أزمة تيجراي: ما دور إريتريا في الصراع الإثيوبي؟
أديس أبابا- (بي بي سي):
أثبت الرئيس الإريتري أسياس أفورقي، أنه حليف قوي لرئيس الوزراء الإثيوبي، الحائز على جائزة نوبل للسلام، آبي أحمد؛ حيث قدم لقواته أكبر دعم تحتاجه، لمحاربة جبهة تحرير شعب تيجراي. ويبدو ذلك إشارة إلى تغير الحظوظ السياسية لرجل كان منبوذاً في يوم ما.
وفي خطاب ألقاه مؤخراً أمام البرلمان الإثيوبي، كشف الحائز على جائزة نوبل، آبي، أن إريتريا- وهي دولة شمولية تعتمد القوة العسكرية ونظام الحزب الواحد في إدارة الدولة- قدمت طعاما وملابس عسكرية وأسلحة للجنود الإثيوبيين الذين انسحبوا عندما هاجمتهم جبهة تحرير شعب تيجراي واستولت على قواعدهم في إقليم تيجراي - المحاذي للحدود الإريترية.
وقال آبي إن ذلك مكّنهم من العودة لمحاربة جبهة تحرير شعب تيجراي (وهي حركة خاضت حرب عصابات في السابق، وتتألف قواتها من نحو 250 ألف جندي)، حتى طرد الجبهة من السلطة في الإقليم في 28 نوفمبر.
وأضاف "لقد تكشف لنا (جوهر) الشعب الإريتري... فهم أقاربنا الذين يقفون إلى جانبنا في الأوقات الصعبة".
وكان هذا اعترافاً مهماً من آبي، على الرغم من أنه لم يذهب إلى حد الاعتراف بمزاعم تفيد أن أسياس أفورقي قد أرسل أيضاً قوات عسكرية للمساعدة في إلحاق الهزيمة بجبهة تحرير شعب تيجراي، التي تمثل عدواً قديماً للزعيم الإريتري المهيمن على السلطة منذ عام 1993.
مزاعم قصف مستشفى
وجاء الزعم بأن قوات إريترية تقاتل في تيجراي من جبهة تحرير شعب تيجراي ومدنيين فارين من القتال وإريتريين من داخل وخارج البلاد.
وقال بولص تيسفاجرجس، وهو ناشط إريتري في مجال حقوق الإنسان، أجبره النظام في أسمرة على العيش في المنفى: "إن أسياس يرسل الشباب الإريتريين للموت في تيجراي؛ الحرب التي ستضعف الاقتصاد بشكل أكبر، لكن أسياس سيبقى في السلطة لفترة طويلة، إنه يدفع الناس للقتال من أجل البقاء على قيد الحياة بدلاً من القتال من أجل حرياتهم".
وقال متحدث باسم وزارة الخارجية الأمريكية أيضا إن هناك "تقارير موثوقة" عن وجود قوات إريترية في تيجراي، ووصف ذلك بأنه "تطور خطير".
وتنفي الحكومتان هذه التقارير ووصفها وزير الخارجية الإريتري عثمان صالح محمد بـ "دعايات مغرضة".
أما الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيرش، فقال إن آبي أكد له عدم وجود قوات إريترية في تيجراي، باستثناء الأراضي التي وافقت إثيوبيا على تسليمها بعد اتفاق سلام تاريخي بين البلدين في عام 2018.
وأنهت الصفقة حالة "اللاحرب واللاسلم" التي كانت قائمة بين البلدين منذ حربهما على الحدود في الفترة 1998-2000 ، والتي خلفت نحو 100 ألف قتيل. وجلبت لآبي جائزة نوبل للسلام، على الرغم من أن المنطقة لم تكن قد سلّمت إلى إريتريا بعد في الوقت الذي بدأ فيه الصراع في تيجراي في أوائل نوفمبر.
وفرضت حكومة آبي قيوداً شديدة لمنع وصول وسائل الإعلام ووكالات الأمم المتحدة وهيئات حقوق الإنسان إلى تيجراي ، مما يجعل من الصعب التحقق من التقارير أو التحقيق في مزاعم الفظائع المرتكبة ضد جميع أطراف النزاع - بما في ذلك قصف مستشفى من داخل الأراضي الإريترية.
ولم تعلق إريتريا على القصف المزعوم، الذي ورد ذكره في بيان صادر عن مفوض الأمم المتحدة لحقوق الإنسان. وينفي آبي أن تكون قواته قتلت أي مدني في تيجراي.
وقال رشيد عبدي، المختص بشؤون منطقة القرن الأفريقي في كينيا: "دارت هذه الحرب وسط تعتيم إعلامي، فلا أحد يعلم الحجم الحقيقي للصراع أو مدى تأثيره".
اتهام القوات الإريترية بأعمال نهب
وقال الباحث والمحلل المقيم في الولايات المتحدة، أليكس دي وال، إن مصدرا في الأمم المتحدة أبلغه أن الصراع تسبب في "نزوح واسع النطاق" للمقيمين في تلك المنطقة، وهم أفقر سكان إثيوبيا، ويبلغ عددهم نحو خمسة ملايين نسمة".
وشدد دي وال على القول: "إذا استمر الأمر على هذا النحو ، فستحدث مجاعة جماعية في تيجراي ، وسيشعر السكان بالمرارة والغضب".
وأضاف أنه علم أيضًا من مصادر موثوقة في تيجراي، بما في ذلك رجال دين ، أن القوات الإريترية متورطة في عمليات نهب.
وقال: "سمعنا أنهم يسرقون حتى الأبواب وتجهيزات الحمامات".
وقال إريتريون آخرون إن الجنود بمن فيهم أقاربهم كانوا يقاتلون قوات جبهة تحرير شعب تيجراي على عدة جبهات، بل وحتى البعض منهم كانوا يرتدون الزي الإثيوبي للتمويه.
وتصر إريتريا على عدم وجود قوات لها في تيجراي، وقد نقل عن وزير خارجيتها قوله: "لسنا منخرطين في القتال".
لكن الدبلوماسي الإريتري السابق والمنفي حاليا، عبد الله آدم، قال إنه يعرف شخصيا جنودا أصيبوا في القتال، بينما قال مصدر في المستشفى العام في بلدة سينافي بجنوب إريتريا لبي بي سي إن عناصر من القوات الإريترية والإثيوبية قد عولجوا هناك.
"أسياس يسعى إلى تصفية جبهة تحرير شعب تيجراي"
وقالت مصادر أخرى في إريتريا إن القوات الإثيوبية شوهدت وهي تعيد تجميع صفوفها حول بلدة حجاز بوسط البلاد وتنقل جرحاها إلى مستشفى جيلاس العسكري القريب.
وقال الأكاديمي الإريتري المقيم في المملكة المتحدة جايم كيبريب إنه يعتقد أن الرئيس أسياس أرسل قوات إلى تيجراي لمتابعة "تصفية" جبهة تحرير شعب تيجراي ، والتي، كما قال ، كانت الهدف الرئيسي للزعيم الإريتري منذ حرب الحدود 1998-2000.
وكانت جبهة تحرير شعب تيجراي في السلطة في ذلك الوقت في الحكومة الاتحادية الإثيوبية وحكومة إقليم تيجراي.
"في حرب 1998-2000 ، أهانت جبهة تحرير شعب تيجراي الرئيس أسياس، عبر الاستيلاء على قرية بادمي الصغيرة. وحتى عندما قضت محكمة دولية بأن القرية تابعة لإريتريا، رفضت الجبهة الانسحاب من الموقع المحتل لمدة 18 عاماً.
وأضاف جايم أن"الرئيس كان ينتظر هذه اللحظة ولم تحسن جبهة تحرير شعب تيجراي تقدير مكره ودى صبره فعرضت نفسها للخطر".
"صواريخ أُطلقت على إريتريا"
ويصر أنصار أسياس على أن القوات الإريترية لم تعبر الحدود إلى تيجراي، قائلين إنهم سعوا فقط إلى تحقيق هدف استعادة الأراضي التي تعود ملكيتها إلى إريتريا عبر الاستيلاء على بادمي والمناطق المحيطة بها، من دون التسبب في وقوع إصابات.
وقال بولص، معبراً عن وجهة نظر مختلفة: "عادت بادمي إلى أيدي إريتريا، لكن لم يكن هناك إعلان عام عن ذلك لأن هذا ليس مصدر قلق أسياس الرئيسي. وما زال يعمل ويحث على سحق جبهة تحرير شعب تيجراي".
لقد بدأ أبي كصانع سلام ومصلح، لكنه وقع بعد ذلك في فخ السعي للانتقام من جبهة تحرير شعب تيجراي، وهو ما أراده أسياس.
يقول أبي إنه حاول حل الخلافات مع جبهة تحرير شعب تيجراي بشكل سلمي ، لكنه أُجبر على التصرف ضدها بعد أن استولت على قواعد عسكرية في غارة ليلية في 3 نوفمبر ، الأمر الذي أقنع آبي بأن الجبهة تريد الإطاحة بحكومته.
وعلى الرغم من أن أسياس حشد قواته لمساعدته في ذلك الوقت، إلا أن وسائل الإعلام الحكومية الإريترية أبقت جمهورها في حالة جهل بشأن الصراع ، وفشلت حتى في الإبلاغ عن الصواريخ التي أطلقتها جبهة تحرير شعب تيجراي والتي سقطت على مشارف العاصمة أسمرة في أوائل نوفمبر، وسمع السكان دوي الانفجارات وقتها.
وقال داويت فيسهاي، المسؤول الحكومي السابق في إريتريا: "التلفزيون الإريتري يتحدث عن تفجيرات في سوريا، لكن عندما سقطت الصواريخ في أسمرة، لم يعلن عنها أو يأتي على ذكرها إطلاقاً".
وفي تغريدة، قال وزير الإعلام الإريتري يماني مسكل إنه "من غير المجدي تضخيم أفعالها (جبهة تحرير شعب تيجراي) الأخيرة المتوقعة وإن كانت غير منطقية".
"اختطاف لاجئين"
إن الحصول على الإنترنت في إريتريا محدود، ولا توجد في البلاد وسائل إعلام مستقلة ولا أحزاب معارضة - كما أن مصير 11 سياسياً و 17 صحفياً معتقلين منذ ما يقرب من 20 عاماً لا يزال مجهولاً.
وعلاوة على ذلك، يعتبر التجنيد العسكري خدمة إلزامية وفرص العمل محدودة، مما أدى إلى فرار العديد من الناس وخاصة الشباب من البلاد. وكان نحو 100 ألف شخص يعيشون منذ سنوات في مخيمات الأمم المتحدة في تيجراي.
وقالت المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين إنها تلقت "عددًا هائلاً من التقارير الموثوقة" عن مقتل واختطاف وإعادة لاجئين قسراً إلى دولة الحزب الواحد خلال النزاع الحالي.
وعلى الرغم من عدم تحديد الجهة المسؤولة عن عمليات الاختطاف، إلا أن لاجئ إريتري قال لبي بي سي إن الجنود الإريتريين هم الذين رحّلوهم وحمّلوهم في شاحنات في بلدة أديغرات ونقلوهم عبر الحدود إلى بلدة أدي قوالا.
ولم تعلق إريتريا على تورطها المزعوم، لكنها اتهمت في السابق وكالة الأمم المتحدة بارتكاب "حملات تشهير" ومحاولة إخلاء البلاد من السكان.
وقال داويت إنه لا يعتقد أن النظام سيتجه إلى الإصلاح على الإطلاق. مضيفاً أنه "لم يحدث تغيير في إريتريا حتى الآن، لأن القيادة لم تكن تريد ذلك وزوال جبهة تحرير شعب تيجراي لن يغير من الوضع شيئاً، وأن توقع حدوث إصلاح ما هو مجرد حلم بعيد المنال".
فيديو قد يعجبك: