لم يتم العثور على نتائج البحث

إعلان

كيف تساعد حمامات العراة في اليابان على التخلص من ضغوط الحياة؟

02:30 م الأربعاء 05 فبراير 2020

شعرت أن آلام عضلاتي تذوب بمجرد أن غمرتني المياه ال

لندن (بي بي سي)

شعرت أن آلام عضلاتي تذوب بمجرد ما غمرت المياه الساخنة أكتافي العارية. وأومأت للسيدة التي كانت تجلس أمامي في حوض الاستحمام، ووافقتني الرأي في أن المياه شديدة السخونة.

ويقصد اليابانيون هذه الحمامات العامة منذ أكثر من 1000 عام لتزيح المياه الساخنة عن كاهلهم ضغوط ومتاعب الحياة اليومية. وهناك نوعان من الحمامات العامة في اليابان، أحدهما "أونسن" أو ينابيع المياه الساخنة التي تحظى بشهرة عالمية، والآخر هو "السينتو"، الذي يعد أقل شهرة من نظيره الأونسن ويعتمد على مياه الصنابير المرشحة.

وتوجد هذه الحمامات العامة بنوعيها، في كل منطقة تقريبا في اليابان ويشترط للاستحمام فيها التجرد تماما من الملابس. وتضع جميع الحمامات العامة في اليابان قواعد صارمة للاغتسال قبل النزول إلى المياه وتوفر مساحة مشتركة للأصدقاء والعائلات وزملاء العمل للاسترخاء والتواصل.

وبينما لا يكاد يخلو منزل الآن في اليابان من أحواض الاستحمام إلا أن شعبية الحمامات العامة لم تشهد تراجعا كبيرا كما هو متوقع.

وتعد ينابيع المياه الساخنة الغنية بالمعادن التي تعرف بـ"أونسن" الخيار الفاخر بين الحمامات العامة، واشتهرت مياه هذه الحمامات بخصائصها العلاجية العديدة، من تنقية الجلد إلى تخفيف آلام التهاب المفاصل، وقد أشاد الكثير من الأساطير اليابانية بقدرتها الفائقة على مداواة الحيوانات والآلهة القديمة.

وتوجد أكثر حمامات الينابيع الساخنة في الهواء الطلق وسط المناظر الطبيعية الخلابة، وتضم أحواض استحمام من خشب الأرز. وتجتذب حمامات أونسن التي تبعث على الاسترحاء عادة الأزواج والأصدقاء الذين يبحثون عن فضاء للاسترخاء بعيدا عن هموم الحياة اليومية.

وتحولت بلدات هادئة مثل كوساتسو في منطقة كانتو اليابانية إلى مقصد لمحبي الينابيع الساخنة بفضل موقعها المميز بالقرب من الينابيع التي تسخنها الأنشطة البركانية الطبيعية.

أما حمامات السينتو فهي أكثر عملية وأكثر شيوعا من حمامات أونسن. وكانت حمامات السينتو قديما حكرا على الكهنة البوذيين في القرن السادس عشر، وفُتحت للجمهور فيما بعد، لكنها كانت تقتصر على الأثرياء والمرضى. وبحلول القرن الثاني عشر أخذت حمامات السينتو في الانتشار ولاقت شعبية كبيرة في الفترة من 1603 إلى 1868، التي امتازت بالازدهار الثقافي والاقتصادي، وحينها أصبحت الحمامات العامة ذات أهمية اجتماعية وليست صحية فحسب.

وتعتمد حمامات السينتو على مياه الصنابير الساخنة وتتضمن مساحات واسعة يكسوها البلاط وتزين جدرانها اللوحات الجدارية الملونة. فضلا عن أن رسوم دخول حمامات السينتو أقل من رسوم دخول نظيرتها ذات الينابيع الساخنة.

وفي كتابها، "كاتدرائيات الجسد"، قارنت أليكسيا برو، الباحثة في ثقافة الاستحمام في العالم، بين حمامات السينتو والمقاهي الأوروبية، من حيث التنوع الاجتماعي في الماضي. وتقول برو إن رسومات "أوكييو إي" التي ازدهرت في الفترة بين القرن السابع عشر إلى التاسع عشر جسدت أهمية حمامات السينتو العامة كساحة للالتقاء والتفاعل بين أفراد المجتمع.

إذ تظهر لوحات الفنان تويوهارا كونيشيكا في القرن التاسع عشر نساء يتردين الزينة التقليدية اليابانية ويتحممن جنبا إلى جنب مع أطفالهن.

لكن اليوم تراجعت أعداد حمامات السينتو، بسبب تغير عادات الاستحمام وانتشار أحواض الاستحمام الحديثة في المنازل. إذ وصل عدد حمامات السينتو في طوكيو وحدها إلى 2700 حمام منذ 50 عاما، لكنه وصل الآن إلى 530 حماما فقط. لكن استمرار الإقبال على حمامات السينتو في اليابان يدل على أن هذه الحمامات تقدم تجربة اجتماعية فريدة لا يمكن الحصول عليها في المقاهي والحانات.

وتبلغ تكلفة الاستحمام في حمام السينتو القريب من منزلي في طوكيو 3.25 جنيه إسترليني، وتراقب الحكومة أسعار الدخول؛ لتظل في متناول الجميع. وقبل أن أغطس في حوض الاستحمام الساخن، خلعت كل ما كان يربطني بالعالم الخارجي، بدءا من الحذاء.

ودخلت إلى غرفة تغيير الملابس، والتقيت بطائفة متنوعة من ساكنات طوكيو، من الجدات إلى الحفيدات. ويصطحب اليابانيون أبناءهم إلى هذا العالم الفريد الذي لا يعد فيه العري مدعاة للخجل ولا سببا للفخر، بمجرد ما يخطون خطواتهم الأولى. ففي هذا المكان جميع الأجساد، مهما اختلفت أحجامها وأشكالها وتعددت ندوبها وعيوبها، عارية لا يسترها زي سباحة ولا قميص.

وتقول ستيفاني كروهين، التي تنحدر من فرنسا، وأصبحت سفيرة لجمعية حمامات السينتو في طوكيو، إن هذا هو المكان الوحيد الذي لا يعبأ فيه الناس على الإطلاق بعيوب الجسم.

وتعمل كروهين في العاصمة اليابانية وتروج لمزايا الحمامات العامة للزوار. وتقول إن حمامات السينتو هي النقيض لعالم التواصل الاجتماعي المثالي الخالي من العيوب.

وتقول تومومي أبيكو، صديقتي اليابانية، إن هذه الحمامات العامة تتيح الفرصة للأطفال للتعرف على الشكل الطبيعي للجسد دون تلميع أو تزيين ولا إثارة جنسية. وتتعلم الفتيات في بداية حياتهن أن النساء ليس من الضروري أن يبدين مثاليات كعارضات الأزياء الشهيرات.

ويشاع في اليابان أن العري يشجع على التحلي بالصراحة والأمانة بين مرتادي الحمامات. ويمتاز المجتمع الياباني بأنه تراتبي بشدة، ويحرص على احترام الأكبر سنا ومقاما، سواء في العمل أو في المنزل. ويجلّ الشخص أستاذه سواء في المدرسة أو الفرق الرياضية أو في العمل أو بين أفراد العائلة، لكن هذا الاحترام الشديد قد يقف عائقا أمام الصراحة، إذ يخشى التلميذ أن يعارض أو يشك في كلام أستاذه حتى لا يبدو فظا.

ويرمز التجرد من الملابس إلى التجرد من المركز الاجتماعي ولو كان مؤقتا. إذ توفر هذه الحمامات مساحة عامة للجميع، رؤساء ومرؤسين للاستحمام معا كشكل من أشكال التمرد على الطبقية في المجتمع.

وثمة مفهوم في اليابان يطلق عليه "العلاقة المجردة"، أي التعرف على الآخرين دون التقيد بما يفرضه المجتمع من رسميات وحواجز. وهذا المفهوم يعكس الصراحة التامة التي لا تتحقق إلا في هذه البيئة الاستثنائية.

إذ يشجع الاستحمام الجماعي الناس، وخاصة أفراد العائلة أو الزملاء، على التطرق إلى موضوعات مثيرة للجدل والتحدث بصراحة عن مشاعرهم. وتقول كروهين إن الجميع هنا سواسية، لا فرق بين غني وفقير ولا رئيس ومرؤوس، باستثناء الاحترام المكفول لكبار السن.

وتقول أبيكو إن الحمامات العامة أكثر شيوعا مما تعتقد، إذ يعيش الكثير من الموظفين في اليابان في مهاجع ذات مغاطس مشتركة. وتوفر هذه المغاطس الفرصة لتبادل الأسرار بين الموظفين والأصدقاء وأفراد العائلة.

وترتاد أبيكو هذه الحمامات العامة بصحبة أمها، وتقول إن التجرد من الملابس والاسترخاء في المياه الساخنة يساعدهما على التحدث بصراحة عن أشياء لا يتحدثان عنها في المعتاد.

وبينما يزور هذه الحمامات عائلات ومجموعات؛ لتوطيد الروابط الاجتماعية، فإن البعض يزورونها بمفردهم للاسترخاء وتجديد النشاط والتواصل مع الطبيعة.

وتوفر هذه الحمامات التي تختلط فيها الأسرار بدخان الأبخرة، تجربة اجتماعية فريدة من نوعها، تذوب فيها الحواجز والرسميات وتتلاشى التوقعات والانتقادات ويتعامل الجميع بصدق وصراحة مع غيرهم.

هذا المحتوى من

فيديو قد يعجبك:

إعلان

إعلان