في الذكرى الـ75 لانتصارها بالحرب العالمية الثانية: بوتين يستميت في الدفاع عن ستالين
موسكو- (د ب أ):
في الوقت الذي تستعد فيه روسيا للاحتفال بالذكرى الخامسة والسبعين لانتصارها في الحرب العالمية الثانية، في شهر مايو المقبل، يواصل الرئيس فلاديمير بوتين الدفاع باستماتة عن الزعيم السوفيتي الراحل جوزيف ستالين، ويتصدى بقوة لدعوات تطالب بفتح الأرشيف السري المتعلق بقيام الدولة السوفيتية بقتل الملايين من مواطنيها.
وعلى سبيل المثال، يوجد في مدينة بوتوفو أكثر من 200 ألف ضحية في مقبرة جماعية بضيعة سابقة ترجع لعهد القياصرة، على بعد حوالي 20 ميلاً (32 كيلومترا) خارج موسكو. وقتل بعضهم بالغاز في شاحنات كانت تقلهم وهم يرتدون ملابسهم الداخلية إلى ساحات القتل خلال حملة "الرعب العظيم" التي نفذها ستالين خلال عامي 1937 و1938.
وقال كيريل كاليدا، وهو قس أرثوذكسي روسي كان جده ضمن القتلى، وهو جزء من حملة تهدف إلى الكشف بشكل تام عن مصير ضحايا قمع ستالين: "نريد معرفة الحقيقة... لايجب أن نحاول التستر عليها".
وفي الوقت الذي يدعو فيه الكرملين زعماء العالم إلى حضور فعاليات كبري مقررة في شهر مايو المقبل، احتفالا بالذكرى الخامسة والسبعين للانتصار في الحرب العالمية الثانية التي يطلق عليها الروس "الحرب الوطنية العظمى"، يشدد بوتين من لهجة خطابه ضد القوى الغربية بسبب معاهدة "مولوتوف ريبنتروب" التي أبرمت في عام 1939 بين ستالين وهتلر. وفي سبتمبر الماضي، نددت روسيا بقرار البرلمان الأوروبي الذي ساوى بين ألمانيا النازية والاتحاد السوفيتي. وقال إن صفقة سرية تضمنتها المعاهدة لاستقطاع بولندا ودول البلطيق "مهدت الطريق" أمام اندلاع الحرب العالمية الثانية.
وجعل بوتين الانتصار في الحرب محور جهود ايديولوجية لحشد الروس وراء رؤيته الخاصة بأمة قوية لاتعتذر عن ماضيها وقادرة على الوقوف في وجه الغرب في اعقاب الانهيار المهين للقوة العظمى السوفيتية.
وهي رؤية تتعارض مع أعمال القمع الجماعي إبان حقبة ستالين وتاريخ الاحتلال السوفيتي لأوروبا الشرقية بعد الحرب .
وتتزامن الاستعدادات للاحتفال بالذكرى الخامسة والسبعين للانتصار في الحرب العالمية الثانية، مع تغييرات دستورية من شأنها أن تسمح لبوتين بالاستمرار في حكم روسيا بعد انتهاء ولايته الرئاسية الحالية في عام 2024.
إذكاء الشعور بالوطنية
وعمل بوتين على تأجيج الشعور بالوطنية للاحتفاظ بالدعم الشعبي في خضم المواجهة مع الولايات المتحدة وحلفائها على خلفية ضم موسكو لشبه جزيرة القرم في عام 2014، وتدخلها عسكريا في شرق أوكرانيا، في الوقت الذي تحمل فيه المواطنون الروس وطـأة خمس سنوات من تراجع الدخل بسبب العقوبات الدولية على بلادهم.
ويهدد دفاع بوتين عن ستالين وعن السجل السوفيتي بتقويض جهود موسكو لتخفيف حدة التوترات مع الغرب. ويبحث الرئيس الأمريكي دونالد ترامب ورئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسون في دعوتين من بوتين لحضور عرض عسكري سنوي يقام في الميدان الاحمر في التاسع من شهر آيار/مايو المقبل ، في حين قال الرئيس الفرنسي إيمانويل إنه سوف يحضر العرض.
وأبلغ بوتين زعماء الجمهوريات السوفيتية السابقة في شهر كانون أول/ديسمبر الماضي بأن الكرملين اضطر إلى التوقيع على معاهدة "مولوتوف ريبنتروب" (التي تعرف رسميا بمعاهدة عدم الاعتداء بين ألمانيا والاتحاد السوفيتي السابق) لكسب الوقت لإقامة دفاعات البلاد بعدما خانت بريطانيا وفرنسا الاتحاد السوفيتي وتوصلتا إلى اتفاقية ميونخ مع هتلر في عام 1938.
وقال بوتين في خطاب بثه التليفزيون الرسمي في روسيا: "إنهم يريدون تحويل المسؤولية عن اندلاع الحرب العالمية الثانية من النازيين إلى الشيوعيين".
ولطالما هاجم بوتين بولندا، متهما إياها بــ "التآمر" مع هتلر، وفي اجتماع عقده مع قادة عسكريين في الرابع والعشرين من شهر كانون أول/ديسمبر الماضي وصف السفير البولندي لدى ألمانيا النازية بأنه "خنزير معاد للسامية".
المخاطر الكبرى
وفي اجتماع عُقِدَ في ديسمبر الماضي للمجلس الروسي لحقوق الإنسان، اتسم رد بوتين بالتشكك على دعوة لإنشاء قاعدة بيانات عامة عن عمليات القتل التي تمت في عهد ستالين، قائلا إن هناك "مخاطر كبرى " تتعلق بفتح سجلات الشرطة السرية (إن كيه في دي) إبان عهد ستالين. وأضاف بوتين: "نعرف الطريقة التي عملت بها الشرطة السرية خلال حقبة ثلاثينيات القرن الماضي... ربما لا يكون الأمر دائما سارا بالنسبة للأقارب إذا ما جرى فتح ملفات أسلافهم".
وفي عام 2007 قام بوتين بزيارة مدينة بوتوفو. وبفضل رئيس استخبارات يتسم بالتفكير الليبرالي في موسكو في مطلع تسعينيات القرن الماضي وشهادة ضابط رفيع المستوى من جهاز الاستخبارات الروسية السابق "كيه جي بي"، تم تحديد هوية الضحايا الذين دفنوا في المدينة والبالغ عددهم 20الف و762شخصا، وكان بينهم ألف قس أرثوذكسي وزعيم الجالية اليهودية السوفيتية وفرقة مسرحية من منطقة البلطيق، وشخصيات روسية بارزة.
وقال كاليدا الذي رافق الرئيس الروسي خلال زيارته لمدينة بوتوفو في عام 2017: " كانت العصبية واضحة على بوتين". وكاليدا مسؤول اليوم عن موقع جرى فيه إقامة نصب من الجرانيت حفرت عليه أسماء الضحايا وتواريخ إعدامهم.
وأضاف كاليدا: "بالنسبة له ، لم تكن الزيارة سهلة، وقد قال إنه جرى إبادة صفوة الأمة ."
وتتضمن الوثائق المعروضة في مدينة بوتوفو وصفا قدمه شهود عيان للسجناء وهم يحتضرون جراء اطلاق غاز أول اكسيد الكربون عليهم وهم داخل شاحنات. ووفقا لكاليدا، قد يصل عدد المدفونين في الموقع إلى 30 ألف شخص.
مقابر جماعية
وتوجد مقابر جماعية مماثلة في جميع أنحاء الاتحاد السوفيتي السابق، وتم اكتشاف عدد قليل منها فقط. وخلال عصر ستالين الذي استمر حوالي ثلاثة عقود، حتى وفاته في عام 1953 ، قامت الشرطة السرية بسجن أو ترحيل أو إعدام ما يقرب من 27 مليون مواطن، بحسب متحف "جولاج" للتاريخ الذي تموله الدولة.
كما توفى الملايين جراء المجاعة في أعقاب حملة مصادرة واسعة النطاق نفذتها الدولة للحبوب والأراضي الزراعية بموجب سياسة المزارع الجماعية القسرية التي كان يطبقها ستالين.
وقالت إيلينا زيمكوفا، المديرة التنفيذية لمنظمة "ميموريال" الحقوقية والتي تنفذ حملة لفتح الملفات الخاصة بحقبة حكم ستالين: "عدم الحديث عن الشر يعني أن الناس تنسى... ماذا يمكن أن يحدث إذا رفضوا في ألمانيا مناقشة جرائم النازية..
ويلجأ البعض إلى المحاكم، وقد حصلت مجموعة من المحامين في سان بطرسبرج يطلق عليها الطاقم 29 المتخصص في تمثيل لأسر ضحايا القمع ، يوم الأربعاء الماضي ( الثاني عشر من شهر فبراير الجاري) ،على حكم بالاطلاع على الملفات الخاصة بإيليا زاكون، الذي كان توفي داخل أحد سجون لينينجراد خلال الحصار. وقال المحامي مكسيم اولينيتشيف إن هذا أول حكم من نوعه تشهده المدينة خلال عدة سنوات.
كما أن اولينيتشيف يمثل ديمتري أوسترياكوف، وهو معلم في سان بطرسبرج يبلغ من العمر 35 عاما، والذي قدم طلبا في وقت سابق الشهر الجاري للاطلاع على ملف قضية جده فاسيلي، الذي كان مدير مزرعة جماعية وتوفي في معسكر للعمل القسري بمنطقة "فار ايست" في عام 1944 بعد عام من اعتقاله بتهمة الخيانة.
وفي عام 2017، فاز جهاز الأمن الفيدرالي الذي حل محل "كي جي بي"، بجلسة استماع لحرمان والد ديمتري، فاليري، من الاطلاع على ملف القضية. وقال ديمتري: "أعتبر اثبات الحقيقة واجبي"، فجده "ليس له قبر حتى".
فيديو قد يعجبك: