"شيء أقوى من القانون" يتسبب في التغاضي عن قتل نساء العائلة
لندن (بي بي سي)
منذ سبعة أشهر، والإعلامية العراقية نور العرادي، تقدّم برنامجا إذاعيا صباح كل يوم، عدا الجمعة، وتخصص فيه فقرة دائمة عن وضع المرأة في العراق وغيرها من الدول في أنحاء العالم.
ولا يمر يوم تقريبا دون أن تتحدث فيه عن خبر متعلق بقتل امرأة أو اغتصابها أو ضربها، كما تقول.
آخر هذه الجرائم التي شَغلت الناس على وسائل التواصل الاجتماعي ارتكبت في ديسمبر/كانون الأول؛ إذ انتشر خبر مقتل شقيقتين عراقيتين في مقتبل العمر، هما زهراء وحوراء، على يد أخيهما . وأعلنت الداخلية العراقية اعتقال الأخ القاتل يوم 22 ديسمبر/كانون الأول.
لكن نور، ذات الثلاثين عاما، تقول لبي بي سي إنها أصبحت تلاحظ أن أقصى ما يفعله الناس هو "إظهار تعاطف بسيط" مع الضحية، خاصة إن لم تكن المرأة شخصية معروفة في المجتمع؛ وفي حال سارعت الحكومة لاتخاذ إجراء بحق المتهم لامتصاص غضب الناس.
طيلة عام 2020، تواردت أخبار عن أعمال وحشية بحق النساء في العراق، وغيرها من الدول العربية، على يد أقاربهن في أغلب الأحيان.
ويبدو أن هذا العام سينتهي على وقع جريمتي قتل نساء على يد أخوتهن الشباب؛ فإلى جانب جريمة قتل الشاب العراقي لأختيه زهراء وحوراء، في الكويت أيضا شاب يقتل أخته شيخة العجمي. وطبعا، هناك كثير من الجرائم المشابهة التي لا تصل للإعلام.
المعلومات المؤكدة نادرة
من مبنى مجلس الأمة الكويتي الشاسع ذي اللون الأبيض، حيث كانت تعمل شيخة العجمي كحارسة، أقر النواب في شهر أغسطس/آب قانونا يجرّم العنف الأسري.
وفي الشهر الذي تلى سن القانون، صٌدم كويتيون عند سماعهم قصة لحاق شاب بأخته، فاطمة العجمي، إلى غرفة العناية المركزة في إحدى المشافي، وإطلاقه النار عليها. قتلت الشابة التي كانت في عمر الخامسة والثلاثين هي وجنينها.
ومجددا، في شهر ديسمبر/كانون الأول الحالي، سارع كويتيون للتعبير عن غضبهم عبر السوشال ميديا بعد أن سمعوا عن مقتل الحارسة في مبنى مجلس الأمة، شيخة العجمي، على يد أخيها في منقطة الرقة في الكويت.
ليس من السهل في بلد مثل الكويت تقصّي الحقائق المرتبطة بقتل نساء على أيدي أفراد عائلاتهن. فالإعلام المحلي لا يقدم إلا القليل جدا من المعلومات، والسلطات تتردد عادة في التعليق على مثل هذا النوع من الجرائم، كما أن عددا من الحقوقيين والمواطنين الذين تواصلنا معهم ابتعدوا بأنفسهم بسرعة عن الموضوع. "لا نملك معلومات نشاركها" - هكذا كان الرد غالبا.
كل ما وجدناه كان تقريرا مقتضبا ورد في صحيفة الراي الكويتية، يتحدث عن اعتقال شاب بعد طعنه أخته حتى الموت. وورد اقتباس عن مصدر أمني يقول إن الحادث وقع نتيجة "خلافات".
هناك صمت كبير عند وقوع مثل هذه الجرائم في الكويت.
تقول شيخة الهاشم، وهي كاتبة وطالبة دكتوراه متخصصة في الفلسفة النظرية النقدية فيما يخص النسوية والدراسات الجندرية، إن صمت الأسرة وتغاضي السلطات والحكومة ومجلس الأمة هدفه "تفادي المواجهة، وعدم التقليل من قوة الأسرة".
وتشرح فكرتها قائلة: "صُنفت المرأة كعار وككائن ضعيف، لذلك يتحول موضوع قتلها أو تعنفيها إلى أمر خاص بالأسرة، خاضع للخجل والإحراج، حتى وإن كانت الضحية على حق. ولا يفتح ملف تحقيق، ولا يشرك لا الإعلام ولا الباحثين في هذه النوع من القضايا".
وتضيف: "انتقص كيان المرأة ليصبح الذكر متحكما بها، وليصبح مفهوم المرأة مرادفا للعار والشرف والعورة، ويسمح بشكل ضمني بتعنيفها وقتلها في حال خرجت عن الأعراف والعادات والتقاليد. وهذا يعني أن حياة المرأة والحق لها بالعيش شيء يقرره الرجل وهو امتياز ذكوري".
ولكن نائبا قرر ألا يصمت.
ففي فيديو نشره على تويتر، انتقد النائب، عبد العزيز طارق الصعقبي، "الصمت المطبق" للبرلمان بخصوص جريمة قتل شيخة العجمي، و"عدم إصدار حتى بيان نعي" لها رغم أنها كانت إحدى الموظفات في مجلس الأمة.
وأضاف أن القانون الذي مرره البرلمان قبل أشهر لم يفعّل بعد، ووعد بمتابعة جرائم الاعتداء على النساء مع اللجنة المختصة.
"اعتبارات" تتسبب بمقاومة قوانين تجرم العنف الأسري
رغم التأخّر في تفعيل القانون الجديد، لا يزال هناك من يؤمن بإمكانية إحداث تأثير في المجتمع الكويتي من خلاله.
المحامية الكويتية أمنية أشرف، وهي رئيسة مركز مراجعة قوانين الأسرة والأحوال الشخصية في جمعية المحامين الكويتية، من بين هؤلاء المتفائلين. لكنها تعترف بأن هذا القانون قد يواجه مقاومة من قبل بعض قطاعات المجتمع "لوجود اعتبارات معينة نعاني منها بالكويت" - وتقصد بذلك موضوع القبلية والنمط المحافظ السائد في المجتمع.
وبالفعل، لاحظنا عند تغطية مثل هذا النوع من الجرائم في الكويت، أن الناس كثيرا ما تلقي باللوم ضمنا على موضوع القبلية، وتخاف من الحديث عنها علنا، لكن الباحثة شيخة الهاشم ترى أن هذا التصرف يزيد من عزلة النساء المنتميات لفئة البدو. وبرأيها أن المشكلة التي تواجها المرأة "ليست مشكلة حضر وبدو".
وتقول: "علينا فهم القبلية قبل أن نوجه الاتهام لفئة من فئات المجتمع، ففي سياق مجتمعاتنا العربية يوثق لنا التاريخ أن جذور العوائل تعود إلى قبيلة حتى أتت أنظمة الدولة المدنية وترسخت معتقداتها وأخلاقياتها من خلال الاستعمار ورسمت حدود الحضارة والبداوة. حينها أصبح أي شيء يندرج تحت القبلية سلبيا ورجعيا وهمجيا ولا يمكن إصلاحه".
وتضيف: "بدلا عن فتح حوار وإشراك القبائل فيه، رسخت الحضارة والمدنية صورة الرجعية والهمجية عن القبائل لتصبح هذه الصورة هي الواقع المتقبل (..) لكن المشكلة التي تواجها المرأة ليست مشكلة حضر وبدو، بل مشكلة تفكيك هياكل الهيمنة الذكورية أو الأبوية فهي هياكل اجتماعية اعتمدت، ولكن يمكن تغييرها".
"محسوبيات ومعارف"
الكويت الآن في مرحلة نقاش ضرورة تطبيق قانون الحماية من العنف الأسري؛ أما في العراق، فلا تزال مسودة قانون مشابه حبيسة أدراج البرلمانيين منذ فترة طويلة.
ففي مطلع شهر أغسطس مررت حكومة مصطفى الكاظمي مشروع هذا قانون إلى البرلمان - ولم يصدر أي شيء بخصوصه حتى الآن.
تصرّ مها أحمد، وهي ناشطة حقوقية عراقية تعيش في الولايات المتحدة وتتابع ما يجري في بلدها بخصوص قضايا العنف ضد المرأة، على أهمية سن قانون حتى تتمكن مَن تتعرض للعنف من التبليغ عن ذلك - على الأقل.
وتذكر قصصا عن مراهقة تواصلت معها بعد أن اغتصبها قريب لها فحملت منه ولم تستطع التبليغ عنه، لأنه وفقا للقانون الحالي لابد أن يتولى الأهل مسؤولية التبليغ لاعتبارها قاصرا؛ وقصة أخرى عن امرأة تسمع صياح جارة لها ولا تستطيع التبليغ عن ذلك. وتقول مها إنها عندما تتحدث عن مثل هذه الأمور تتهم بأنها تحاول نشر "الفكر الغربي" في العراق وأنها "تخالف الأعراف والتقاليد" المتبعة.
ولكن، حتى وإن أقر البرلمان العراقي هذا القانون الذي تحاربه جهات عدة لا تريد أن تراه واقعا، بحجة أنه "سيفسد النساء"، تبدو نساء عراقيات أقل تفاؤلا بإمكانية إحداث تغيير في المجتمع بفعل القانون وحده.
فالناشطة مها تقول "حتى ولو أقر القانون في البرلمان، تبقى سلطة العشائر أقوى من سلطة القانون؛ حتى أن هناك بعض المناطق في العراق التي تغيب عنها سلطة الشرطة".
تتفق معها الإعلامية نور التي تعتقد أنه "من الصعب أن يتغير المجتمع فجأة؛ فالمجتمع مبني على المحسوبيات والمعارف. لذا تبقى القوانين نصوصا مكتوبة، أما القوة فهي بيد الحزب والعشيرة والمعارف".
وتوضح أن هذه العقلية لا ترتبط فقط بمواضيع ذات علاقة بالمرأة، بل هذه حالة عامة؛ فإن تورط شخص ما بجريمة يمكن أن تبدأ الاتصالات بالضابط المسؤول عن القضية، وتتدخل العشيرة والعائلة، حتى أن الضابط قد يطلب نقل القضية إلى غيره بسبب الضغط عليه، كما تقول نور.
اغتيال عراقية تركت التظاهر وحلمت بنشر الرياضة بين النساء
المظاهرة التي دفعت أردنيين لمناقشة مصطلح "الأبوية"
"نساء وليس حريم"
ورغم اختلاف الظروف القانونية والمجتمعية بين البلدين، تبقى المعركة التي تخوضها النساء متشابهة.
لذلك تقول المحامية الكويتية أمنية أشرف أن المجتمع "يحتاج إلى ثورة فكرية".
وتتحدث عن حملة أطلقتها كويتيات قبل أيام باستخدام هاشتاغ #نحن_نساء_وليس_حريم "لأن فكرة الحريم تعني أن هذه الإنسانة مواطنة من الدرجة الثانية ويجب أن تبقى طول عمرها تحت وصاية رجل مهما بلغت من العلم والثقافة ومن الرقي ومن الأخلاق".
ورغم كل شيء، تقول إنها لا تشعر بإحباط، بل بثورة داخلية. "كنساء، نحس بثورة في داخلنا (بسبب ما وقع) على شيخة العجمي وعلى فاطمة العجمي وعلى كثيرات غيرهن".
أما الناشطة العراقية مها، فتقول إنها رغم عدم تفاؤلها لا بالبرلمان ولا بالحكومة؛ يبقى أملها الوحيد هو "وعي الشعب العراقي نفسه".
"بعد أن رأيت وعي الشباب والشابات أثناء ثورة أكتوبر 2019، أدركت أن الجيل القادم لن يكون أبدا مثل الجيل الحالي".
فيديو قد يعجبك: