إعلان

"مَن الحاكم الشرعي للبلاد؟".. أفغانستان تتمزَّق بين "رئيسَين"

10:44 م الإثنين 09 مارس 2020

كتب - إيمان محمود ومحمد صفوت:

في مشهد أشبه بالمسلسلات الدرامية، جلس الشعب الأفغاني، صباح اليوم الإثنين، أمام التليفزيون ليشاهدوا حفلَين مُنفصلَين لتنصيب رئيسَين لبلادهم، بعد أن رفض كلٌّ من أشرف غني "الرئيس الفائز" وعبد الله عبد الله "منافسه"، تصفية الخلافات بينهما وأصرّ كلٌّ منهما على أنه الرئيس الشرعي لأفغانستان.

على يمين الشاشة، ظهر عبد الله عبد الله مُرتديًا بدلة رسمية سوداء اللون، وسط حشد من مؤيديه، في قصر سابيدار بالعاصمة كابول، بينما ظهر أشرف غني على اليسار مُرتديًا الزيّ الأفغاني التقليدي -عباءة وجاكيت وعمامة بيضاء اللون- ليقف في قصر الرئاسة وسط أنصاره أيضًا، بالإضافة إلى شخصيات سياسية بارزة ودبلوماسيين وكبار المسؤولين الأجانب بمَن فيهم المبعوث الأمريكي للبلاد زلماي خليل زاد، ورئيس القوات الأمريكية في أفغانستان أوستن ميللر.

جرى الحفلان في ظل إجراءات أمنية مشددة؛ إذ تم إغلاق شوارع وأُقيمت عدة نقاط تفتيش في كابول قبل ساعات من تنصيب غني وخصمه عبد الله.

ويُعد المشهد ترسيخًا للانقسام الداخلي في أفغانستان، وهو الأمر الذي يثير مخاوف من عرقلة اتفاق السلام الذي تم توقيعه بين الولايات المتحدة الأمريكية وحركة طالبان، في خطوة تاريخية زادت الآمال في دفع أفغانستان نحو الاستقرار.

تأجيلات واتهامات

في سبتمبر الماضي، جَرَت الانتخابات الرئاسية، لكن لم يتم إعلان فوز غني بولاية ثانية إلا في فبراير الماضي، بعدما تأجّل إعلان النتيجة مرارًا وسط اتهامات بتزويرها.

وبعد أن تم إعلان فوز غني في النهاية، غضب عبد الله بشدة مُتهمًا السلطات الأفغانية بتزوير نتائج الانتخابات، وتعهّد لأنصاره بتشكيل حكومته الموازية.

وأرسل عبد الله الدعوات إلى الجهات الدبلوماسية لحضور حفل تنصيبه رئيسًا، وفي تصريحات سابقة لفريدون خوازون، المتحدث باسم عبد الله، قال: "أرسلنا الدعوة إلى جميع المنظمات الوطنية والدولية، وجرى إتمام جميع الاستعدادات اللازمة"، حسب ما نقلته صحيفة "الشرق الأوسط".

ولم يتم الإعلان عن أي شخصيات دبلوماسية حضرت حفل تنصيب عبد الله، لكن الحاضرين كانوا زعماء من بين أولئك المتحالفين مع التحالف الذي قادته الولايات المتحدة للإطاحة بـ"طالبان" في 2001، وشارك أولئك الزعماء أيضًا في الحرب الأهلية في التسعينيات.

وخلال المراسم، قال عبد الله لأنصاره بعد أداء اليمين الرئاسية: "إذا قبلنا نتائج الاحتيال على أنها مصلحة مناسبة، فستكون جنازة الديمقراطية في هذا البلد".

وتعهّد عبد الله أمام الحشد المُجتمع بالقصر المجاور للقصر الرئاسي بـ"بحماية الاستقلال والسيادة الوطنية وسلامة الأراضي" في أفغانستان.

صواريخ نحو المراسم

بعد لحظات قليلة من بدء خطاب غني، سُمع دوي انفجار وإطلاق صواريخ سقط بعضها في محيط القصر الرئاسي، وهزَّت بعض الحاضرين، بينما حثّهم غني على البقاء.

لم يُعرف مطلقو الصواريخ على الفور، لكن المشهد أثار مخاوف من الانقسام المتزايد في القيادة الأفغانية، وما يمكن أن يؤدي إليه من تأجيج العنف داخل البلاد.

أما غني فلم يهتز لسماع أصوات الانفجارات، واستأنف كلمته بالثبات ذاته، كما طلب من أنصاره الالتزام بالهدوء، قائلًا لهم: "إنها مجرد انفجارات".

وأصرّ غني على عدم مغادرة المنصة مع قرع أجراس الإنذار، وقال لمَن لزموا مكانهم إنه لا يرتدي سترة واقية من الرصاص، بل قميصًا فقط، مضيفًا: "سأبقى ولو كان عليّ التضحية بنفسي".

وحسب وكالة الأنباء الفرنسية، فإن عديدًا ممن فروا عادوا إلى مقاعدهم بعد رفض غني مغادرة المنصة؛ حيث كان يلقي خطابًا وسط تصفيق حار.

وفي أول قرار يتخذه الرئيس الأفغاني، تعهَّد بإصدار مرسوم غدًا يتضمن إطلاق سراح الأسرى التابعين لـ"طالبان"، قائلًا إنه يتوقع أن تؤدي هذه الخطوة إلى الحد من العنف في البلاد، حسب قناة "1 تي في" الأفغانية.

وبعد ساعات قليلة من انتهاء المراسم، تبنى تنظيم داعش الهجوم المتزامن مع مراسم التنصيب، وجاء في البيان الذي تناقلته حسابات جهادية على تطبيق تلجرام "استهدف جنود الخلافة حفل تنصيب الطاغوت (أشرف غني) بالقرب من المقر الرئاسي" في كابول بعشرة صواريخ، دون أن يأتي على ذكر عبد الله عبد الله.

مخاوف عرقلة السلام

أثار الخلاف بين غني وخصمه قلق عديد من الأفغان بشأن مستقبل بلادهم التي تعاني ارتفاع معدّل البطالة، وتواصل العنف باستثناء فترة الهدنة الجزئية التي استمرت أسبوعًا وسبقت الاتفاق بين "طالبان" والولايات المتحدة، الذي تم توقيعه نهاية فبراير الماضي.

وصرَّح المتحدث باسم "طالبان" ذبيح الله مجاهد، إلى وكالة الأنباء الفرنسية، بأن تنظيم حفلَي تنصيب رئاسي متوازيين يعكس أن "لا شيء أهم بالنسبة للعبيد من مصالحهم الخاصة".

وكانت وزارة الدفاع الأمريكية وضعت خطط الانسحاب الأولى لقواتها من أفغانستان؛ لكنها رجَّحت أن لا ينتهي العنف في البلاد، حتى بعد أن وقعت الولايات المتحدة و"طالبان" اتفاق سلام؛ حيث فوّض وزير الدفاع الأمريكي مارك إسبر، في ـ3 من مارس الجاري، قائد القوات الأمريكية في أفغانستان الجنرال سكوت ميلر، باتخاذ قرار بدء الانسحاب الأوَّلِي الذي سيتم في غضون عشرة أيام.

ووقعت الولايات المتحدة وحركة طالبان، في 29 فبراير الماضي، بالعاصمة القطرية الدوحة، اتفاق سلام، في خطوة تمهد لانسحاب القوات الأجنبية من أفغانستان، وإنهاء حرب مستمرة منذ 18 عامًا في دولة تعاني ويلات العنف.

ويقضي الاتفاق بالانسحاب الكامل للقوات الأمريكية وقوات حلف شمال الأطلسي من أفغانستان خلال 14 شهرًا.

وينص الاتفاق على أن "تعمل الولايات المتحدة فورًا مع كل الأطراف المعنية للإفراج عن السجناء السياسيين والمقاتلين"، فضلًا عن "إفراج واشنطن والحكومة الأفغانية عن نحو 5 آلاف أسير، بينما تفرج (طالبان) عن نحو ألف أسير بحلول 10 مارس".

كما يتضمن الاتفاق رفع الولايات المتحدة العقوبات عن أعضاء "طالبان" بحلول أغسطس 2020.

فيديو قد يعجبك: