كاتب أمريكي: واشنطن والخطايا الثلاث في أفغانستان
كتب- محمد عطايا:
بعد ثمانية عشر عامًا دموية، كان السائد في الولايات المتحدة أن أزمة أفغانستان من الصعب وضع حلول لها، وأن كل الخطط لها طريق واحد وهو الفشل، إلى أن غرَّد وزير الخارجية الأمريكي مايك بومبيو، أمس الجمعة، بأنه تم التوصل إلى هدنة مع حركة طالبان، قد تؤدي بعد ذلك إلى انسحاب القوات الأمريكية.
وأكد وزير الدفاع الأمريكي مارك إسبر، في تصريحات سابقة أدلى بها، أن الهدنة إذا التزمت "طالبان" بها، فقد تكون خطوة لسحب قوات الجيش الأمريكي من البلاد.
ومن جهته، أكد نائب زعيم حركة طالبان، سراج الدين حقاني، أن الحركة قررت استئناف التفاوض مع الولايات المتحدة؛ لأن كلفة الحرب الطويلة فادحة، وتحمَّل نتائجها الجميع، وأنه ليس من الحكمة رفض أية فرصة محتملة للسلام حتى إن كانت ضئيلة.
وقال حقاني إن الحركة تسعى إلى تغيير في نهجها، وخلق نظام يتفق عليه جميع الأطراف؛ بحيث يعكس صوت كل أفغاني دون استثناء، وذلك من خلال نظام إسلامي يحفظ المساواة بين جميع الأفغان؛ حيث حقوق المرأة، الممنوحة لها من الإسلام، من حق التعلم إلى حق العمل.
على عكس السائد الذي روَّجه المسؤولون الأمريكيون، فلم يكن التدخل العسكري في أفغانستان أمرًا حتميًّا، وذلك وَفقًا لما ذكره الكاتب الأمريكي مايكل هيرش، الذي أكد أن ما سَعَت الولايات المتحدة إلى فعله في أفغانستان هو أشبه بما وصفه المتحدث باسم الرئيس الأسبق جورج بوش، استراتيجية "عوامل التمكين المتواطئة"، لافتًا إلى أنها اسوأ اتجاه استراتيجي في تاريخ أمريكا.
وأضاف هيرش، في مقال بمجلة "فورين بوليسي"، مستندًا إلى كتاب ديفيد كيلكولين، وهو خبير استراتيجي أمريكي، تحت عنوان "التنانين والأفاعي.. كيف تعلم الباقون أن يقاتلوا الغرب؟"، أن أزمة أفغانستان كان يمكن حلها بمجهود وأموال ودماء أقل.
يرى الكاتب الأمريكي أن الولايات المتحدة لم تتمكن من إدارة الصراع جيدًا في أفغانستان، لافتًا إلى أن حركة طالبان بعدما انحصرت وبَعُدَت عن الحكم في أعقاب القصف الأمريكي منذ 2002، بدأت تتسلل مرة أخرى وتخرج من أماكن اختبائها في عام 2003، وعملت على تكوين "مجلس شورى كويتا".
تشكيل مجلس شورى طالبان، جعل إدارة بوش -وفقًا للكاتب هيرش- في حالة من "الذعر"؛ خصوصًا أن أفغانستان لا تحتوي على أسلحة دمار شامل، أو أشخاص على صلات بزعيم تنظيم القاعدة السابق أسامة بن لادن، وبالتالي تسقط حجج الأمريكيين في ضرب البلد بحجة الإرهاب، مثلما فعلوا في العراق من قبل.
وسط الاضطراب الأمريكي، والتخبط في اتخاذ قرارات صحيحة تستطيع السيطرة على الوضع في أفغانستان، وكبح جماح "طالبان"، شعر الشعب الأفغاني -حسب هيرش- بالإحباط؛ لأنهم يدركون أنه في حالة تركت الولايات المتحدة البلاد بشكل سريع وغير مدروس ستتحول إلى رهينة في يد "طالبان".
التردد في القرارات نقله الكاتب الصحفي الكبير بوب وودورد، في كتابه "الخوف"، والذي كشف فيه عن كثير عن خفايا البيت الأبيض.
وذكر وودورد أنه قبل اجتماع الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، بمجلس الأمن القومي في بلاده، في الثامن عشر من أغسطس عام 2017، قرر أعضاء مجلس الأمن القومي الأمريكي الإيقاع بترامب، حسبما يقول وودورد في الفصل 31 من كتابة "الخوف"، وإظهاره أمام الرأي العام أنه لا يملك قراره.
وفي الوقت الذي كان فيه المسؤولون بالإدارة الأمريكية لا يريدون الانسحاب من أفغانستان، وأجمعوا آراءهم ضد ترامب، رد الأخير بغضب على جنرالاته: "أنتم سبب هذا الموقف. هذا كارثة.. أنتم مهندسو كل هذه الفوضى في أفغانستان. أنتم من صنع المشكلات. أنتم أذكياء؛ لكن دعوني أخبركم بأنكم جزء من المشكلة. ولم تكونوا قادرين على حلها، وتجعلونها أسوأ".
الفوضى التي تحدَّث عنها ترامب بدأت مع تمرد "طالبان" في عام 2004، وتحولت الأمور من سيئ إلى أسوأ في 2005، وذلك وَفقًا لهيرش، الذي أوضح أنه بعد انتخاب الرئيس السابق باراك أوباما، تمكنت "طالبان" من الاستيلاء على مدينة قندوز في عام 2015 وسط عجز أمريكي؛ ما جعل حركة طالبان تشكل تهديدًا على الحكومة الأفغانية.
وقال الكاتب الأمريكي إن إدارة بوش ارتكبت ثلاثة أخطاء في أفغانستان؛ أولها هو تحويل تلك الدولة إلى منطقة خالية من المقومات تقريبًا.
أكد جيمس دوبينز، مبعوث الولايات المتحدة السابق لأفغانستان، أن بلدًا مدمَّرًا لا يملك جيشًا أو شرطة وطنية لن يتمكن من تأمين أرضه أمام "طالبان".
وأضاف دوبينز أن عدم إشراك عناصر من حركة طالبان؛ بما في ذلك قيادتها العليا، التي كانت مستعدة لإلقاء أسلحتها في عملية تسوية، فاقم من الأزمة.
وأوضح مبعوث الولايات المتحدة السابق لأفغانستان أن دعم باكستان لحركة طالبان زاد من قوة الحركة التي عملت على كسب النفوذ في أفغانستان أكثر فأكثر.
بينما كشف هيرش أن إعلان بوش الحرب على الإرهاب بعد أحداث 11 سبتمبر، قد يكون أسوأ خطأ استراتيجي ارتكبه زعيم أمريكي؛ نظرًا لما كان له من نتائج سلبية على عديد من البلدان؛ وهو ما أثَّر بدوره سلبًا على الولايات المتحدة.
فيديو قد يعجبك: