توماس فريدمان: هناك استراتيجية جديدة للتعامل مع كورونا
كتبت- هدى الشيمي:
مع تفشي فيروس كورونا المتحور الذي يسبب مرض كوفيد-19، قال الكاتب الأمريكي توماس فريدمان إن هذه الأيام بمثابة اختبار لكل قائد، ومسؤول محلي، وكافة وسائل الإعلام في جميع أنحاء العالم؛ جميعهم مُطالب باتخاذ قرارات مصيرية وسط أوضاع ضبابية، ومعلومات غير منضبطة مئة بالمئة، والمواطنين يجلسون في مقاعدهم يصيحون بهم كي يتصرفوا بسرعة.
لكن مع إغلاق العديد من الشركات والمؤسسات وبدء تسريح الملايين، قال فريدمان إن بعض الخبراء بدأوا يتساءلون عما يمكن القيام به لإنقاذ الاقتصاد، والجيل القادم، هل هذا العلاج، حتى لو لفترة قصيرة، أسوأ من المرض؟
لفت فريدمان إلى أن قادة العالم لا يتخذون قراراتهم دون تفكير، ولكنهم يعملون وفق نصائح أخصائيي الأوبئة وخبراء في الصحة العامة، ومع ذلك لا نزال في حاجة إلى توخي الحذر بشأن التفكير الجماعي، وهو الأمر الطبيعي ولكنه خطير عند التعامل مع أزمة وطنية وعالمية، وقال: "نتخذ قرارات قد تؤثر على البلد بأكمله، واقتصاد بالكامل، وبالتالي حتى القرارات الصغيرة قد يكون لها عواقب وخيمة فيما بعد".
مع انتشار الفيروس في الولايات المتحدة، دعا فريدمان إلى ضرورة توفير المزيد من الأسرة في المستشفيات، ومعدات العلاج لأولئك الذين يحتاجون إليها، بالإضافة إلى أقنعة واقية متطورة لحماية الكوادر الطبية التي تعمل في مراكز العلاج، وشدد على ضرورة إجراء اختبارات سريعة وواسعة النطاق.
في الوقت نفسه، على الجميع أن يسأل نفسه- حسب فريدمان- هل يمكننا التقليل من تهديدات الفيروس بشكل يساعد على زيادة فرص الأشخاص الأكثر تضررًا على العودة إلى العمل في أقرب وقت ممكن.
حسب خبراء تحدث إليهم فريدمان، فإنه من الممكن فعل ذلك في أسابيع، إذا توقفنا للحظات وقررنا التعامل مع كورونا على أنه تحدي.
الجانب السلبي للعزل والإغلاق
يسعى خبراء الصحة إلى إيجاد توزان بين القضايا الطبية والاقتصادية والأخلاقية التي تشغل بال الرأي العام حاليًا. نقل فريدمان عن مقال للدكتور جون بي. آيه. إيوننيديس، في 17 مارس الجاري، أنه حتى الآن لا يزال الجميع عاجز عن تفسير أسباب ارتفاع معدلات الوفيات بـكورونا، ولكن المُبشر في الأمر، هو أن المعلومات المؤكدة تشير إلى أنها قد تكون 1% أو ربما أقل.
وتابع:"إذا كان هذا المُعدّل الحقيقي للوفيات، فإن العواقب الاجتماعية والمالية للإغلاق العالم ستكون هائلة وغير منطقية تمامًا، الأمر أشبه بالفيل الذي يتعرض للهجوم من قطة منزلية، يخشاها بشدة، فيقفز عن طريق الخطأ من فوق جرف ويموت".
قال الدكتور ستيفن وولف، المدير الفخري في جامعة فرجينيا كومنولث، إن استجابة المجتمع لكوفيد-19، والتي تتمثل في إغلاق الشركات وعزل المجتمعات، قد تكون ضرورية للحد من انتشار الفيروس، ولكنها قد تضر بالصحة بصور أخرى، وقد تكلف البعض أرواحهم.
حسب ستيفن وولف، فإن بعض المرضى المصابين بألم في الصدر أو يشعرون بأعراض السكتة الدماغية، والذين بحاجة إلى مساعدة طبية عاجلة، يخشون الاتصال بأرقام الطوارئ خوفًا من الإصابة بكورونا حال نقلهم إلى المستشفيات، وحتى المصابين بأمراض السرطان قد يضطرون لتأخير علاجهم الكيميائي لأن المراكز التي يتلقون فيها العلاج مُغلقة.
علاوة على ذلك، أشار الدكتور وولف إلى انتشار بعض الأمراض العقلية والمشاكل النفسية بسبب الماكل الاقتصادية وتسريح الموظفين.
هل هناك طريقة أخرى؟
حسب فريدمان، فإن أحد أفضل الأفكار المطروحة للتعامل مع الأزمة كانت للدكتور ديفيد كاتز، الخبير في الصحة العامة والطب الوقائي، والذي قال في افتتاحية بنيويورك تايمز إن هناك ثلاثة أهداف رئيسية في الوقت الحالي وهي "إنقاذ أكبر عدد ممكن من الأرواح- التأكد من أن النظام الطبي مستقر- لكن مع الحرص على ألا تؤدي عملية تحقيق الهدفين الأولين إلى تدمير الاقتصاد، ونتيجة لذلك خسارة المزيد من الأرواح.
لهذه الأسباب، دعا كاتز إلى الانتقال من استراتيجية "المنع الأفقي" التي يتبعها العالم الآن، والتي تقوم على تقييد حركة وتجارة الجميع، دون النظر إلى مخاطرها الكبيرة، إلى استراتيجية المنع العمودي.
حسب كاتز، فإن استراتيجية المنع العمودي تركز على حماية وعزل أولئك المعرضين للقتل أو المعاناة من أضرار على المدى الطويل من خلال الإصابة بكورونا، وهم كبار السن، المصابين بأمراض مزمنة وأصحاب المناعة الضحية، مع التعامل مع الآخرين بالطريقة ذاتها المُستخدمة في العلاج من التهديدات الصحية المألوفة مثل الانفلونزا، ما يعني أن نطالبهم باحترام الآخرين عند السعال، العطس، وغسل أيديهم بانتظام، والبقاء في المنزل لفترة أطول إذا شعروا بالمرض الشديد، أو طلب الرعاية الصحية في حالة تفاقم أوضاعهم.
في حالة تعاملنا مع الأمر باعتباره انفلونزا، لن يذهب إلى المستشفى سوى عدد قليل وسيموت نسبة صغيرة جدًا من الأشخاص الأكثر ضعفًا، حسب كاتز، الذي أكد أنه مع السماح للجميع بالعمل من منازلهم لفترة غير محددة، وابقاء الكل في مكان واحد، فإننا بذلك نعرض الأكثر ضعفًا للمزيد من مخاطر الإصابة بالفيروس.
استغلال استراتيجية العزل
قال كاتز لفريدمان إن استخدام استراتيجية العزل لمدة أسبوعين قد تُفيد، وأضاف: "اطلب من الجميع البقاء في منازلهم لأسبوعين فقط، عوضًا عن أجل غير مُسمى، إذا كنت مُصاب بالفيروس، فستظهر عليك الأعراض في غضون أسبوعين".
حسب كاتز، فإن الأشخاص المصابين بالفيروس عليهم عزل أنفسهم لأسبوعين آخرين، ويتعاملون مع الأمر تمامًا كما لو أنه انفلونزا، أما الآخرين فيعودوا لممارسة أعمالهم بشكل طبيعي، بهذه الحالة سنعطي قبلة الحياة للمجتمع، وتعود الأمور إلى نصابها في غضون أسبوعين.
في الوقت نفسه، شدد كاتز على أن يبذل الجميع قصارى جهده لابعاد نفسهم تمامًا عن أي شخص يُشتبه في إصابته بكورونا، أو المسنين، أو الذي يعانون من أمراض مزمنة أو أصحاب المناعة الضعيفة.
يرى كاتز أنه بهذه الطريقة يمكن حماية الأشخاص الأكثر ضعفًا من العدوى، وبذلك يحصل من هم في الحالة الحرجة على العلاج اللازم دون إرهاق الأجهزة الصحية
لا يوجد أي سيناريو لتصفير العداد حسب كاتز، ولكن هذه الاستراتيجية تساعد على حماية الأشخاص الأكثر ضعفًا، كما يمكن استخدام هذه الفترة الانتقالي، لفهم المشكلة بصورة أفضل، ومعرفة أسباب انتشار الفيروس.
يجد فريدمان أن نهج كاتز رصين ويبعث على الأمل. خاصة مع تأكيده أنه لا توجد طريقة للحول دون إصابة العديد من الأمريكيين بالفيروس، فقد أبحرت السفينة بالفعل.
قال إن الولايات المتحدة أضاعت على نفسها فرصة احتواء الفيروس على مستوى السكان، لذلك تحتاج الآن إلى اتباع هذه الاستراتيجية الانتهازية، والتي تسمح لهؤلاء الذين سيصابون بالفيروس إلى الإصابة به، ومن المرجح أن يتعافوا منه بصورة طبيعية، مع عودة الحياة إلى طبيعتها نسبيًا، وفي الوقت نفسه حماية الفئات الأكثر ضعفًا.
خلال هذه الفترة، تعمل السلطات على إعداد أنظمة اختبار متنقلة وفحص درجات الحرارة، كما فعلت الصين وكوريا الجنوبية، لتحديد أولئك الذين لا يحتاجون إلى العزل لمدة 14 يومًا، ولن يتضرروا بشدة من الفيروس.
فيديو قد يعجبك: