رئيسة وزراء نيوزيلندا تكافح سياسيا... بعد عام من الهجوم على مسجدي كرايست تشيرش
ولنجتون- (د ب أ):
منذ توليها منصب رئيسة وزراء نيوزيلندا في عام 2017، صارت العلامة التجارية لجاسيندا أردرن من تقدم وتعاطف واحتواء، أكثر الصادرات التي يتم الحديث عنها في نيوزيلندا.
واتجهت عيون العالم بالفعل إلى السيدة البالغة من العمر 39 عاما، بسبب صعودها السريع إلى القمة، ولكونها الزعيمة السياسية الأولى التي تقوم بالانجاب أثناء فترة شغلها رئاسة الحكومة منذ ما يقرب من 30 عاما، ولكن تعاملها مع تداعيات الهجوم الذي شهد قيام شخص من دعاة تفوق العرق الأبيض، بفتح النار على مسجدين في مدينة كرايستشيرش قبل عام تقريبا، هو ما أكسبها شهرتها في أنحاء العالم.
وقالت أردرن فور وقوع الهجوم في 15 من مارس من العام الماضي، والذي أسفر عن مقتل 51 قتيلا وإصابة العشرات، إن "نيوزيلندا هي وطنهم. إنهم مننا"، وذلك في إشارة إلى الضحايا. ثم هرعت على الفور إلى جزيرة ساوث أيلاند حيث توجد كرايستشيرش، وارتدت غطاء للرأس واستمعت بقدر كبير من العاطفة للمتضررين وعانقتهم، ثم قامت سريعا بتحويل المشاعر إلى إجراءات عملية.
وقد قامت حكومتها في غضون شهر من وقوع الحادث، بمنع الأسلحة العسكرية شبه الآلية، الشبيهة بالأسلحة التي استخدمها المهاجم في كرايستشيرش، بالاضافة إلى اقتراب صدور مجموعة ثانية من قوانين استخدام الأسلحة.
كما استغلت أردرن حالة الاستياء العالمي، لتطلب من عمالقة وسائل التواصل الاجتماعي تحمل المزيد من المسؤولية، بعد أن قام المسلح ببث الهجومين حيا على موقع "فيسبوك" لمدة 17 دقيقة.
وفي مايو، تم إطلاق حملة "نداء كرايستتشيرش للعمل"، وهي عبارة عن تعهدات غير ملزمة من جانب الحكومات وشركات التكنولوجيا، للتصدي للمواد ذات الصلة بالمحتوى الإرهابي والعنيف على الإنترنت. ومنذ ذلك الحين، وقعت كبرى منصات التواصل الاجتماعي جميعها على الحملة، ومن بينها فيسبوك، ويوتيوب، وجوجل، وتويتر، بالاضافة إلى أكثر من 50 دولة.
وقد دخلت إجراءاتها حيز التنفيذ لأول مرة، بعد الهجوم على كنيس يهودي في مدينة هاله بشرق ألمانيا في شهر أكتوبر الماضي، أثناء الاحتفال بيوم عيد الغفران المقدس لدى اليهود.
وقد قام المهاجم ببث محاولة الاقتحام بصورة حية على موقع التواصل الاجتماعي "تويتش"، وهو منصة للفيديو تملكها شركة أمازون، ولكن الموقع أزال مقطع الفيديو من موقعه وعلق حساب المستخدم.
وبينما شهدت الكثير من الدول الغربية طفرة في الشعوبية والآراء المتطرفة خلال السنوات الأخيرة، تبرز أردرن التركيز على اللطف والاحتواء.
إلا أن الشعبية الدولية التي اكتسبتها، وظهورها على أغلفة المجلات العالمية من أمثال "تايم" و"فوج"، لن تساعدها على إعادة انتخابها في الانتخابات العامة بنيوزيلندا، المقررة في سبتمبر المقبل.
حيث تخوض أردرن محليا معركة مريرة. ففي أحدث استطلاع للرأي والذي أجرته شركة "كولمار برونتون" لاستطلاعات الرأي، حظي الحزب الوطني المعارض على تقدم بفارق ضئيل على حكومتها الائتلافية.
وكانت زعيمة حزب العمال فازت في الانتخابات في عام 2017، بهدف القضاء على الفقر بين الأطفال ووضع نهاية لأزمة الإسكان المتنامية في البلاد.
إلا أن مدة الدورات في البرلمان النيوزيلندي، والتي تبلغ ثلاثة أعوام، تعتبر قصيرة، وكان التقدم الذي تم بطيئا. وبينما رفعت حكومتها الحد الأدنى للأجور وقدمت إعانات للأسر، أشارت الإحصاءات الحديثة إلى استمرار وجود طفل واحد بين كل خمسة أطفال، يعيش في فقر، كما يعاني أطفال قبائل الماوري والمحيط الهادئ من معدلات فقر أعلى من ذلك بكثير. كما تسجل البلاد واحدة من أعلى معدلات الانتحار بين الشباب في العالم المتقدم.
من ناحية أخرى، وصفت المقررة الخاصة التابعة للأمم المتحدة المعنية بالحق في السكن اللائق، ليلاني فرحة، في الشهر الماضي، حالة الإسكان في نيوزيلندا بأنها "أزمة حقوق إنسان ذات أبعاد كبيرة"، وانتقدت الحكومة بسبب عدم قيامها بما هو كافِ.
كما فشل وعد أردرن في الانتخابات، بإنشاء 100 ألف منزل بأسعار معقولة خلال فترة 10 سنوات، مع توفير 1000 وحدة خلال عامها الأول في منصبها، مما اضطرها لتتخلى عن خطط لفرض ضريبة مكاسب رأسمالية "تحويلية".
ويبدو أنه مع بدء انطلاق الحملات الانتخابية، ستركز أردرن من جديد على علامتها التجارية، وهي "الإيجابية بلا هوادة"، وستواصل القتال.
وستُظهر للعالم مرة أخرى كيفية بناء مجتمع متسامح وشامل في مواجهة المحن، بمناسبة الذكرى السنوية الاولى لهجمات كرايستشيرش، والتي تحل في 15 من شهر مارس.
فيديو قد يعجبك: