ثالث.
وقالت لي: "لذلك قرر والدي أن نذهب إلى إسرائيل، ولم يكن الأمر سهلاً، فقد مررنا بالكثير من الصعوبات حتى وصلنا إلى هنا".
وعزرا الآن في الـ 27 من العمر، وهي أم لطفلين يتحدثان العبرية فقط، ولم يحصل أي منها على وضع اللجوء رسميا.
وتشعر عزرا بالقلق من أن يتم إجبارها على العودة إلى السودان لأي سبب من الأسباب، إذ قد يواجهون التمييز بسبب العيش في بلد ظل لزمن يصور في مخيلة السودانيين الجمعية بوصفه عدوا.
وتقول "لا تعرف ابنتاي أي شيء عن السودان، حتى أنا لا أعرف الكثير عن بلدي، لقد غادرته في سن صغيرة جداً، ولا أعرف حقاً كيف أعيش هناك إذا طُردنا من هنا".
غير مرحب بهم في إسرائيل
يقول بشير بابكر، البالغ من العمر 31 عامًا ، إنه يخشى العودة إلى دارفور ، حيث ما زالت أسرته تعيش في مخيم بعد تعرض قريتهم بالقرب من مدينة كُتُم إلى هجوم.
ويضيف: "لم يبق في قريتي أي شيء، ولا حتى مجرد عصفور، هربنا جميعاً، وبقي الكثيرون في مخيم كساب، وذهب المحظوظون الذين لديهم أقارب في الخرطوم للعيش معهم".
ثم سافر بابكر إلى إسرائيل عبر مصر بعد أن دفع مالا لمهربي البشر من البدو، وهو الآن خائف من العودة إلى السودان بسبب مواقف بعض السودانيين تجاه إسرائيل.
ويمكن ملاحظة ذلك من خلال الاحتجاجات الأخيرة التي خرجت فيها حشود غاضبة بعد صلاة الجمعة في الخرطوم، احتجاجاً على فكرة المصالحة مع إسرائيل.
وظل هذا الأمر خلافيا حتى بين بعض أعضاء التحالف المدني الذي يتقاسم السلطة مع جنرالات السودان بعد الإطاحة العام الماضي بالرئيس السابق عمر البشير الذي حكم البلاد طويلا.
ويقول يوتام جيدرون، الباحث الإسرائيلي في العلاقات الإسرائيلية الأفريقية، إن إسرائيل تدعم منذ فترة طويلة أولئك المعارضين للحكومة في الخرطوم، بما في ذلك المتمردين في الجنوب.
وفي ذروة الصراع في دارفور، فتحت بعض الحركات المتمردة مكاتب تمثيلية لها في القدس.
لكن الوضع معقد بالنسبة للسودانيين في إسرائيل الذين لا يشعرون بأنهم مرحب بهم. وتقول إسرائيل إن أي قرار بالعودة إلى الوطن هو قرار طوعي، لكن المهاجرين يواجهون تحركات مختلفة لإجبارهم على المغادرة.
وعلى سبيل المثال، تقول الأمم المتحدة إن القوانين الجديدة تطلب من أصحاب العمل اقتطاع نسبة 20٪ من صافي رواتب المهاجرين والاحتفاظ بها حتى موعد مغادرتهم إسرائيل.
ويقول بابكر: "إذا تمت إعادتنا إلى دارفور، فقد نموت، وما زالت إسرائيل تمثل عدواً للكثيرين من الناس، لكننا هنا أيضاً نعيش في ظروف مروعة".
ملاحظة: تستخدم بي بي سي مصطلح "مهاجر" للإشارة إلى جميع الأشخاص الذين غادروا بلدانهم ولم يكملوا بعد الإجراءات القانونية لطلب اللجوء. وتشمل هذه المجموعة الأشخاص الفارين من البلدان التي مزقتها الحروب، والذين من المرجح أن يتم منحهم وضع اللاجئ، وكذلك الأشخاص الذين يبحثون عن وظائف وفرص حياة أفضل والتي تميل الحكومات إلى تصنيفهم كطالبي لجوء لأسباب اقتصادية.
فيديو قد يعجبك: