"هكذا تبدو نهاية العالم".. حكايات نازحين على الحدود السورية- التركية
كتبت- هدى الشيمي:
مع استمرار تقدم قوات نظام الرئيس السوري بشار الأسد في تحرير مدينة إدلب، شمال غرب سوريا، من أيدي المعارضة، تتفاقم أزمة النازحين الذين لا يجدون مأوى، ويعجزون عن العثور على الأمان في أي مكان داخل بلادهم، ما يجبرهم على الفرار نحو الحدود التركية.
قالت صحيفة "نيويورك تايمز" الأمريكية إن الحدود التركية السورية تمتلئ الآن بحكايات عن خيبة الأمل والحزن والحسرة، حيث يتواجد 900 ألف شخص هاربين من القصف والمعارك. وفيما يحاول مئات الآلاف من السوريين الخروج من سوريا، يسعى السوري يحيى جمال، 21 عامًا، إلى العودة إليها مرة أخرى. قال جمال، لنيويورك تايمز، إن والده توفي قبل وقت قصير.
نزحت عائلة جمال، حسب الصحيفة، من منزلهم جراء القصف المتواصل، كانوا يستظلون بظلال الأشجار، ينامون أسفلها، لذلك يسعى إلى العودة إلى موطنه رغم نجاحه في الهروب إلى تركيا.
قال جمال، لنيويورك تايمز، إنه لم يعد للعائلة مكان، مُضيفًا: "من المستحيل العثور على مكان آمن الآن".
أكبر عملية هجرة جماعية
خلف التلال على المعبر الحدودي التركي في ريحانلي تتكشف كارثة انسانية جديدة، وذلك مع تسريع هجوم القوات الحكومية السورية، المدعومة من روسيا، هجومها المستمر منذ أشهر للسيطرة على إدلب، شمال غرب سوريا آخر محافظة تسيطر عليها المعارضة، ما أجبر حوالي 900 ألف شخص، أغلبهم من النساء والأطفال، إلى النزوح من منازلهم منذ ديسمبر الماضي، لينضموا إلى حصيلة النازحين في أكبر عملية هجرة جماعية للحرب الأهلية السورية المندلعة قبل 9 أعوام.
لفتت نيويورك تايمز إلى أن أغلب النازحين يتجهون شمالاً، ويعانون من البرد القارس، حالف بعضهم الحظ في العثور على مكان داخل المخيمات، فيما ينام آخرون تحت الأشجار، داخل المراعي والحقول في المنطقة، ما تسبب في وفاة 12 طفلاً على الأقل بسبب البرد.
تستضيف تركيا أكثر من 3 مليون لاجئ سوري، ولكنها أغلقت حدودها أمام الوافدين الجدد منذ عام 2015، منعًا لدخول المزيد، وتترك مئات الآلاف عالقين في إدلب.
يستطيع التجار الذين يُجرون مُعاملات تجارية على الجانبين الانتقال عبر الحدود، مثل محمد، تاجر مجوهرات يسافر مع زوجته أمينة لنقل أبنائهم من سوريا وإعادتهم إلى تركيا. ووصف الأوضاع على الحدود بـ"المُهددة".
قال محمد، لنيويورك تايمز، إن النازحين خائفين، مؤكدًا أن الوضع مأساوي وشديد السوء، مع عيش المدنيين في الشوارع، ونومهم إلى جانب الأشجار في الطقس شديد البرودة.
نشر الجيش التركي مئات الجنود والمدرعات لحماية الحدود والمعابر، ومنعًا لدخول المزيد من اللاجئين، طالب الرئيس التركي رجب طيب اردوغان الحكومة السورية بسحب قواتها من المنطقة، وأكد أن العملية العسكرية في إدلب "مسألة وقت".
وأضاف: "بشار الأسد يقتلنا، كل يوم يموت المئات، والآن على أمريكا فعل أي شيء".
نزوح مُتكرر
قالت أوتوران مصطفى، 26 عامًا، أم لثلاثة أطفال، تعيش الآن مع ابنائها وسيدتين اخريتين و14 طفلاً في كفر كرمين، قرية سورية تبعد أقل من 4 أميال عن خط المواجهة في الأتارب، إن "القصف مستمر طوال الوقت".
هربت أوتوران مع السيدتين الأخريتين ثلاث مرات منذ بدء الهجوم الأخير في 18 ديسمبر، في البداية نزحوا من بلدتهم معرة النعمان إلى الريف، شرق إدلب، ومع تحرك الجيش السوري نحو الشرق، نزحوا مرة أخرى إلى كفر كرمين، وذكرت أن المعارك الآن تقترب من الأماكن التي يتواجد فيها المواطنون.
تعيش ثلاث سيدات داخل منزل غير مُكتمل البناء، بدون أبواب ونوافذ أو طاقة كهربائية، ولكنهم مع ذلك لا يفكرون في مغادرته، حسب نيويورك تايمز، لأنهم لا يريدون فقدان السقف الذي يغطي رؤوسهن.
الأوضاع تسوء مع مرور الوقت في ظل اقتراب قوات النظام من السيطرة على إدلب بأكملها، قالت السيدة السورية إنهن ليس لديهن أي مكان آخر، موضحة أنه لم يعد هناك خيام شاغرة في معسكرات الإيواء، وتكّدست المخيمات مع تدفق النازحين عليها.
يبكي ابنها طوال الليل لشعوره بالجوع، بالرغم من أنها ترضعه، ولكن الأطباء أخبروها بأن الرضيع في حاجة إلى مزيد من الطعام، وهو ما لا تستطيع العثور عليه.
قال فؤاد سيد عيسى، مدير منظمة "بنفسج" الإغاثية- منظمة سورية غير ربحية، إن بعض العائلات علقت في شرق إدلب مع سرعة تقدم قوات النظام.
ولمُساعدة المدنيين على الخروج بأمان من إدلب، يحاول المتطوعون في المنظمة استئجار أو استعارة شاحنات لإجلاء العائلات العالقة دون مواصلات أو وقود في الخطوط الأمامية للقتال.
ووفق المنظمة، ساعدت "بنفسج" حتى الآن ساعدت أكثر من 17 ألف شخص على الخروج من بلدة أريحا في عملية واحدة.
وزاد تفاقم الأزمة، بعد إخلاء مخيم الأمم المتحدة والذي ضم حوالي 10 آلاف شخص بعد اقتراب قوات النظام، فيما يتوجه أغلبهم، حسب نيويورك تايمز، نحو الحدود التركية.
نهاية العالم
حسب عيسى، فإن الأمر أشبه بـ"نهاية العالم"، إذ يحتشد الآلاف في المخيمات، أو يقفون حولها أملاً في الحصول على مساعدة.
أكبر مشكلة تواجه الجميع الآن في المنطقة هي توفير مأوى للنازحين، وهي المشكلة التي لن يستطيع أي من الوافدين الجدد على المخيمات حلها حتى إذا كان بحوزتهم المال لشراء أو استئجار خيمة، حسب عيسى.
أصابت الأوضاع الحالية عيسى وغيره من عمال الإغاثة في المنطقة بخيبة أمل، لاسيما وأن الجهود الإغاثية لن تكافئ أبدًا حجم الأزمة التي يعيشها المدنيين.
أوضح عيسى، مؤسس منظمة بنفسج الإغاثية، أن الأمم المتحدة لديها 5000 خيمة، فيما يحتاج المدنيون إلى أكثر من 60 ألف خيمة.
ومع اقتراب قوات النظام من تحرير إدلب بأكملها، سوف تزداد الأزمة تفاقمًا، ويتوقع عيسى أن تغدو الأمور أكثر مأسوية مع نزوح الجميع من المناطق التي يسيطر عليها الأسد.
الحل الوحيد الآن، حسب عيسى، هو فتح تركيا أبوابها أمام اللاجئين. يقول: "ندعو أنقرة إلى القيام بذلك، عليها الآن اتخاذ القرار".
فيديو قد يعجبك: