لم يتم العثور على نتائج البحث

إعلان

إسرائيل والتطبيع مع السودان.. من فشل تُوِج بـ"لاءات ثلاث" إلى لقاء عنتيبي

05:18 م الأربعاء 05 فبراير 2020

نتنياهو والبرهان

كتب – محمد الصباغ:

ربما كان اجتماع الجامعة العربية في العاصمة السودانية الخرطوم هو الاجتماع الأبرز منذ بدء الصراع العربي الإسرائيلي؛ فبعد نكسة يونيو 1967، اجتمع القادة العرب في العاصمة الخرطوم في سبتمبر وانتهوا إلى مجموعة قرارات عرفت بها القمة: "اللاءات الثلاث."

انتهى الاجتماع العربي في السودان بثلاثة قرارات مثلت رد الفعل الموحد بعد العدوان الإسرائيلي على الأراض العربية في سوريا ومصر وفلسطين، وانتهى بأنه "لا سلام ولا اعتراف ولا مفاوضات مع إسرائيل"، في وقت سعت فيه دولة الاحتلال لفرض التطبيع والتعاون مع الدول العربية في ظل أمر واقع وهو الاحتلال الذي توسع بشكل كبير بعد احتلال سيناء والجولان والضفة الغربية وقطاع غزة.

ظلت الخرطوم رمزا لتلك "اللاءات الثلاث"، وحاولت إسرائيل عبر العقود الماضية اختراق السودان وفرض التطبيع عليه، ولكن حتى الآن فشلت تل أبيب في ذلك، على الرغم من الإعلانات الإسرائيلية المتتالية عن تطوير العلاقات مع دول عربية وإسلامية كبيرة في المنطقة.

كانت أفريقيا ساحة أخرى تسعى وراءها دولة الاحتلال. بدأت تل أبيب التوغل في أفريقيا كبير منذ رحيل الرئيس جمال عبد الناصر، واستطاعت ضم دولة تشاد ذات الأغلبية المسلمة إلى صفها في "اختراق جديد" للقارة السمراء على حد وصف تل أبيب، وذلك بعدما ظلت الدولة المتاخمة للسودان وليبيا في تعاون كبير مع الزعيم الليبي الراحل معمر القذافي، وبعيدة عن النفوذ الإسرائيلي.

في الأيام الماضية ظهرت إلى العلن محاولة إسرائيلية لاختراق السودان، حينما أعلن نتنياهو عن لقاءه برئيس مجلس السيادة السوداني عبد الفتاح البرهان في العاصمة الأوغندية عنتيبي يوم الاثنين.

تلك المحاولة الإسرائيلية لاختراق السودان لم تكن الأخيرة، فطالما حاولت إسرائيل عبر العقود الماضية اختراق الدولة التي كانت لوقت قريب جدا تطبع على جوزات سفر مواطنيها "مسموح له بزيارة كل الأقطار عدا إسرائيل".

"فشل تُوّج باللاءات الثلاث"

كشفت وثائق ومراسلات نشرها موقع "سودان تريبيون" عن مساعي إسرائيل لاختراق السودان واستمالته قبل إعلان استقلاله وانضمامه للجامعة العربية.

سعت دولة الاحتلال حينها إلى إقناع الخرطوم عبر وسائل مختلفة بأن تتجاوز عن بعدها العربي لصالح البعد الإفريقي، لكن تلك المحاولات باءت بالفشل، وانضمت السودان للجامعة العربية في 19 يناير عام 1956، بعد أيام قليلة من إعلان الاستقلال في الأول من نفس الشهر.

تحدثت الوثائق عن أن حلقة الوصل بين إسرائيل والسودان كان السياسي محمد أحمد عمر، الذي كان عضوا في حزب الأمة والجبهة الاستقلالية السودانية.

جاء أيضًا أن محاولة التوغل الإسرائيلي في السودان جاء بعدما اعتقد حزب الأمة آنذاك أن قضية الاستقلال باتت في مهب الريح بعد انتصار تيار سياسي يؤيد الوحدة مع مصر والممثل في الحزب الوطني الاتحادي بزعامة اسماعيل الأزهري في انتخابات 1953.

حينها عرضت إسرائيل التعاون الاقتصادي والدعم المالي للسودان عبر "عمر" من أجل إنهاء سيطرة الأزهري، ومواجهة التغلغل المصري بقيادة عبد الناصر في السودان.

كشفت الوثائق أيضًا عن مطالب أربعة إلى دولة الاحتلال قدمها عمر في لقاء مع مندوبين لإسرائيل في قبرص، وجاءت كالتالي:

إثارة قضية السودان في المحافل الدولية وخاصة الأمم المتحدة.

الضغط على الحكومة في لندن لإلغاء اتفاقية 1953 بين مصر وبريطانيا.

استخدام نفوذ إسرائيل في الولايات المتحدة لنفس الغرض وأشار عمر إلى أن عدة مسؤولين من الخارجية الأمريكية زاروا الخرطوم مؤخراً وحاولوا إقناعهم بقبول مبدأ وحدة وادي النيل مما يؤكد أنهم تماهوا مع موقف القاهرة.

أي مساعدات أخرى فهم أن القصد منها مادية أو مالية.

وافقت إسرائيل على المطالب حينها بشرط مساعدة حزب الأمة لتل أبيب في تعزيز العلاقات التجارية مع السودان.

كشفت وثائق "سودان تريبون" عن رسائل إسرائيلية كشفت اهتمام تل أبيب بمسألة الطيران عبر أجواء السودان منذ الخمسينيات، حيث عرضت رسالة بتاريخ 29 سبتمبر 1955 من مستشار رئيس وزراء إسرائيل للشئون العبرية جوش بالمون إلى مسئول شئون الشرق الأوسط بوزارة الخارجية الإسرائيلية جدعون رافايل.

وجاء في نصها "إنَّ منع عبور الطائرات (المتجهة لإسرائيل) فوق السودان ليست مسألة تستوجب أن نثيرها لصديقنا [عمر]، بل على العكس، يجب أن تكون إنذاراً لأنفسنا بالتحرك بسرعة وزيادة التعاون مع حزب الأمة حتى يشعر الأزهري أن قضية إسرائيل ليست مجرد مسألة علاقات خارجية".

فشلت أيضًا إسرائيل في تأليب السودان على مصر في نهاية ذلك العام 1955، خلال محاولات مصر للحصول على تمويل دولي لبناء السد العالي.

الوثائق أيضًا أظهرت أن إسرائيل حاولت منع انضمام السودان إلى جامعة الدول العربية، وبعثت برسالة إلى محمد أحمد عمر نصها "إذاعة القاهرة تبث تقارير منذ عدة أيام تتحدث عن انضمام وشيك لبلادك للجامعة العربية. بإمكانك أن تتخيل أن هذه المسألة مخيبة جداً لآمال شعبنا في الداخل ولكنهم مازالوا يأملون في أن يتمكن أصدقاءنا من منع هذه الخطوة. سنرحب باي جهد تستطيع القيام به في هذا الاتجاه".

انتهى الأمر بانضمام السودان للجامعة العربية وأرجع عمر السبب في رسائله إلى الإسرائيليين بسبب النشاط المصري عبر عضو مجلس قيادة الثورة صلاح سالم، حيث أقنع الأخير رئيس الوزراء السوداني الأزهري بالأمر.

"رحلة تشاد واختراق الأجواء"

استمرت دولة الاحتلال في محاولاتها مع السودان، وحينما زار رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو تشاد في يناير من العام الماضي، وخلال رحلة العودة تحركت طائرته في مسار جوي أثار التساؤلات في السنوات الأخيرة لحكم الرئيس السوداني السابق عمر البشير، حينما عبر أجواء دولة جنوب السودان، والتي تسيطر عليها الخرطوم.

حينها واجهت حكومة السودان انتقادات كبيرة باعتبار تلك الخطوة تطبيعًا، لكن نفت الخرطوم ذلك واعتبرت أن القرار جاء من جوبا، عاصمة دولة الجنوب.

كانت الخطوة الإسرائيلية بمثابة محاولة لمعرفة رد الفعل السوداني، وحينما صرح نتنياهو بأن شركات الطيران الإسرائيلية سوف تتمكن من التحليق فوق الأجواء السودانية، ردت سلطة الطيران المدني السودانية بأن "الطائرات الإسرائيلية لن تعبر أجواء السودان إلا بإذن من الخارجية وتنفيذ من سلطة الطيران المدني".

ودافعت السلطات السودانية آنذاك عن قرار تحليق الطائرة الإسرائيلية فوق دولة جنوب السودان يعود إلى حكومة جوبا، معتبرة أنه: "قرار سيادي تتخذه حكومة الجنوب".

كما أبرزت أن مهمة سلطات الطيران المدني في السودان تنحصر في متابعة إجراءات السلامة والملاحة للطائرات من وإلى جنوب السودان، دون التدخل في قرار جوبا بشأن من يتم السماح له بالتحليق فوق أجواء الدولة الوليدة عام 2011.

في رحلة العودة التي وصفت بالتاريخية في إسرائيل، اتجهت الطائرة من تشاد جنوبًا نحو دولة إفريقيا الوسطى، لكنها توجهت غربًا منتصف جنوب السودان قبل أن تكمل رحلتها عبر إثيوبيا وإريتريا ثم البحر الأحمر حتى تل أبيب.

لقاء عنتيبي

وأعلن نتنياهو يوم الإثنين، عن لقاء بين نتنياهو ورئيس مجلس السيادة السوداني في العاصمة الأوغندية عنتيبي، في خطوة أثارت أزمة بين الحكومة السودانية وهاجمتها أحزاب وحركات.

اعتبر الاتحاد العام للصحفيين السودانيين اللقاء بمثابة "يوم أسود"، بينما قال زعيم حزب الأمة الصادق المهدي إن اللقاء "لا يحقق أية مصلحة سواء للسودان ولا للدول العربية أو القضية الفلسطينية".

وأعلن البرهان في بيان، الثلاثاء، أن لقاءه بنتنياهو "جاء من موقع مسؤوليتي بأهمية العمل الدؤوب لحفظ وصيانة الأمن الوطني السوداني".

كما أشار إلى أن "موقف السودان المبدئي من القضية الفلسطينية وحق الشعب الفلسطيني في إنشاء دولته المستقلة ظل ومازال وسيستمر ثابتا وفق الإجماع العربي ومقررات الجامعة العربية".

ترى تل أبيب في الأمر استكمالا للتوغل الإسرائيلي في أفريقيا، بجانب النفوذ الاقتصادي المتمثل في فتح المجال السوداني أمام طائرات الركاب الإسرائيلية، لتقليص وقت السفر بين إسرائيل ودول أمريكا الجنوبية وخصوصا البرازيل.

وسعت إسرائيل كثيرا إلى تلك الخطوة لكن تظل الخرطوم حتى الآن هي حجر العثرة أمام تقليص الرحلات الإسرائيلية وقت السفر عبر أجواء القارة الإفريقية نحو القارة اللاتينية.

فيديو قد يعجبك:

إعلان

إعلان