إعلان

حصاد العام عربيا: كورونا واتفاقات واستمرار الأزمات

10:43 ص الإثنين 28 ديسمبر 2020

فيروس كورونا

القاهرة- (د ب أ):

عندما شارف عام 2020 على البداية لم تكن الآمال وردية بأن يكون هذا العام انطلاقة لمرحلة جديدة ومختلفة في المنطقة العربية، وإنما كانت في أقصاها تتطلع إلى الإبقاء على الأوضاع القائمة دون فتح حلقة جديدة من تلك التوترات التي اعتادت المنطقة على أن تتصاعد فيها تارة وتهدأ أخرى.

إلا أن الشعوب العربية لم تكد تنهي احتفالاتها ببداية العام، حتى استفاقت على قيام الولايات المتحدة باغتيال رجل إيران القوي قاسم سليماني في غارة جوية بالعراق، لينفتح بذلك، ليس حلقة جديدة، وإنما باب واسع النطاق لتصاعد التوترات والتهديدات بين إيران وحلفائها من جهة، وواشنطن وحلفائها من جهة أخرى.

وبعد أيامٍ حبس فيها العالم أنفاسه ترقبا لرد فعل إيران، الذي لم يكن مستبعدا على الإطلاق أن يقود إلى اندلاع حرب إقليمية واسعة، قصفت طهران قاعدتين عسكريتين تتواجد بهما قوات أمريكية في العراق دون أن ترد أنباء عن سقوط قتلى في صفوف الأمريكيين. لتعود الأوضاع بعد هذا نسبيا إلى حالة "التأهب الاعتيادي" الذي أصبح من مقتضيات الضغوط القصوى التي يمارسها الرئيس الأمريكي المنتهية ولايته دونالد ترامب على إيران.

وفي تلك الأثناء، كانت الأنباء القادمة من بعيد عن فيروس غامض بمدينة ووهان شرقي الصين تزداد تواترًا، لتعلن منظمة الصحة العالمية في نهاية يناير أن فيروس كورونا الجديد يمثل "حالة طوارئ صحية عامة تثير قلقا عالميا".

ورويدًا رويدًا انتقل هذا الفيروس إلى كل دول العالم، ومن بينها الدول العربية. وسارعت مختلف الدول إلى إغلاق حدودها لمنع دخول إصابات إليها. كما اضطرت الدول إلى إغلاق دور العبادة وتعليق الدراسة ووقف الأنشطة الاقتصادية وحتى حظر التجوال للسيطرة على تفشي الفيروس.

ولم تشكل الحرب على الجائحة العالمية ضغوطا هائلة على الحكومات والأعمال فقط، فقد واجه الأفراد ضغوطا لم يسبق أن عاشوها، فلم يعد هناك بيت أو شارع إلا وفيه من أصيب أو فقد عزيزا أو ربما فقد عمله. وحتى الأطفال لم يسلموا من هذه الضغوط، حيث اضطروا للبقاء لأشهر طويلة بين جدران منازلهم دون أن يذهبوا لمدارسهم أو أن يقوموا بالأنشطة التي كانوا معتادين عليها. وربما لن تنسى الذاكرة صور المسجد الحرام وهو فارغ من المصلين أو صوت المؤذن وهو يقول "صلوا في رحالكم" أو كيف مر شهر رمضان على المسلمين دون الصلاة في المساجد، تماما كما لن تنسى الذاكرة الآلام التي استشعرها المسيحيون مع مرور مناسبات دينية مهمة دون أن يتمكنوا من إحيائها في الكنائس مثل أسبوع الآلام وعيد القيامة ومؤخرا أعياد الميلاد بالنسبة للكنائس المسيحية التي تسير حسب التقويم الغربي.

وخلال أشهر الربيع والصيف لم يكن هناك صوت يعلو فوق صوت جائحة كورونا والتدابير المرتبطة بها. ولكن مع مرور الوقت، اكتسب العالم بعض المهارة في التعامل مع الجائحة، وأصبح فرض التدابير ورفعها انتقائيا تبعا للأوضاع الوبائية أمرا معتادا. كما تحولت بعض الأعمال إلى العمل عن بُعد كليا أو جزئيا، وأصبحت التدابير الاحترازية جزءا لا يتجزأ من طبيعة بعض الأعمال الأخرى.

ومع اقتراب العام من نهايته، أصبح الحديث مُنصبا على اللقاحات، بعد أن ظهرت نتائج واعدة بشأن عدد منها خلال الأشهر الماضية. وبدأت عدة دول عربية بالفعل حملات لتلقيح الراغبين باللقاحات المضادة لكورونا. وبدأت الحملات باستخدام لقاح شركتي فايزر وبيونتيك، الذي سبق غيره في الحصول على الموافقات ذات الصلة من الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي والعديد من الدول.

وعلى صعيد مختلف تماما، ولكن ربما لا يقل دراماتيكية، شهدت قضية الشرق الأوسط تطورات مثيرة هذا العام، ربما كان بدايتها مع إعلان ترامب ورئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو في يناير خطة البيت الأبيض للسلام في الشرق الأوسط، والتي تعرض إقامة دولة فلسطينية، وتعطي في الوقت نفسه الضوء الأخضر لإسرائيل لضم غور الأردن وأراضي المستوطنات اليهودية المقامة في الضفة الغربية.

وطوال أشهر، ظل نتنياهو يلوح بتنفيذ الضم، إلى أن تم الإعلان فجأة في أغسطس عن اتفاق إسرائيل والإمارات على مباشرة العلاقات الثنائية الكاملة بينهما. وأكدت الإمارات في بيانها الرسمي بهذا الشأن على أنه نتيجة لهذا الانفراج الدبلوماسي، ستتوقف إسرائيل عن خطة ضم أراض فلسطينية وفقا لخطة ترامب للسلام، على أن تركز جهودها الآن على توطيد العلاقات مع الدول الأخرى في العالم العربي والإسلامي.

وبعد انطلاق مسار التطبيع، انضم إليه كل من البحرين والسودان والمغرب، وسط تأكيدات من نتنياهو على أن المسار لن يتوقف قريبا وستنضم إليه المزيد من الدول العربية والإسلامية.

ويختلف نموذج التطبيع الحديث عن ذلك الذي اتبعته مصر والأردن وتَرَكز بالأساس على إنهاء حالة العداء مع إسرائيل، إذ يقوم النموذج الجديد بصورة رئيسية على توسيع التعاون في قطاعات الاستثمار والسياحة والرحلات الجوية المباشرة والأمن والاتصالات والتكنولوجيا والطاقة والرعاية الصحية والثقافة والبيئة.

وخلال العام الجاري توفي اثنان من القادة العرب، كان مشهودا لهما بالحكمة والسعي للتوسط لحل أزمات المنطقة، فقد توفي السلطان قابوس بن سعيد سلطان عمان عن 79 عاما بعد أن تولى الحكم لنحو 50 عاما، وتولى السلطان هيثم بن طارق الحكم. كما توفي أمير الكويت الشيخ صباح الأحمد الصباح عن عمر ناهز 91 عاما، وتولى الحكم الشيخ نواف الأحمد الجابر الصباح. وقد كان للراحلين جهودا لا تنسى في محاولة تقريب وجهات النظر بين إيران وجيرانها، وبين دول الخليج العربية بعضها البعض.

ومن الأحداث التي أدمت القلوب في 2020 الانفجار الذي هز مرفأ بيروت في أغسطس وتسبب في دمار في أنحاء العاصمة اللبنانية وأودى بحياة نحو 200 شخص. وتباينت تقديرات الخسائر الناجمة عن الانفجار. وأشارت تقديرات للبنك الدولي إلى أنها تتجاوز ثمانية مليارات دولار. وحتى اليوم لا تزال تداعيات الانفجار تلقي بثقلها على الأوضاع الاقتصادية والسياسية في بلد يعاني بالفعل أوضاعا صعبة.

وسيسجل التاريخ لعام 2020 أنه شهد فيضانات واسعة في السودان وصفتها السلطات بأنها "غير مسبوقة" منذ عام 1912، وأسفرت عن "خسائر مفجعة وموجعة في الأرواح والمملتكات". كما شهد العام شطب اسم البلاد من القائمة الأمريكية للدول الراعية للإرهاب.

وتواصلت خلال العام الجهود الرامية لإنهاء الأزمة الخليجية، ويترقب الجميع حاليا القمة الخليجية التي تستضيفها السعودية في يناير القادم، بعدما أعلنت الكويت مؤخرا أن "الأزمة الخليجية طويت وتم التوصل إلى اتفاق نهائي بين الأطراف الخليجية"، وأنه "سوف يترتب على هذا الاتفاق الدخول في التفاصيل المتعلقة به قريبا".

ورغم انشغال العالم بجائحة كورونا، فإن محاولات إنهاء الأزمات المزمنة في سوريا واليمن وليبيا لم تتوقف، تماما كما لم تتوقف محاولات حل أزمة "سد النهضة" الذي تقيمه إثيوبيا على النيل الأزرق وتخشى مصر من تأثير سلبي له على حصتها من مياه نهر النيل. إلا أن أيا من هذه الملفات لم يشهد تقدما يوحي بنهاية قريبة له.

لقد مضى عام 2020 طويلا ومؤلما، وجعل أقصى ما يمكن أن يحلم به المرء في العام الجديد هو احتضان أحبائه أو التمتع بالحياة "بدون كمامة".

فيديو قد يعجبك: